مسرحية «مقامات بديع الزمان» ضمن الأيام الثقافية المغربية بتونس: المسرح تأريخ وتاريخ فتمعنوا وعووا

نهلوا من التاريخ، غاصوا في مقامات بديع الزمان الهمذاني شربوا عصارة سنوات من الكتابة عايشوا الشخصيات ولامسوا

طباعها ليقدموا لجمهورهم عرضا مميزا ينطلق من الآني ويغوص في التاريخ نقدا واحتجاجا بالتصريح طورا وبالتلميح تارة وتلك هي مهمة المسرحي تعرية النقائص ونقدها والدعوة الى اصلاحها عبر السخرية والاضحاك.

في لقاء طريف ومميز استمتع جمهور قاعة الاوبرا بالعرض المسرحي «مقامات بديع الزمان الهمذاني» عن نص للعبقري الطيب الصديقي واخراج محمد زهير وتمثيل كلّ من جميلة الهوني ومريم الزعيمي وايمان الرغاي وعادل ابا تراب ومصطفى الهواري وجمال النعمان وزهير ايت بن جدي ، وعلى الركح كانت الرحلة الى مقامات الهمذاني والعودة الى الحاضر لنقده ونقد العديد من القضايا التي تهم الانسان.

المسرح بين التاريخ والنقد
موسيقى جميلة، سبعة ممثلين يلبسون ازياء غريبة تشبه تلك التي نشاهدها في الروايات التاريخية، يتحدثون باللهجة المغربية ويرحبون بضيوف المكان جامعين بين الجد والهزل، يضحكون ويسكتون للحظات، هم فرقة لحظة كما قدموا انفسهم جمعهم حبّ المسرح «لان المسرح يعطينا انسانا واعيا وقويا» ، تتحدث احدى الممثلات وتقول انهم يجتمعون في ساحة ما ربما تكون باب سويقة بتونس او البغدادية ببغداد او ساحة الفنا بمراكش، اجتمععوا ليمتعوا الحضور ويقدموا لهم عرضا ينضوي تحت لواء مسرح الحلقة.

سبعتهم مضحكون وسبعتهم جادون في الوقت ذاته، في مدينة الثقافة بعد انطلاق العرض تجدك في بغداد مع حكايا عيسى ابن هشام التي نقلها عن مغامرات أبي الفتح الاسكندري ، على الركح يحملك الممثلون الى بغداد واصفهان، فضاءات درامية عديدة يرمزون اليها اما بتغيير اللباس او طريقة الكلام والحركة، اعتمدوا الترميز لينقلوا الى المتفرج تفاصيل المكان اذ « تشكل كل علامة من العلامات التي يمثل العرض المسرحي مناسبة لتوليدها بحكم طبيعته التواصلية، واذا تراكبت مع اخرى فهي المرونة بحيث تحمل رسالة جديدة» على حدّ تعبير طارق حسين في صنع وتوظيف العلامات في المسرح.

مقامات بديع الزمان الهمذاني قدمتها فرقة لحظة للمسرح بطريقة جد ممتعة فهم عادوا الى الماضي من خلال المقامة الدينارية و المكفوفية والساسانية والمضيرية وعبر اللباس والحركة ولكنهم دوما ينطلقون من الواقع، التأرجح بين الماضي والحاضر مفاده دعوة الى الاستفادة من عبر الماضي وعدم تكرار الاخطاء نفسها ونقد للحالي انطلاقا من حكايا الماضي ففي المقامة الدينارية مثلا، صراع وتنافر بين الاصدقاء من أجل الدينار «اليس الدينار هو حاكم اليوم، الدينار والاورو والدولار» كما يقول النص، ففي العمل دعوة مباشرة لإصلاح اخطاء لماضي وعدم تكرارها قدمها ممثلون مبدعون أبدعوا في تقمص الشخصيات في اداء جمع التمثيل والغناء والرقص لتكتمل الصورة الفرجوية للعرض المسرحي.

