Print this page

عرض «تطريز لعلام عون» في ليالي المتحف بسوسة: أحلم وأصنع لنفسك مسارك الفني فأنت تونسي

الموسيقى تعطيك المجال لتهرب من الحياة من ناحية وتعطيك الفرصة لتفهم الحياة بشكل اعمق من ناحية أخرى هكذا

يقول ادوار سعيد، الموسيقى نمط تفكير مقدّس وطريقة للعيش ميزتها غرس تباشير الحب في لحظات الصبح الاولى لتورق املا مزهرا ابدا، الموسيقى صرخة طفل عاشق للحياة و لحظات شبق عاشقة للنغمات و النوتات المميزة، الموسيقى طريقة تفكير لوضع البديل و الابتعاد عن السائد والراهن ، الموسيقى امل وحب للوطن هكذا هي الموسيقى عن الفنان علاّم عون.

فنّان شاب اختار الموسيقى دينه والكلمة التونسية ديدنه وفي متحف سوسة قدم لجمهور العرض الاول لتطريز عرض موسيقي تونسي الروح عالمي الهوى والتوزيع عرض جمع ثلة من خيرة العازفين التونسيين.

من الطبوع التونسية تنطلق الرحلة في موسيقى العالم
تماهت الاضواء اختلفت الوانها جميعها لتشعرك بأمل راسخ في المكان، هنا المتحف الاثري بسوسة، هنا تاريخ حضر موت و حكاياها عبر التاريخ، هنا التراث المطل على البحر هنا البرج غير البعيد يحرس المكان تماما كأبولو يخاطب زيوس كبير الآلهة هنا نسمات البحر وحديث امواجه يخاطب الوجدان كهمسات فينوس تنثر شعرها علها تغري «اوسو» ليكتب لها نوتات تعزفها لتكون معزوفة للخلود والسحر الابدي، في مكان يجمع الحضارة و التاريخ والجمال كان الموعد لجمهور ليالي المتحف.

الركح عال، الى يمين الشبابيك المطلة على البحر، الى يسارك مدرج يؤدي الى القاعة الحسينية وخلفك ورود الحديقة بألوانها المختلفة و المنارة اقصى اليسار تعلن ان هنا برج يطل على البحر وأمامك مجموعة موسيقية اتخذت من عشق الموسيقى دينا لها يعملون ويكتبون اسطرا في مجلّد النجاح الموسيقي.

ستّة عازفين، حملوا آلاتهم الموسيقية ومعها عشق لما سيقدمونه لجمهورهم، من جنون باطري باسم شقرون الى صخب الالات الايقاعية التي روضها محمد قضّوم الى هدوء كمان الساحر ياسين بن ميلود الى قوة الكلافيي خالد الكبوسي وجرأة القيثارة المجنون وليد بن عمر والباس التي ابدع عليها قيس حسن و اورغ رفيق الغربي جميعهم أثّثوا التطريز وطرّزوا لجمهور حضر موت نوتات موسيقية مترابطة ساحرة تنطلق من الهنا وتحملك الى الهناك، نوتات اصلها تونسي و هواها عالمي يمكن تذوقها وان اختلفت اللغة فالموسيقى صوت الانسانية كما قالت الكمنجة.

في متحف سوسة تماهت معالم الفرجة مع موسيقى تونسية انفتحت على الانماط العالمية، الرحلة موسيقية بحثت في الطبوع التونسية وطوعتها ببعض نوتات الجاز و الفلامنكو واللاتينو، رحلة بحثية موسيقية اساسها ايمان العازفين و الفنان بقدرة الموسيقى التونسية على الانفتاح على موسيقى العالم.

من الكلمة التراثية التونسية ومن اللهجات المحلية قاموا بتطريز عرضهم ليقدموا للجمهور عرضا تونسي الكتابة عالمي التوزيع فعلاّم عون من الفنانين الحالمين بتقديم الموسيقى التونسية الى الجمهور اينما وجد، شاب يعمل بخطى حثيثة صحبة أصدقائه الموسيقيين ليؤكدوا ان الكلمة الموسيقية التونسية يمكنها النجاح خارج الحدود الجغرافية لتونس وفي متحف سوسة صحبوا الجمهور في رحلة موسيقية ممتعة، رحلة جابت الطبوع التونسية التقليدية، مرورا بموسيقى التراث و الداخل التونسي ثم تجولت في ربوع المالوف وسحر موسيقاه فجولة مجنونة الى موسيقى الجاز فعودة الى اسبانيا وموسيقى الفلامنكو مرورا بموسيقى اللاتينو فالعودة الى التونسي جولة موسيقاها عالمية وكلمتها واحدة تونسية الروح والمنشإ.

