العرض الأوّل «ترفاس» لحافظ زليط: الصحراء عالـم من يجهل سرّها لن يعرف حضنها ولن يفهم هواها

يبحر في الصحراء يكشف اغوارها ويتماهى مع اسرارها يعشقها عشق الوليد لامه،

يحكي قصصها باسلوبه الممتع والساحر يجعلك تعشق الصحراء وعوالمها تحب حيواناتها تلاعب غزلانها وتبحث عن اسرار الفنك فيها تبحث عن تباشير الحياة داخلها فذاك الامتداد من الرمال وتلك الكثبان الصفراء تخفي وراءها حياة وأملا لا يعرف كنهه غير ابن الصحراء، كتاباته موسوعة عشق في الصحراء يعرف قواعدها ويحفظ تعاليمها ويبدو ان حبّ ابراهيم الكوني للصحراء عدوى اصابت الكثير من المبدعين فتماهو مع كتاباته وقدموا الصحراء على الركح وأخرجوها من صور تكتب الى مشاهد ممتعة تجسد على الركح.

في عرض أول كان الموعد مع عالم الصحراء وقصصها، صراع الحياة والموت وحديث الماء والجفاف وغوص في كنوز الصحراء ونقد للانسان المهدم دائما، رحلة ميزتها اجساد راقصين محترفين واداء ممثلين صادقين جميعهم تماهوا ليحملوا جمهور قاعة الحمراء الى الصحراء الساشعة ليعايشوا طبيعتها ويحاكوا كنزها «الترفاس» وهو عمل للمخرج حافظ زليط وتمثيـل: نجوى ميلاد ومراد بالناصر ورانية الجديدي والجوقة الراقـصة: أشرف بالحاج مبارك وبلال شويحي وأحمد الرزقي وسينوغرافيا واضاءة: طه الجابر وتركيب الموسيقى وسام سيف نصر والاقنعة للحبيب غراب وماكياج محمد التومي.

الترفاس الكنز الرمز
ضوء خافت، «عروق» مرسومة على ستار ابيض تبدو كما جذور نبتة صحراوية قاومت العطش وتمسكت بالحياة، السقف تخرج منه رؤوس حمراء صغيرة ترمز الى رؤوس نبتة الترفاس، الضوء أحمر ثم يصبح اصفر وكأنه نداء إلى المتفرج ليستعد ليغوص في صفرة الرمال.. رحلة ربما تنهك الروح وقد تؤذي الجسد وتتعبه فالصحراء بحكاياها واسرارها لن يستطيع المرء تحديد مصاعبها سلفا.

خمسة أجساد تجتمع في مقدمة الركح وتتحدث بصوت واحد عن الصحراء وعن الجفاف وعن الماء وتنادي السماء ان تستجيب لدعائها وتمطر «الحمادة» لتزهر وتنزع عنها ثوب الجفاف.

الفضاء الدرامي هو الصحراء بكل امتدادها، امتداد يغوص في تفاصيله حافظ زليط ليقدم القليل منه، غاص في كعب الغزال في حكايا الغزلان وحياتها.. على الركح رقصت الغزلان وأبهرت الجمهور ثم عروق الرمل رحلة في حياة حيوانات الصحراء ومعاناتها وتفاصيلها وبحث في «ترفاس» وبحث في تلك النبتة الكنز، ذاك الوليد السماوي الذي يشبه اباه السماء في الامتداد ويشبه امه الارض في الصلابة والصمود، الترفاس في العمل رمزية الى تشبث ابناء الصحراء بصحرائهم وان قست، فالترفاسة لا تغادر ارضها الا الى الفناء والموت كذلك بعض من تمسك بصحرائه ولازال يسكنها.

