مسرحية «وشياطين أخرى» لوليد الدغسني في فضاء «لرتيستو»: «موش بالساهل تبني...موش بالساهل تغيّر الحقائق» ...

ابحث عن الحقيقة تعر تماما وابحث داخلك عن التفاصيل عن الحقائق حاول هدم الموجود واعد اعمال عقلك في اشياء

تراها حقائق ومسلمات، هل كلّ ما يقوله الدين صحيح؟ هل النص الديني غير قابل للتشكيك؟ هل الحقائق المكتوبة حقيقية ام هي الاخرى تتطلب اعادة البحث والدراسة؟ أسئلة عديدة عن الحقيقة عن الانسان عن الدين؟ طرحها وليد الدغسني في مسرحية وشياطين اخرى.

مسرحية من تمثيل اماني بلعج ومنير لعماري وناجي القنواتي واسامة كوشكار مسرحية صارخة في وجه الزيف ، عمل يدعو الى اعمال العقل ومحاولة اعادة البحث في كل المسلّمات.

المسرح ترميز وفي الرمز كشف لبشاعة الواقع
شيخ يجوب المكان المربّع، بيده قنديل، ضوء احمر ينعكس على الزاوية، صور لنجوم واشكال هندسية مختلفة، رجل بلباس الرهبان يقرأ تعويذة ما، امام الضوء مباشرة جسد يتلوى في صمت وحده الجسد يكتب ربما ترياق ليحمي نفسه من تلك التعويذة، بين الاسود والأحمر تنطلق الحكاية، اسود يرمز إلى الظلام، إلى العدم إلى الموت هو لون الجهل كما نفهم في المسرحية فالعمل ينقد الجهل يحاول الكشف عن تغلغل الجهل في الشعوب العربية جهل تمثله المعتقدات المجتمعية ومحاولتها لمقاومة العلم ودحره الى غياهب الظلام.

اللون الاسود في لباس جسد المراة ذاك الجسد الصامت المتلوّي سواد وكأنها تعبيرة عن محاولة ألباسها ثوب الجهل وتقييدها بالعادات والنواميس من خلال رمزية الحبل الاسود حول اليدين والقدمين، اسود كقتامة رؤوس رجال الدين وتحجّر افكارهم فيما يتعلق بالمرأة والعلم.

منذ البداية استعمل المخرج الترميز واوغل فيه فالرمز يقود إلى غموض العمل الفني مما يضفي عليه مسحة جمالية ، ذلك إن الغموض يعد عنصرا جماليا إذا ما قاد المتلقي نحو التعمق في العمل الف حسب ما جاء في مجلة «نابو للبحوث والدراسات».

اللون الثاني هو الاحمر لون يحمل رمزين اثنين، الأول العدمية فهو لوت الموت أيضا لون النار الملتهبة وللنار رمزية الحرق والفناء و الهدم فنيران قنديل الرهبان عنوان لنار يرونها مقدسة لانها تطهر من الخطيئة النار التي صنع منها الشيطان، النار التي يريدون ان يحرقوا بها جسد الفتاة بسبب مسّ شيطاني ، النار التي ستلتهم الاخضر واليابس تلتهم الشباب هي نيران الجهل نيران زيف العقيدة نيران تطويع الدين لخدمة مجموعة معينة من البشر نار حرقت المسلمين ومن قبل رجال الكنيسة حين سقطت قرطبة، نار الهولكوست، نار حرق الارمن حرقت الطيار معاذ كساسبة من قبل داعش، نار حرقت الاف الافكار والكتب أكلت ككتب ابن رشد والتهمت مكتبة الاسكندرية وجاءت على شارع بغداد، والنار في المسرحية هي التي ستأكل جسد الفتاة فقط لانها مختلفة ولانّ رجال الدين حكموا على جسدها بالموت.

أما الدلالة الثانية للون الاحمر في الحياة، الاحمر لون الدماء، لون الحب والخصوبة أيضا، حبّ سكن احد الرهابنة حبّ استوطن قلبه وأصبح ينبض بدماء أخرى، حبّ دفعه الى التفكير والتشكيك لاول مرة في افكار الدير في الفكر الجماعي، حبّ ازال عنه ضبابة الجهل واصبح يفكّر وتلك جريمة يعاقب عليها بالنفي، فالاحمر في المسرحية يرمز الى الصراع بين القلب و العقل، صراع الجهل والعلم صراع الانسان بين معتقداته وافكار جديدة قد تقلب مساره وحياته، صراع تركه المخرج مفتوحا في العمل وكانه يدعو الجميع الى التفكير وخوض الصراع لكن لكلّ الحرية في اتمام المسيرة من عدمها.

