كتاب الأحد: «الطريق إلى محتشد رجيم معتوق» لعمار الجماعي: تحية إلى من اقتلعوا من أعين النظام احترامهم وحريتهم

«لم اكن ارغب في ان اكتب عن كابوس رجيم معتوق اذ لا يزال عيادا كحمى الرّبع او هو أثقل بهذه الجملة يفتح عماري الجماعي

اقفال الذاكرة المغلقة ويتركها تنساب وتخرج ما تخفيه داخلها من وجع الذات ومجموعة من الطلبة الذين اجبروا على الجندية في رجيم معتوق لأنهم فكروا في معارضة النظام.
في رواية هي سيرة ذاتية يكتب عمار الجماعي الى رفاق السلاح والفكرة، يكتب الى من شاركوه الخوف والحلم من الجامعة التونسية الى قرعة بوفليجة وصولا الى محتشد رجيم معتوق، تنساب الذكريات لتقدم بعض الحقائق عن معاناة المجندين والمنبوذين من النظام في رواية «الطريق الى محتشد رجيم معتوق» الصادرة عن دار ورقة للنشر والتوزيع في 150صفحة.
حين تبوح الذاكرة باسرارها
من مدينة الحامّة في ولاية قابس، الحامة الهادئة المحكومة بالتهميش «لم اكن منتميا ولكني كنت ابحث عن جنوبيتي الرافضة للسلطة التي جوّعت اهلي وهمّشت تاريخ بلدي وصنّفتنا منذ صراع يوسف وشداد حتى الصراع اليوسفي البورقيبي وصولا الى صراع اليسار والاسلاميين مع بورقيبة ضمن الهامش «غير المرغوب فيه» وصولا الى «قرعة بوفليجة» الى الجنوب الشرقي من قبلي على بعد 120كلم تقريبا وهي «اصلاحية عسكرية» يوجد فيه «اسوأ اجناد الأرض ثم رجيم معتوق رحلة الذاكرة والحلم، رحلة طالب حلم بالنجاح في وطنه وعبر عن ارائه المعارضة للنظام فجنّد قسريا وتغير اسمه من «عمار جماعي المرسم بالسنة الثانية شعبة العربية» الى «الجنديّ عمار الجماعي رقم 441/87 الفيلق الصحراوي، سرية التنمية برجيم معتوق».
في السيرة الروائية عمار الجماعي جزء من الحكاية، يفتح اقفال الذاكرة لتتحدث عن الطلبة المجندين، الذين يعذبون في اقبية وزارة الداخلية قبل ارسالهم «نفيهم» الى محتشد رجيم معتوق ليحرموا هناك من ابسط حقوقهم «رخصة العودة الى العائلة في الأعياد» كبقية الجنود العاديين ولازال الراوي يطرح سؤالا سكنه منذ اول يوم في تجنيده «لا زال يعودني الى اليوم سؤال واحد: لماذا يقبل الجيش الوطني بهذه المهمة القذرة؟ لماذا يأخذ على عاتقه معاقبة صفوة البلد بالخدمة الوطنية؟ ما الذي يجعل مرفقا وطنيا يتحول الى اداة «ضرب» لمن يعارض او يقول لا؟».
في الذاكرة يخبئ الراوي الكثير من الشروخ يحاول مشاركتها مع القراء ومنه التخلص من حمل الذكريات وحمل وجع الوطن الذي يجبر ابنائه على الموت التدريجي فقط لانهم تجرّأوا على الحلم.
في الرواية ينقل الكاتب الكثير من التفاصيل عن معاناة الطلبة المجندين، عن الم البعد وقسوة الملازمين المشرفين، عن كيفية سرقة الضحكة في المطروحة1و2، عن رفاق الفكرة والسلاح، عن المندسين وكاتبي التقارير كلها تسكن ذاكرته يخرجها على الورق في كلمات نارية توجع القارئ وتحمله الى رجيم معتوق عله يستحضر القليل من جراحهم التي صنعت لنا وطنا حرّا وقدمت شرارات الثورات.
رجيم معتوق امس هي تونس اليوم
