دار الثقافة ابن رشيق: معرض «عمرانيات» لحذامي سلطان: من «عمق» اللون إلى «نقش» الخط تصنع الفنانة ابداعها التشكيلي

تحمل حلمها بين أعمالها زرعت أمالها في شكل ألوان زاهية وزعتها على لوحاتها المعروضة في بهو دار الثقافة ابن رشيق، خمس وعشرون لوحة،

خمسة وعشرون حلما زرعته الرسامة في زوار القاعة ليقفوا طويلا امام الاعمال يتأملون بهاء الالوان ورسائلها المشفرة وعمرانيات هذا الوطن الصغير الحجم الكبير املا وحضارة وتشكيلا.
و»عمرانيات» هو تاريخ تونس وحضاراتها تجسد في لوحات تشكيلية بروح مختلفة، عمرانيات حذامي سلطان تشبهها، تتشابه اعمالها مع حلم فنانة تشكيلية بترك بصمتها الخاصة في رحاب الفن واللون.
في سحر اللون تختزل العمارة والعبارة
حذامى سلطان فنانة تلقائيةـ ترسم بشغف الاطفال لا تمثل أي مدرسة تشكيلية فقط يقودها حبها لتحرك الريشة واللون وتصنع اعمال تشبه روحها الطفولية، في «عمرانيات» تحاولت الرسامة اختزال كل الحضارات التي مرت على هذه الأرض في اعمالها التشكيلية، بحركات الخط واللون.
يتزين بهو دار الثقافة ابن رشيق بنظرة تشكيلية للعمارة في تونس، البهو يفتح احضانه للالوان والاحلام كما تشرّع الرسامة نوافذها على تلابيب الابداع، «الانا والاخر» اول الاعمال، هي عنوان للانفتاح على الاخر ومنذ القديم كانت تونس ارض للقاء تؤنس الزائر، بين الانا والاخر علاقات تواصل وتبادل للتجارة البحرية جسدتها في اللوحة باللون الازرق مع رموز تشبه حركات السفينة عرض البحر، «الانا والاخر» هو انصهار ساكن هذه الارض مع ضيوفه منذ القديم منذ قدوم عليسة واستقرارها في بيرصة الى الوندال والاسبانيين والعثمانيين وقوات التحالف كانت تونس تفتح ابوابها للافكار والعمارة والاشكال والثقافات.
«تانيت» الهة القرطاجيين، تانيت الخصوبة والجمال والمرأة تحضر في أعمال حذامي سلطان، تانيت تتوسط اللوحات وكانها تخبر زوار المعرض ان المراة منذ القديم سيدة المكان فعليسة أسست لامبراطورية ضخمة وفي الجبال كانت المراة الامازيغية سيدة الحرب والفكرة، فالنساء كنّ ولاتزلن عنوان للفعل والحياة، «تانيت» ايضا كانت بداية للمعمار فالرسامة تعود بريشتها الى الحضارة القرطاجية عبر رمز تانيت في لوحتها «المعمار» لوحة تمتزج فيها الالوان فالازرق يفتح على المتوسط والاصفر المائل الى البني هو لون الاعمدة التي شيدت في بيرصة لتصبح فيما بعد امبراطورية جميلة، والاخضر هو لون الكروم المزروعة في تلك المنطقة، وتداخل الألوان وانسجامها إشارة إلى جمال عمارة المكان وتناسق بناياته.
