أرشاق: اللاّعِبُ بِرُمُوزِهِ بيْنَ لُطْفِ اُلْإشَارَةِ وعُنْفِ اُلْعِبَارَةِ

إهداء خاص: إلى الفيلسوف الفرنسي / الكوني ميشال أونفري بمناسبة ضيافته "لمأدبة الكلمات" في سرة المتوسط /تونس.

• إشارة من Euripide / أوريبيد
«Dans la vie.. des principes rigoureux donnent ...dit; on plus des déceptions que des joies».
«Le temps ne s’occupe pas de réaliser nos espérances ; il fait son œuvre et s’en va».
• اشارة من ميشال أوفري:
«يمْلك كلّ شيءٍ من لاَ يْملكُ شيئا أصْلا»

(1)

يبْدو لي, هكذا يَبْدو لي أنّ مَدْخَل مَداخِل كلّ أشْكال العُنف وعُفونَات العُنْف واُلإسْتِبْدادِ واُلدُّغْمائية ومَزْبَلَةَ الحَياةِ وتَصلّب الأدْمِغَة تظْهَر مُقترنة تَلاَزُمًا بإهمال اللغة «هواملا وشواملا» وباُحْتِقار اُلإنْسان من كل جهات الذاتِ والصّفات والنزّول المهين بالجوهر الإنسي الكريم إلى مَا دون مَرتبة الجَمَاد والنّبات والحَيوان.

(2)

فِي كُلّ الحَالاَتِ والأحْوالِ يَبْقَى اُلْمَجْدُ لِلْإنْسَان شَقيقُ اُلْشّجَرِ واُلْحَجَرِ وسائر كائنات الأكوان جَميعها . سليلُ التّرابِ والهَواء والمَاءِ والنّار والعَناصِر كلّها كَمَا ألْمَع لِذلك اُلْحكيم أنْبادُوقليسْ. اُلْإنْسَان كَائِن اُلْمفارقات, اُلْمُفَارَقَاتِ العجيبة والغريبة اُلْعَذْبَةِ واُلْمُعَذّبَةِ. آه الإنسان . لقد « تَعِبنَا مِنَ اُلْإنْسَان» هكذا قال الألماني الفيلسوف / الشاعر نيتشه وقد صَرَخَ قبْلَه بقُرونٍ وقُرونٍ اُلْحكيم أبو حيان التوحيدي العظيم المالينخُولي حينَ حُرقَةِ حيْرةٍ مَعْرفيّةٍ وتمزّقٍ وِجْدانِي وهو يَفْلَى اُلْعُشْبَ مَعَ اُلْأنْعَام في الصّحْراء, صَرَخَ صَاحب «الإشارات الإلهيّة»: لقد أشْكَلَ اُلإنْسَانُ عَلى اُلإنْسَانِ، وأنَا حينَ هذا الحينِ التّونسي اُلْثّري بِمفارقاته اُلْغَريبَة والعَجيبة وأحْلامِه وخَيباته الجَارِحَة ومُرْتَجياتِه الرّجْراجَة أشْكلتْ عليّ نَفْسي... واُرْتَبكتُ في حِبَال لُغَتي.

(3)

يبدو أنّ الإنْسان وحْدَه - ربّما - اُلْكَائن الوحِيد الأوْحَدِ اُلْذي يَحْتَفِلُ بِذاتِه فيُزيّنُهَا ويُراقِصُهَا ليُخْفي عَنْه هَشَاشَتَها اُلْتي لاَ يتَحَمّلُ خِفّتَهَا اُلْطَائِشَة كَاُلْتّي لفَراشِ اُلْليْل ويَرْقُصُ بِها في كل حَالاَتِ وأحْوالِ الشّعور بالإختناق وضِيق التنَفّس من كَثَائِف الوُجُودِ في اُلْوجود ومِنْ أثْقال الحَياة كالتي «للجِبال الرّواسي». الإنسان, مُطلق الإنسان حيوانٌ جريحٌ وجَارِحٌ لذلك هوّ يكْح دائما بكُلّ جَوارحِه لبَعْض اُلْفَرَحِ لأنّه الوحيد - ربّما - الذي يَعِي كَون كينونته معجونة «بالفَناء» - «الإنسان كائن للموت «يقول هيدجر - لذلك صنَع من نفسه كائن فن ّ وتفنّنٍ في كل ما يأتيه من الأفْعال والأعْمال والأفَاعيلِ خَيْرُهَا وشَرّهَا: مُفْرحِها كما الفَلاحَة , فلاحة العالم وبسْتَنَة الوُجٌود وتدابير الإعْمَار الكَوني ومُتْرحُها كما الحَرب والتّخريب الدنيا تَحيينا اسْتِعْجاليا لأزْمِنة الآخَرة القِياميّة . المُهِمّ عنْدي حين هذا الحين أنّ كلّ فِعل يَأتيهِ الإنسان إنّما هو «لُغَة» بالمَعْنى اللّساني واُلْسيميولوجي . وكل الشعوب المؤسسة للحضارات الكبرى قد ركزت وجودها بمديح «لغتها» وتمجيد «لسانها» وصنفت غيرها من الشّعوب انطلاقا من قُرب لغاتها أوبُعدها عن لغتها هي, التي تعتبرها «أكْمل اللّغات». الحُبّ شأن لُغَوي. «الايمان», «الكُفران», «التّسامح», «التّعَصّب», «الحَرب», «الصَداقة», «الصَّدَقة»، «الإخلاص», «الخيانة»... كلها مَسَائل لِسان وتدابير لُغوية ..غير أن «اللغة» ليست ثابتة وإنما هي مُتحوّلة / مُتعديّة إذْ تَفْتحُ على « المُلاَغاة» و«المنَاغاة» حين الإنبساط زمن السّلم والسّلام العَسْكَري والعَاطفي ..كما تَفتحُ اللّغَة على اللغو والغلو حين التّكارُهِ والحَرْبِ وان كان العظيم جان جاك روسو لقد نوه «بالقَرْطاجَنيّات» من جعلن اللغة أساسا تأسيسيا لنقل المَشَاعر والعَواطِف والتّعارف قبل نقل المعارف عند عيون المياه ...وكان لا بدّ للزمن أن يَفْعلَ فِعلَه فتتحول اللغة زمن للهويات الجماعية «القاتلة» إلى مُفاعل حربي وأداة من أدواة «الجريمة» أو على أقل تقدير سبب من أسبابها. يقول مثل افريقي « إنّ منْ يَهَبك لغُته يُريد أنْ يأخُذ منكَ روحك». يا للهول, هل أن الأمر دائما كذلك..؟
أن نَكْتب بِلغَتنا الأم فذلك شَكلٌ من أشكال الوطنية يقول (دولروس - ماردوس) Delarus-Mardus