محتشد رجيم معتوق او كما يسميه الكاتب المنفى الصحراوي، هناك كانت الدولة التونسية تنفي طلبتها والراغبين في التغيير، ترسلهم الى الجندية في اقسى الاماكن الصحراوية، في الرجيم حيث يكون الهروب صعبا «يمكنكم الهروب متى شئتم، لكن لا تنسوا انكم في صحراء شمالها شط الجريد وغربها الجزائر وجنوبها مركز الحرس الوطني برجيم معتوق وشرقها رمل لا حد له» (صفحة 60) في هذا المحتشد كانت فسيفساء ايديولوجية تشبه فسيفساء اليوم.
تقسيم الخيام حسب الانتماء السياسي فخيمة لليسار وأخرى للإسلاميين وثالثة للقوميين، في رجيم معتوق عرف الكاتب الراحل حمادي حبيق الذي مات عطشا بعد محاولة الهرب من المحتشد، و»عرفت السيد محسن مرزوق الاشهر اليوم والقيادي السياسي عند خيمة اهل اليسار وانتبهت خاصة لنهمه في القراءة والكتابة التي كانت تأتينا بطرق ملتوية، كنت اشهد فيه ميلاد زعيم ولكن بمواصفات دكتاتور» كما عرف الشهيد شكري بلعيد الذي صاح «اصحابنا ماهمش قطعة حبل جايبها واد، الي ماتوا دمنا ولحمنا، اليوم نعلن الاضراب وفاء لارواح شهدائنا، يا ألاهي اكان الشهداء ينادون بعضهم» (صفحة 79).
في رجيم معتوق ولدت الخلافات والعداءات، بين الديمقراطيين واليساريين والقوميين والاسلاميين، صراعات عن تونس الامس واليوم، صراعات ونقاشات هي عينة من صراعات وخلافات اليوم.
• من الرواية:
«كنا مجتمعا صغيرا ومتعاونا ومتضامنا، كنّا كلنا في العذاب اخوةن لا ايديولوجيا ولا جهويات ولا تفاضل بيننا، كان اذا تعذب احدنا لا ننام حتى يعود ونطبّب جروحه، كنا من كل مدينة توسية، كان منا الطبيب والاستاذ والمحامي، هل تصدّقون ان احد الاميين من الجنود العاديين برجيم معتوق قد علمناه القراءة والكتابة؟ في «قرعة بوفليجة» كنا اخوة وفي رجيم معتوق سنكون اعداء».صفحة 36 /37.
بدات حفلة العلم المفدى، ومع النشيد الوطني بدا العلم «المقدس» يصعد في صحراء العربان لطلبة، جنود لن يتمتعوا كغيرهم برخصة العودة، كنت انظر اليه اول مرة تحول دمعة ساخنة دون رؤيته واضحا، هل عليّ ان احييك بما يليق بك ام انكّس رأسي ذليلا لمن تلحّفوا بك ليقتلوا فيّ املا» صفحة 39.
جغرافيا تمثل رجيم معتوق احدى قرى ولاية قبلي وتتبع اداريا معتمدية الفوّار وهي قرية مستحدثة تبعد عن مركز الولاية 120كلم غربا، اما محتشد رجيم معتوق فيقع في منطقة عسكرية نائية تبعد 160كلم باتجاه الجنوب الغربي التونسي عن مدينة قبلي على مقربة من الحدود الجزائرية.
في المكان الجديد وفي «المنفى الصحراوي» عليك ان تجد لنفسك موضعا وانتماء وجماعة تلوذ بهم من غربتك وهوانك، التقسيم الايديولوجي كان اوضح من شمس الربيع الذي لم نر منه ما يحدّد هويته الا زوابع الرمل، التقسيم في الخيام، خيام اليمين للاسلاميين وخيام لليسار وبعض القوميين وجماعة الحياد امثالي سروحون ويغدون كتونس في ايامنا هذه اكنّا ساعتها نضع «الانموذج الاكثر بؤسا» فما اشهده اليوم نفس ما شهدته بالامس ذات 1987 ومارضيت عنه؟ صفحة 51
طلبة الجامعة التونسية سنة 1990 يجنّدون في جزيرة مجهولة لا تعرف الا في خرائط البحر، كانوا سرابا من النوارس تاهت عن المراسي واضاعت بوصلتها، وكنا قبلهم بسنوات قليلة سربا من القطا تاه عن مشربه، ساعتها عالي المقام كان يغش في الاوراق ويراهن على الاحصنة الطرابلسية. (صفحة 150).

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115