من «العمارة» في المطلق الى «السقيفة» تلك الغرفة نصف المظلمة التي تميز اغلب البيوت في تونس، السقيفة الموجودة في اغلب الحضارات التي مرت على تونس، هي جزء من عمارة الحفصيين والفاطميين ترسمها في لوحة مع حضور طاغ للون الاسود وقليل من بياض كانه نور الشمس يتسلل خلسة الى المنازل فيضيئها، و«للمدينة» بقصصها وازقتها وحكاياتها حضورها في اعمال حذامي سلطان، المدينة التي تسحر لبّ زائرها تنقلها بكل جمال مع اضافات لونية ممتعة تميز الفنانة فتصبح الاعمل اعمق واجمل وتحمل الرسامة زوارها الى «مسامرات» و»حنين» يعيشه التونسيين الى المدينة ببائها، في اعمالها فى «انصهار» بين الذات المتقبلة والذات الراسمة، في لوحاتها «تشعب» للافكار و «فوضى» الالوان ميزتها، في لوحاتها «تناغم» بين الموضوع وطريقة رسمه وكذلك «اندماج» بين الخطوط والحركات ليحدث «تلاق» يدمع رسامة عاشقة وعمارة ضاربة في التاريخ لوطن صغير احيانا تشعر انه يسقط في «هاوية» ويقدم نداء «استغاثة» لكن حب الحياة يجعله الاجمل موشى بالوان زاهية واحلام مبدعيه ومحبيه، تحرسه تانيت منذ الازل.
اللوحات تداعب الذاكرة والذكريات
تداعبك صور الطفولة وانت تشاهد اللوحات وتنتقل بينها، قد تسترجع ربما لحظات لهاثك خلف فراشة تراقص زهور الربيع،الرموز ميثاق دخولك للمعرض ولمعالم اللوحة وسحرها، الى الذاكرة تعود الفنانة محملة بطاقة تشكيلية جميلة، تكاد تشتم عبق «الحرقوس» بلونه الاسود ورائحته المنعشة، الحرقوس زينة الفتيات الجميلات، زينة العرائس أثناء فترة العرس وبعدها، هو عنوان الفرح والبهجة ولان لرائحته الزكية ميزتها جعلت الرسامة للحرقوس لوحة باسمه موشاة بالرموز المرسومة باللون الأسود موزعة على فضاء موشى بالبني الفاتح لون التراب ولون سمرة اليد المزينة بالحرقوس الذي يصبح كما «النقش» هو عنوانا للذاكرة وسبيل للذكريات والنقوش من زينة البربر ورموزهم فللامازيغ العديد من النقوش التي تميزهم عن غيرهم، رموز تختلف حسب الفئة العمرية.
رموزهم كتاب مفتوح للدراسة وتأمل حكايات شعب يرسم قصصه على الجبين والوجنتين، «نقش» لوحة يملؤها اللون البني مع مسحة من البرتقالي وقليل من البياض هي لون التربة والأرض، الأرض التي يتمسك بها الامازيغي ويدافع عنها منذ الازل، أرضه التي يراها قطعة من جنته فيدافع عنها بالدم الذي يلتحم مع التراب فيميل إلى البرتقالي الموضوع على اللوحة.
تتواصل الجولة في ربوع اللون والحلم، ينساب باب الذكريات لتراقص اللون والفكرة، الى «الذاكرة» تعود حذامي سلطان ذاكرتها ترسمها بالابيض مع مجموعة من الرموز تخطها باللون الاسود رموز كتلك الموجودة في الكهوف والمنازل المحفورة في مطماطة القديمة والزراوة وتوجان البهية، رموزها تحملك عنوة الى الهناك فتجدك في منازل الحفر تتامل سرّها وكيف حفرها وسكنها البربر وكوّنوا لنفسهم عمارة جدّ مختلفة تحميهم الحرّ والقرّ، في لوحة «ذاكرة» تتماهى الالوان مع الفضاء المنشود، تتلاحم خطوط الريشة وحركة اللون مع البيئة الجغرافية التي تميز القرى الجبلية التي تركت فيها رموز وبصمات من مروا بتلك الارض وحولوها الى ايقونات معمارية.
في حديث الذاكرة تستعمل الفنانة التقنيات المزدوجة لتصنع عالمها التشكيلي، تنساب من ذاكرتها صور للالوان والاشكال المختلفة فتجدها طفلة خلف المنسج تحاول التعامل مع «الغزل» وخيوطه المتشعبة وربما سحرتها الالوان وسكنتها فقررت الدخول الى غياهب الذات واخراج ذاك الجمال في لوحة فنية سمتها «مرقوم» باشكاله الجميلة من خلال ومثلثات ونجوم واشكال دائرية والوانه الزاهية ليظل شاهدا ان النسيج جزء من عمارة هذا الوطن وزينته تكثيف للاشكال الهندسية المعمارية.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115