علّام عون...لانك تونسي تميّز وأبدع
يؤمن ان الفنّ رسالة، يؤمن ان الموسيقى مطيته للمقاومة و الحياة، درس الموسيقى وعشق تفاصيلها وطبوعها واستخباراتها منذ الطفولة، اختص في الغناء العربي وتميّز فيه، فنان تونسي الروح والانتماء يعمل على الكلمة التونسية ويبحث في طبوعها ، من اسمه اشتق حبّ التميّز و التفوّق، فعلاّم اسم عربي وهو صيغة مبالغة من عالم، ومعناه «كثير العلم و المعرفة و المتصف بالعلم الغزير» و في عرض «تطريز» اثبت علاّم انه استمد من اسمه الكثير من العلم في الموسيقى التي يقدمها ودفاعه عن الهوية الموسيقية التونسية وتطريز هي كلمة تقنية بمعنى الخروج عن الطبع الاصلي و «تنفيسة» موسيقية وتطريز علام عون كان «خرجة» موسيقية ممتعة.
علاّم عون شاب عاشق للموسيقى والفن يؤمن انها طريقة مختلفة للتفكير حالم يعمل بمقولة اورسولا لي جوين «لم اشك للحظة في ان الموسيقى والتفكير متشابهان ، بل يمكن القول أن الموسيقى هي طريقة آخرى للتفكير، وربما التفكير ما هو إلا نوع آخر من».

للحب غنى «علاش نحب ومانتحبش» كلمات فيصل الصمعي والحان محمد محجوب، اغنية ميزتها نوتات الكمان الرقيقة اغنية عن القلب الذي يذوب عشقا كقلب علام عون في حبه للموسيقى، اغنية من انتاجه الخاص افتتح بها عرضه في متحف سوسة اغنية عن سحر المرأة التونسية، تلك الفاتنة ابدا «لحفة وملية مع سفساري، ضحكتها نغمة القماري» ، ثم غنى «علاش تحيّر» و«بحذى حبيبتي تحلى السهرية» و عاد الى تقديم انتاجه الخاص وغنّى «خدوجة» من توزيع خالد الكلبوسي اغنية تونسية الروح والكلمة.

أغان امتعت الجمهور وفنّدت مقولة ان التونسي «ما يحبش الغناء التونسي» واكدت العكس فالتونسي يقبل على اللحن التونسي ويستمتع بسحر الطبوع التونسية لانها جزء منه ومن هويته.

لساعة و عشرين دقيقة كان علام عون كنسمة صيفية جميلة، غنى راقص النوتات المجنونة حادث جمهوره واستمتع بسحر الموسيقى مع اترابه وأقرانه الموسيقيين خفيف الروح والحضور الركحي بلباس ابيض كما السلام غنى للانسانية غنّى لتونس وامتع جمهور المتحف، فنان باحث في الموسيقى التونسية يؤمن انّ «تونس ولاّدة» و اولادها مبدعون، يؤمن أنه بامكانه المقاومة للوصول الى مصاف الكبار، تونسي يصنع لنفسه مسيرة فنية ثابتة اصلها في الارض وفرعها في السماء شامخ كما النخيل ولانه تونسي تعلّم من هذا الوطن العزّة والابداع.

جليلة العجبوني وامينة الغربي:
نساء بلادي نساء ونصف
سيدتا العمل الثقافي الميداني، مبدعتان حقيقيتان ومؤثرتان في الفعل الثقافي في سوسة، جليلة العجبوني مسؤولة عن العمل الثقافي بمندوبية الشؤون الثقافية بسوسة و امينة الغربي مديرة المركب الثقافي بسوسة اينما كانت التظاهرة كانتا جزءا من نجاحها، تحضران كل العروض والترتيبات، امرأتان من فولاذ تؤمنان ان الثقافة ميدان ، جليلة وامينة اينما كانت التظاهرة او اسمها كانتا هناك للسهر على محاولة انجاحها، امرأتان ينطبق عليهما قول اولاد احمد «نساء بلادي نساء ونصف».

مندوب الثقافة بسوسة رجل ميداني بامتياز
جرت العادة ان يكون المسؤولون اوّل المغادرين للعروض الفنية، فمندوب الشؤون الثقافية عادة يغادر قبل انتهاء العرض ولكن في سوسة تحديدا في تظاهرة ليالي المتحف اختلف الامر واختلفت العادة فمندوب الشؤون الثقافية بسوسة الشاذلي العزابو يكون دوما اخر المغادرين من جهة بعد ان «يلم الكراسي» ويجمع ما تركه الجمهور من قمامة القهوة و المأكولات ، صورة مميزة عن المسؤول الثقافي المؤمن بقيمة العمل الميداني، و«يثني الركبة» كما يقال في اللهجة التونسية يشرف على التظاهرة وكأنها جزء منه ليثبت ان الثقافة ميدان وليست مكتبا مريحا.

المشاركة في هذا المقال