مسرحية «خدامة» لطلال أيوب: ثورة مسرحية لتعريف العامل بحقوقه الاقتصادية والاجتماعية

المسرح صرخات الصادقين، المسرح كتابة مختلفة لهواجس الحالمين وقراءة متجددة للحقوق والحريات. ومسرح الشارع حركة فنية مشاكسة

تتوجه الى الجمهور مباشرة بعيدا عن الجدران المغلقة، وفي الشارع تنحاز «خدامة» للكادحين والعمال، تنحاز الى الانسان وتدافع عن حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية.
مسرحية «خدّامة» إخراج وتأطير طلال أيوب وتمثيل: محمّد عزيز بطيخ، وئام الممّي، مريم سليم، درصاف بوقرة، نور إسلام النوالي، هدير الفلي، نادين شعبان، حمزة سليم، محمّد الوحيشي، محمّد الناصر بالغيث، محمد فراس القاتي، سارة سليم، ميساء الريماني .
«خدامة» هدية الى كل المعذبين بساعات عمل يومية شاقة ومنهكة، الى عاملات الفلاحة المضطهدات اللواتي يعملن ساعات كثيرة مقابل اجر زهيد، الى عمال المصانع المعرضين لخطر المواد الكيميائية دون توفير مستلزمات الحماية، الى عمال البلدية المعرضين لكل المخاطر اليومية، الى عمال البناء الى كل المنهكين و الباحثين عن طيف من الحلم ونقطة امل في بحر الظلم الاجتماعي والاقتصادي «للناس الي تعاني ونساتهم الأغاني صرخت الاجساد وتحركت الافكار لنقل القليل من معاناتهم الى الجمهور ويكتسحوا الشارع علّهم يوصلون اصواتهم المبحوحة وأحلامهم المؤجلة من خلال فعل مسرحي مختلف.
الملابس مهترئة، الماكياج يحيل الى وضعيات الشخصيات المنهكة والمجهدة، اجساد نحيلة تحمل أوزارا ثقيلة، ظهور مقوّسة، ورسائل تتكرر عن حقوق «الخدامة» معاناة مشتركة وجماعية ينقلها الممثلون من خلال تقمص صادق للشخصيات، اقتراب من المواطن ومحاولة لإدخاله في اللعبة المسرحية، الاجساد المتعبة تحمل داخلها قلوبا حلمت بحياة كريمة، فتيات حلمن بمستقبل أفضل كهول يبحثون عن لقمة عيش ليست مغموسة في الدماء، عجائز تترك السنوات تجاعيدها على الوجوه وتزيدها قسوة العمل حناء ازلية لا تمحى، عينات مختلفة من المجتمع، شرائح عمرية متباينة جميعها تشترك في قساوة العمل والحقوق المسروقة من «العروفات» و المنظومة الرأسمالية المتوحشة التي تكدس الاموال على حساب صحة العملة وحقوقهم.
خدامة»»
الظهر محني ، الوجيعة ساكتة»
التعب غالب ، الصوت مقموع
الغزرة تجرح مكبشين يعيشوا
يوكلو صغارهم من عرقهم و لاحد يسلبهم
يموتو بالخدمة ولا يموتو بالغبنة والغصة على صغارهم»

«خدامة» مسرحية تندرج في اطار مسرح الشارع، الشارع هو موطن الفعل الابداعي النقدي، محاولة لتشريك المواطن في العملية المسرحية، الشخصيات تقترب من الباعة وأصحاب الدكاكين، بعضهم يجلس امام احدى المحلات وآخر يطلب طعاما، لتكون ردّات الفعل جد مختلفة فبعضهم يبادر الى مساعدة الممثل معتقدا انه مجهد حقا وآخر يطرده من امام محله واختلاف التعابير هو جزء من المسرحية ومن تذوق الفعل الفني عموما كذلك تكشف اختلاف القيم الانسانية لدى التونسيين.
«خدامة» صوت العاملين والكادحين، صرخات الاجساد المنهكة والأحلام المؤجلة، الام الكثيرين ممن اصيبوا بأمراض مزمنة وخطيرة بسبب تعاملهم مع المواد الكيميائية الخطيرة في أعمالهم هي صرخة امل تسكن اجساد نحيلة متعبة انهكتها الايام يقدمها ممثلين هواة احبوا المسرح وشغفوا به فكانوا صادقين واقنعوا الجمهور وشدوا انتباه المارة، في المسرحية تكون الازياء والماكياج والموسيقى من ركائز العمل الاساسية التي تساعد الممثل على تقديم نصه وشخصيته، الموسيقى تتماهى كثيرا مع انين داخلي تخفيه الشخصيات وأحيانا يلحم وجع الشخص مع الشخصية فيكون الاداء صادقا ومبهرا، الاعمار مختلفة للمثلين كذلك افكارهم لتكون المسرحية بمثابة درس في الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، درس يجب ان يقدم في الساحات العامة ليعرف العامل حقوقه المسلوبة منه.
خدامة صوت العامل والفلاح في تونس من شمالها الى جنوبها، صوت البحار الذي صبغ جلده بالملح حتى تيبس، صوت الفلاّحة المقوسة الظهر المنحنية طيلة اليوم، صوت شهيدات الخبزة اللواتي ينتظرهن الموت خلف المطبات في شاحنات الموت يوميا، صوت جامعات الاكليل المبتسمات اللواتي تسرق منهنّ الالغام اطراف اجسادهن، صوت من اهترأت اجسادهم بسبب استعمال المواد الكيميائية المحظور استعمالها دوليا، هي صرخات فتيات يحلمن بغد اجمل ليكون الغد ساعات عمل طويلة امام الة لا تعرف الكلل ورؤساء لا يعرفون معنى الانسانية، صوت الكادحين المنهوبين الذين تسرق حقوقهم باسم «البطالة ياسر» حينها «تموت المدينة» وتصبح مدينة اشباح فقط الاجساد النحيلة تتحرك دون بوصلة روحية.
«خدّامة» مسرحية ناقدة ومشاكسة تتوزع فيها الادوار على كل الممثلين لينطقوا بوجع الشخصيات يتبادلون الامكنة وطريقة التعبير، للغة الجسد حضورها، الاكسوارات قليلة لان للنص سيطرته الكاملة على العمل، هي نبش في الذاكرة الجماعية للمهمشين والمعدمين، كتابة مسرحية لوجع مخفي وطريقة تعبير مغايرة عن هموم البسطاء تنطلق من الشارع واليه تعود، هي محاولة لترسيخ ثقافة الفرجة في الشارع والتأسيس لمسرح حقيقي يلامس هموم المواطن ويعرّفه بحقوقه الاقتصادية ويذهب الى المتفرج اينما وجد، مسرح الشارع الثورة الحقيقية في المسرح التونسي بعد الثورة، فعل فني وإنساني هاجسه الاول المواطن وترسيخ قيم المواطنة والدفاع عن مدنية الدولة وقوانيها، هي لعبة فنية هدفها الانسان وجمعية ابولون بقصر هلال من الجمعيات المدافعة عن هذا الفن والداعمة لفكرة الفن البديل و المدافعة عن مسرح الشارع والمؤمنة بقدرة المسرح على التغيير.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115