(4)

اللغة «فعل» متحول, مؤسسة تأسيسيّة جوالة جوهرا وماهية. وأخطر أشكال التّمركز حول الذات انما هو « التمركز اللغوي « وان كانت له فضائله وما يبرره... لقد ورد في كتاب «الزينة» لأبي حاتم بن حمدان الرازي منذ أوائل القرن 4 الهجرة / 10 للميلاد هذا المديح للغة العربية واللسان العربي بعد أن أكك على أن أحسن اللغات انما هي العبرانية والسريانية والفارسية والعربية طبعا يقول في فاتحة كتاب «الزينة»:
« قلنا: إنّ أفضلَ اللّغات الارْبع لغَة اُلعَرب. وهي أفْصحُ اللّغات وأكْملها وأتّمَها وأعْذبها وأبْيَنها . ولم يَحرصِ النّاس على تعلّم شيء من اللّغات في دهْرٍ من الدّهور ولاَ في وقْتٍ من الأوْقات , كَحِرصِهم على تَعلّم لغَة العَرب . ولا رغبوا في شيء من القُرون والأزْمِنة رغْبة هذه الأمّة في لسان العَرب من بين الألْسنة, حتى أن جميع الأُمم فيها راغبون . وعليها مُقبلون, ولها بالفَضل مُقرّونَ . وبفَصاحتها مُعترفون وحتى نقلوا الكُتب المُنزلة مثل «التوراة» و«الإنجيل» و«الزّبور» وسائر كتب الأنبياء من السّريانية والعِبرانيّة الى العَربية, ونقّلوا ما قالتْه حُكماء العَجَم من الفارسيّة الى العربيّة... وسائر ذلك من كتب الفلسفة والطبّ والنّجوم والهَندسة والحِساب من اليّونانية أو الهنْديّة إلى العربيّة وحَرصتْ كل أمّة على تعلّم العربيّة ليُترجموا مَا في أيديهم بها . ولم يرْغب أهل القرآن والكِتاب العَربي بِنقْله إلى شيء من اللغات , ولا قدَر أحَدٌ من الأمَم أنْ يترجمَه بشئ من الألْسنة . ولو قَدروا عليه لفشى ذلك فيهمْ وجرَتِ الالسنَة به عِندهم ولكنّ تعذّر ذلك عليْهم لكمال لغَة العَرب ونقصان سائر اللغات».

(5)

يبْدو لي, هكذا يَبْدو لي أنّ مَدْخَل مَداخِل كلّ أشْكال العُنف وعُفونَات العُنْف واُلإسْتِبْدادِ واُلدُّغْمائية ومَزْبَلَةَ الحَياةِ وتَصلّب الأدْمِغَة تظْهَر مُقترنة تَلاَزُمًا بإهمال اللغة « هواملا وشواملا « و باُحْتِقار اُلإنْسان من كل جهات الذاتِ والصّفات والنزّول المهين بالجوهر الإنسي الكريم إلى مَا دون مَرتبة الجَمَاد والنّبات والحَيوان. فما أوسع «خيال» اللغة العربية. وما أضيق خيالي اللساني فان حدود عالمي الشخصي هي حدود لغتي وجسدي . فلا بد لي من اصلاح استعجالي ودُربة فلاحية مِحراثية لإصْلاح حالِ وأحوال لساني الشخصي عله ينْصلح حالي التونسي الفاسد فلا ينطلي عليّ أكثر فأكثر «لغْو» الخِطابِ في السياسة كما في الحبّ المُدجج بمفردات مَعَاجِم المَرضِ والحرب. لعلّ تونس وجسدي بخير ولا أدري... وما أصْدق عبارة ميشال أوفري الصّوفية «اُللاّلاهوتيّة»: cosmos في كتابه «كُسْموس».
«يمْلك كلّ شيءٍ من لاَ يْملكُ شيئا أصْلا».

(6)

في كلّ الحَالاتِ والأحْوال يَبْقَى الإنسانُ ذلك اُلْلاّعِبُ بِرُمُوزِهِ ينُوس كما النُّواس بيْنَ لُطْفِ اُلْإشَارَةِ وعُنْفِ اُلْعِبَارَةِ.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115