كتبت فاتن جمعة سعدون «الرمز هو احد معطيات المؤلف المسرحي سواء باستخدام لغة الكلام او بالتضمينات الفكرية ليمتلك النصّ ابعادا غير الظاهر منه، وذلك ما يثير ويدفع المخرجين والفنيين على العمل على التريز لتشكيل بنية العرض المسرحي» ويبدو ان الدغسني من المخرجين المولعين بالترميز لدفع المشاهد إلى تفكيك الشيفرات والبحث عن مدلولات كلّ دال، و «شياطين اخرى» عمل غنيّ بالترميز» ومن الالوان الى الاسماء فذاك الجسد المرمي يختار له المخرج اسم «فريدوم» اي الحرية، رمز يحيل الى الانعتاق الى رغبة ابدية لكسر القيود هي رؤية ذاتية بقدرة المراة على تجاوز كلّ المحن، المرأة ذاك الكائن الثائر ابدا يرفض الدغسني ان يضعه ضعيفا في اعماله فنجدها دوما صانعة قادرة على التغيير وفي «وشياطين اخرى» نجد اسمها حرية وقادرة على تجاوز تعاويذ الراهب توقع احد القساوسة في حبها ويعجز الطبيب امام قدراتها العجيبة ومن الترميز خلق الدغسني لعمله مجموعة من شيفرات جميعها تدعو الى اعمال العقل عوض العيش بالمسلمّات التي يضعها المجتمع.

في تماهي الممثل مع الشخصية يكون الابداع
هم اربعة اجساد على الركح، يختلفون من حيث الفكرة ولكن يجمع بينهم هدف واحد محاولة اكتشاف سرّ جسد الفتاة التي عضها كلب ولم تمت، الشخصية الاولى راهب الدير بكل تعويذاته وفانوسه وشعوذاته، الثانية لقس مكلف باخراج الشيطان من جسد الفتاة يلبس الاحر، الثالثة للطبيب العالم الراغب في كسر قوانين الكنيسة وتحطيم المعتقدات المبنية على الجهل و التاسيس إلى عالم ميزته البحث العلمي عالم يقوده العقل لا الشعوذة و «الرعواني» أما الشخصية الرابعة والمحورية فهي شخصية الفتاة التي يجدها المتفرج جسدا مرميا على القاع اوّل العمل ومع تسارع الاحداث يكتشف انها من تحرّك الاحداث بذكائها .

في مسرحية «وشياطين اخرى» يركز الممثلون على التفاصيل، تقاصيل الحركة، تفاصيل الكلمة ومخارج الحروف، الايماء وطريقة حركة الجسد المعبرة عن الخوف او الحب او الانتصار، اجساد الممثلين تماهت مع الشخصيات وفي اطار التوليد دخل الممثلون عالم الشخصيات ولبسوا تفاصيلها وأثروها ليصنعوا عالما دراميا مميزا ويصبح الممثل شريكا في العملية الابداعية ومن ذاته يولد النص المنطوق.

غاصوا في التفاصيل، صراخ وانين وهدوء جميعها انفعالات مزجها الممثلون في آدائهم وفي المسرحية تجدك أمام اربع شخصيات كلّ منها صنعت عالما من الإبداع ولقاء مع الممثلين يغازلون المتفرج دائما ليبهروه ويقنعوه بصدقهم على الركح، فالمخرج عوّل على ذكاء منير العماري في شخصية الراهب العماري الذي يعتمد على اشارات عينيه وحركات الحاجب تكون وسيلة للتأثير في المتلقي، ليقنعه انه حقا راهب يريد اخراج الشيطان من جسد الفتاة، الراهب بفانوسه وقلادته ولباسه وحركاته البطيئة يحيل على الخبرة والتقدك في السن.

الشخصية الثانية للقس او الراهب الاصغر سنا المكلف برعاية الفتاة وشفائها مباشرة، شخصية يلبسها المخرج اللون الاحمر، شخصية يكتشف انها هي الاخرى تحتاج علاجا لعقد نفسية كبرت معه وهي فقدان امه في عمر الخمسة اعوام/ شخصية شربت الذل و الظلم و المعتقدات الجماعية حدّ اضمحلال ملكة التفكير عنها، شخصية جسدها الممثل اسامة كوكشار ممثل يتقن جيدا التعامل مع العيون ويستعمل عينيه لانطاق النص وايصال شيفراته الى المتفرج.

الشخصية الثالثة جسدها الفنان المبدع ناجي القنواتي، شخصية الطبيب العالم اللامؤمن، طبيب دينه العلم وربّه فكره وعقله يحلم بتكسير كل المعتقدات السائدة وتغييرها بالعلم، ينجز تجارب وبحوثا على أمل أن يصبح الانسان خالدا لا يفنى، القنواتي ميزته ضحكته التي يعرف كيف يوظفها على الركح مع حركات جسده المثيرة للضحك في مرات عديدة ضحك يطرح العديد من الاسئلة.

اما الشخصية الرابعة والمحورية فهي للفتاة، شخصية صامتة اولا وحده الجسد يتحدث، ثمّ تنطق يجمل بعضها مفهومة واخرى لا، شخصية المريضة والقوية، المرأة القوية والمنهكة في الحين ذاته جسدتها المبدعة اماني بلعج، ممثلة اثبتت في كل تجاربها المسرحية انها من طينة لكبار ممثلة مبدعة كلما تقمصت شخصية ابدعت وابهرت.

وشياطين اخرى مسرحية ناقدة للجهل عمل يحطّم الافكار السائدة ويؤسس البديل وهو الفكر والعقل، مسرحية تؤكد على أهمية التفكير وضرورة لبحث قبل التسليم بصدق حدث ما عمل نقدي وتلك وظيفة المسرح البحث الدؤوب خلف الحقيقة.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115