Print this page

عرض «واحد وحدو» لعماد جمعة في ليالي المتحف بسوسة: كن انسانا.. فالانسانية دين الصادقين

هل حلمت يوما في طفولتك ان تكون ساحرا وبعصاك السحرية تستطيع تغيير العالم؟ هل جربت لعبة ان تكون ساحرا وتحرك

عصاك علك تخفي ارنبا و تصنع قوس قزح؟ ماذا لو كان العالم كما في الرسوم المتحركة يقطينة تصبح عربة تحملك كما سندريلا الى قصر الأمير؟ ماذا لو كان العالم كما حياة السنافر كلما وقعوا في مشكل استنجدوا بعصا سحرية تنقذهم؟ ماذا لو توقفت أحلامنا عند لقاء بيضاء الثلج بالأقزام؟ كيف ستكون الحياة لو أننا نملك عصا سحرية وعوض رسم قوس قزح وإخفاء الأرنب نخفي قبح العالم ومآسيه؟

أسئلة عديدة طرحها عماد جمعة بطريقته الخاصة؟ أسئلة عن ماهية الجسد عن الانسان، عن الظلم والخوف عمّا يمكن ان يحدث لو كنّا افضل، سؤال عن ثنائية الخير و الشرّ عن السلام و عن الاحلام المبعثرة؟ أسئلة قدمها في متحف سوسة وكتبها في شكل شيفرات نقلها جسده الى الجمهور.نا

الجسد صوت أحلام ضائعة
موسيقى صاخبة، صوت أمواج متلاطمة حتما تحيلك الى بحر غاضب ، بحر سوسة غير بعيد عن فضاء المتحف مع هواء متحرك تكون النتيجة صدى أمواج البحر ترددها الحيطان، شاشة كبيرة و كرسي واناء ماء هي لوازم العرض، يزداد صخب الأمواج وصوتها، صراخ يصمّ الاذان، هل البحر غاضب؟ ام في جوفه صراخات أحلام تاهت، صوت رجالي يتحدث عن حلم الرحيل، صوت يخبر الجمهور بلغة فرنسية عن الحلم الذي سيتحقق هناك فقط بعد عبور البحر ومقاومة امواجه.
 على الشاشة تظهر الصور لافارقة وتونسيين، صور بعضها مبتسم واخرون يفكرون، هذا يضحك للقاء الرخاء هناك و ذاك يفكر فيمن تركهم هنا، صورة لاشهر غريق الطفل ايلان السوري تكون صادمة، فالموسيقى هي صوتهم صرخاتهم وصرخات احلامهم الضائعة في عباب البحر.
 صور عن أحلام فتتت واجساد اكلتها الحيتان و أفكار طمرت في جوف الماء، البحر ذاك الهادئ الجميل اصبح مقبرة لاحلام شباب سئم البطالة و تعب من انتظار فرصة حياة في وطنه فرمى نفسه في حضن امواجه بعضهم وصل الى الهناك واخرون لفظتهم الأمواج أجساد دون روح، على الركح يتحرك الكوريغراف بتؤدة وكانه ينقل لحظات الموت لحظات فراق الروح للجسد، على الركح ينام ويجلس في وضعيات مختلفة تماما كصور تشاهدها في التلفاز ووسائل التواصل الاجتماعي عن الغرقى الذين لفظهم المتوسط حركات تظهر مقاومة البعض وتمسكهم باخر تباشير الامل من خلال تمسك جسد الكوريغراف بحافة الكرسي و أجساد أخرى استسلمت لمناداة ملاك الموت ورحلت تاركة خلفها أحلاما لم تتحقق.

على ركح متحف سوسة كان الجسد لغة وهوية، الجسد تعبيرة صادقة عما تعجز الكلمات عن وصفه وتعجز الأقلام عن تحبيره، الكتابة عن الجسد صعبة فلغته اكثر صدقا من كل الكلمات والاحرف، الجسد فكرة وشيفرات وحدهم الراقصون قادرون على تحليل ماهيتها الجسد تعبيرة وتأشيرة عبور الى اعماقك الى افكارك و الجسد عند عماد جمعة لغته ليصرخ عاليا انه حرّ وحيّ وقادر على كتابة تفاصيل الحلم والامل بلغة صامتة وبليغة هي لغة الجسد.

يا ابن ادم، هلاّ كنت انسانا؟
الى كل المثقلين بمشاغل الحياة، الى الحالمين الجامحين الى من دفعوا ارواحهم ثمنا لسراب امل واضغاث حلم، الى المتعبين في هذه البسيطة الى كل الثكالى الى من اتعبهم وزر الحلم و الامل الى من تمسكوا ببقايا الحياة اهدى عماد جمعة عمله «واحد وحدو»، لوحده على الركح، يتقلب و ينتفض انتفاضة جنين يرفض النزول من رحم امه ، تماما كما الجنين تاتي وحدك الى هذه الحياة تدخلها بصرخة ربما تكون هي اخر علاقتك بالحياة الدنيا.

«واحد وحدو» عمل انساني بامتياز عمل يتساءل فيه عماد جمعة عن الانسان فيك، عن ماهيتك عمل ينقل حلم طفل صغير بامتلاك عصا سحرية، لو امتلكها لما غرق ايلان السوري، عصا سحرية لو امتلكها لما أكل البحر خيرة الشباب التونسي في حادثة قرقنة و غيرها من الاحداث المأساوية التي راح ضحيتها شباب يأس العيش في وطنه.
بجسده ولباس أسود سواد الواقع قاتم قتامة الراهن رقص عماد جمعة، حرر جسده من مكبلات الواقع و عقد المجتمع انتفض كصرخات المستضعفين حدث الجمهور عن حلم امتلاك عصا سحرية، حينها ربما يساعد المراكب لتصل الى الضفة الأخرى، ربما يحرك عصاه فتهدئ موجات البحر وربما أيضا يغير الواقع ويصنع واقعا أجمل كما قوس قزح حينها لن يخفي الارنب في القبعة بل يخفي كل ادران الواقع المرير ، بجسده دعى ابن ادم ليكون انسانا ويفكر في الاخر ذاك المهاجر بكل إنسانية ولا ينظر اليه بازدراء أو تعالي فلو امتلك عصا سحرية لكان الجميع سواسية.
«واحد وحدو» صولو لعماد جمعة، عمل نتيجة بحث سنوات في لغة الجسد وماهيته، عمل يكرس للإنسانية يسخر من الراهن ومفاهيم السلم و الحب و ينقدها لانها كلمات لن تنقذ الغريق ولن ترحم من تفتت حلمه وتاهت روحه واختنق في وطنه.

المشاركة في هذا المقال