بالضوء وموسيقى الناي الشبيهة بموسيقى الريح على الرمل يحملك حافظ زليط الى عوالم الصحراء، صحراء الرّمل والرّحيل والغربة والامتداد حملها وجعا وهمّا ومشغلا. هام بها وَجْدا وصبابة فهام في رمالها المتحرّكة وسفوح جبالها وقممها التي ترسم ملحمة صمود الإنسان، وصبره على الأهوال، و قدرته على إذلال الطبيعة، وإخضاعها لمشيئته.
«الترفاس» هو نشيد شاعري، جميل بقدر ما هو حزين، عن مسيرة الحياة.. حياة البشر كما حياة كائنات الطبيعة الصحراوية الأخرى، بين الولادة و الموت والوجود والعدم، بين الماء والعطش تكون الحكاية، خفاش يتدلى وكانه ينذر بالظلام، فعرافة زنجية تستجدي السماء لتمطر فشيخ بلباس ابيض يحدث الجميع عن الارض العطشى الى الحب و الماء عن الترفاس عن النبتة «الثمر سر حيّر البادية/ ويا سعد من تلهى بيها خرج كنوز فيها».

هكذا يتحدث الشيخ الذي يرمز الى الحكمة، ثم اربع «ترفاسات» على الركح ترقص وتتمايل كالملكات وصوت يقول « الارض حبلى، ثمرة لقحتها السماء، نبتة صنعها الشوك والرعد، يمزق الشقاق، اطلّ الوليد ليرى الشمس باحثا عن ابيه، استدارت الترفاسة عارية حاسرة الراس تنتظر القطاف، لمن تتجملين والصحراء مهجورة» فنبتة الترفاس هنا ترمز الى الصمود وعلى الركح اتقن الراقصون تجسيد رقص النبتة وحركاتها وخيلائها.

الانثى في الصحراء رمز للحياة والقوة
الصحراء انثى في امتدادها في اسرارها وغموضها وحكاياها الصحراء انثى لانها رمز للولادة والحكمة و القسوة ايضا، الصحراء موطن للحب والحكمة والحياة فرمالها بتدرجات صفرتها تبعث في الزائر السكينة أما سماؤها وامتدادها فراحة للبصر والبصيرة، حركة الودّان تبعث على السؤال وعقاربها السامة تثير الانتباه وتوقظك من غفلتك عن الزمن، زهورها عنوان للقوة والتمسك بالحياة تلك هي الصحراء في اعمال حافظ زليط كما الانثى تماما في رحمها حكايا وفي امتدادها اسرار.

على الركح تحضر الانثى حضورها في الصحراء، فهاهي العرافة الزنجية «رانية الجديدي» بلباسها المميز لباس تجمع فيه الحولي التونسي مع اللباس الافريقي ومن رمزية اللباس يقول المخرج ان العمل يحاكي الصحراء الافريقية جميعها أي انه لا يحدد المكان بحدّ جغرافي ما، العرافة تستنطق السماء تخاطب الاه المطر تدعوه عله يستجيب لتمطر وتعود الحياة للصحراء التي هجرها أبناؤها الرعاة الى المدينة، الصحراء التي قتلت غزلانها في سباقات الصيد، الصحراء التي اصبحت مرتعا «للكناترية» ومهربي الاثار، الصحراء التي باحت باسرارها بسبب الجفاف.

أمّا «النعوشة» الطائر النصف انسان كما تذكره الميثيولوجيا تجسده «نجوى ميلاد» النعوشة تتجول في المكان تبحث عن اطفال صغار لتمزقهم و تستمتع بدمائهم، «النعوشة» ترمز الى العصرية الى المدينة التي مزقت مشاعر الانتماء و الشعور بالارض.
الصحراء هي الام الثكلى ايضا هي التي تهيم بحثا عن بقايا ابنها هي الملتاعة بفراق ابنائها، تدعو الاه المطر ليحرك السحب لتمطر فربما يعود البناء ان ازهرا «الحمادة».

في «ترفاس» رحلة الى عوالم الصحراء، لقاء مع حكاياها واساطيرها، ميثيولوجيا وواقع جمعها حافظ زليط في عمل واحد، رحلة الصحراء وعوالمها وظف فيها زليط الجسد ولغته مستمعلا الرمزية في المسرح، عمل يحاكي الصحراء ويدعو المتفرج إلى مزيد البحث في اسرارها فاسرارها لا تنضب.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115