في «مقامات بديع الزمان الهمذاني» يجسدون تجربة المبدع الطيب الصديقي في النهل من التراث فهو عبقري المسرح المغربـــي استطاع مصالحة الجيل الحالي مع التراث الكلاسيكي والعربي بطريقة جد ذكية، فالطيب الصديقي فنان قام بجولات داخل المغرب وخارجها، جمع الاحاديث الشعبية والأمثلــــــة والنكت والاغاني لخلق مسرح شامل يقطع من المسرح الايطالي الكلاسيكي للتشخيص ويعانق اسلوبا جديدا يعنى بتجربة التحاور مع التراث.على الركح التقى الجمهور بفلسفة الصديقي الخاصة فلسفة يكون فيها التراث حاملا لقوة دافعة ثوريا باتجاه المستقبل ولا تعتبر الماضي منفصلا عن الحاضر والمستقبل بقدر ما هو حلقة جدّ مهمة.

بين جد ولهو تحضر المتعة
المسرح نقد، والاضحاك سلاح لمقاومة الفشل ونقد المجتمع، سلاح للتعبير عن مساوئ الادارة ومواطن الخلل فيها، ومسرح البساط في المغرب وسيلة للنقد تجمع الجد والهزل فبين كلمة ساخرة ورسالة مشفرة تكون حكايا لعرض.

ويقول المسرحي حسن المنيعي عن هذا المسرح «يعتبر البساط مسرحا ترفيهيا يعود تاريخ نشأته إلى القرن الثامن عشر، وذلك حينما قدم أول عرض في قصر السلطان سيدي محمد بن عبد الله (1757 /1790)، ثم انتقلت فرجاته بعد ذلك إلى المنازل والساحات العمومية قبل أن يتفرع إلى أشكال عديدة من التمثيل الهزلي الانتقادي والتمثيل الطرقي الديني، كان مسرح البساط يقوم على الضحك والنقد الاجتماعي، فإنه قد ابتدع شخصيات أمثال «الساط» الذي يرمز إلى القوة، و«حديدان» الذي يتألق بنكران الذات وحب الغير» وعلى الركح التقى الجمهور بتفاصيل هذا المسرح وان اختلف الفضاء الدرامي لكنّ المبدأ واحد.

سبعتهم مبدعون، لكلّ خصوصيته في اداء الادوار، البعض يرقص والاخر يتكلم مكانه، لساعة من الزمن مرت كبرهة غاصوا في التراث المغربي وحملوا الجمهور الى التراث العربي، مراوحة بين اللهجة المحلية واللغة العربية الفصحى دمج بين الماضي بلغته وحكاياه والحاضر بايماءاته ولهجته العصرية، لساعة من الزمن تتجول فيها مع حكايا ابو الفتح الاسكندري في المقامات، أبي الفتح انموذج عن الفنان اليوم تحديدا المسرحي ذاك الذي يجوب الامكنة و الاركاح ليبدع للمتلقي، يضحكه ويبكيه ويقدم له اجمل الحكايا وفي المقابل يلقى المهانة و السجن ربما.

بين الجد و الهزل تدور الحكاية، بين تراث منسي وحاضر مهمش تدور احداث المسرحية فـ«المضحك هو كل ما ينبع من الانسان من حركة او ايماءة او لفظة او جملة او موقف او حالة او شخصية تخلق المفارقة والتناقض وكل ما يجسد صفات وأفعال الانسان او ما يتشبه به او ما يمكن ان ينعكس او يعكس حالة انسانية او صفة او ينقل فعلا انسانيا في لبوس غير انساني يحدث من خلال التلقائية والعفوية او يوحي بما هو محتمل ويحتل صورة عدم القصدية والتصنع يحدث كانه لاول مرة ولا يتكرر» كما يقول عوني كرومي في الخطاب المسرحي فالضحك يتحول الى سلاح لمقاومة الفشل وتعرية المسكوت عنه ونقد الادارة والمجتمع كما جاء في مسرحية «مقامات بديع الزمان الهمذاني» عمل ابدع في تقديمه ثلة من امهر الممثلين.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115