افتتاح مسرح «السيليوم الاثري»: في حفل مارسال خليفة انتفضت الحجارة من العدم

حجارة تكتب عن سحر المكان وعراقته، نقوش تعرف بالمسرح و تقدم للزوار لمحة عن حضارات تعاقبت على المكان، موسيقى

صاخبة وثائرة تكتب عن ثورة داخلية وابدية تسكن اهل تلك الربوع، من يقول الثورة حتما يستحضر منتصب القامة امشي وشدو الهمة، وفي يوم تاريخي احتفلت فيه القصرين بافتتاح مسرحها الاثري غنّت للجماهير للحرية.
في حفل مميز، حفل اختلف عن غيره حفل الجنون و التمرد وكل تلوينات الرفض حفل خطّه مارسال خليفة بعوده وكلمات مجنونة تمس الروح في ذاكرة ابناء القصرين ابناء التاريخ الذي لا يموت والثورات التي لا تأفل .

مسرح السيليوم في ليلة ممطرة ولد المسرح من جديد
الى اشهر قليلة كان خرابا، حجارة منسية مترامية تحرسها اشجار الصفصاف ويسكنها اللاّشيء، ملجأ للسكارى والباحثين عن مكان بعيد عن المجموعة، فضاء للعدم و للموت و النسيان، حجارته وسحرها ربما كانت تلهم السكارى وتدفعهم لمزيد الشرب على نخب المكان المنسي الذي كان في عقود مضت أرضا لزراعة الكروم والخمور، هناك حيث التاريخ والحضارة كان المسرح مسرحا لشغب المارة و رعاة الغنم وجامعي الحطب، المسرح كان مسرحا لحياة رتيبة وفي ليلة صيفية باردة انتفضت الحجارة وبعد ان استوطنها التهميش لأعوام باتت مسرحا للحلم للحياة والجمال.
هنا القصرين، يودع الزوار سحر كابيتول سفيطلة واثارها، يقابلهم سمامة و الشعانبي يحيطان بالمكان ويحرسانه، في القصرين يستقبلك التاريخ من خلال قوس النصر الكبير المبني على شرف الابراطور septime sévére ، فضريح plavii فالسيليوم المدينة الاسقفية كانت في القرن الثالث جد مزدهرة وشاركت في مجلس اساقفة قرطاج على يد الاسقف دوناتوس.

هنا مسرح السيليوم الاثري مسرح كان عنوانا لازدهار حضاري وثقافي في القرن الاول والرابع ميلادي، هنا تاريخ مدينة ضاربة في التاريخ مدينة للحضارة مدينة لاتزال حجارتها تشهد ان كلّ الحضارات مرّت من هذا المكان، فأينما وليت وجهك قابلك تاريخ موثق في الحجارة و النقوش، هنا مسرح صغير يتسع لألف متفرج كان عند الرومان فضاء للعروض و المتعة و الحياة، هنا القصرين ارض التاريخ من الرومان الذين تركوا خلفهم اثار السيليوم وحيدرة وتلابت و تالة و الماجل وسفيطلة فالقصرين ولاية تضمّ ثلاث اثار الجمهورية التونسية، هنا سحر المكان وانفاس افروديت الهة الجمال هنا جوبتير يزال يحرس كابيتول سفيطلة مصوّبا سهام الحب الى شقيقه الاكبر السيليوم.

أمطار غزيرة استقبلت ضيوف المكان، ربما هي دعوات الام «جايا» استجاب لها «زيوس» الاه البرق فامطرت وفاح عطر الارض في المكان المنسي منذ 16 قرن، وعاد المسرح للحياة وكان سقوط المطر قبل العرض عنوانا للولادة من جديد من رحم تربة عرفت بصمودها ومقاومتها منذ الاف السنين وفي المسرح المنسي التقى جمهور مهرجان السيليوم مع اغاني الثورة والتمرد.

مارسال خليفة وعلى نوتات عوده الرقيقة وسحر بيانو رامي خليفة و جنون ايقاعات هنري كانت ليلة صاخبة ومجنونة عنوانها ثورة ابدية وحب للحياة لا يفنى وكيف يفنى في القصرين ارض التاريخ الذي لا يموت.

في أرض الثورات منتصبو القامة يغنون ويحلمون
3اوت 2018 يوم سيحفر في ذاكرة ابناء القصرين وعشاق الابداع فيها، الرحلة الى القصرين التاريخية تنطلق في الثانية ظهرا، من تونس فبير بورقبة ثم النفيضة الى يسارك قرية تكرونة البربرية الشامخة هي الاخرى تغري المارة بالعبور، فكندار تلك القرية الصغيرة التي يوجد بها اقدم المدارس الابتدائية ثم زربية القيروان وتاريخها الاسلامي المميز فحاجب العيون مدينة العيون الرقراقة وفالمغيلة والجبل الى جانبها تلك القرى المترامية و المنسية ثم سفيطلة الرومانية الجميلة فطريق الشرايع، بوزقام فقوس النصر ثم مسرح السيليوم الروماني، رحلة لمدة ستّ ساعات تستمتع فيها بمشاهدة تاثيرات كلّ الحضارات التي مرت على هذا الوطن رحلة تسقط فيها جوازات السفر من الذاكرة.

مسرح نصف دائري ، القمر اختار الغياب ربما ليكون نور الموسيقى البديل، اضواء جميلة زينت الفضاء من البنفسجي الى الازرق و الاخضر وكل الالوان الجميلة، المسرح مليء ورغم زخات المطر اقبل الجمهور، على الركح مارسال خليفة ورفيقه العود و رامي خليفة بين البيانو والكلافيي و هنري عازف الايقاع ثلاثتهم كتبوا لجمهور السيليوم لقاء للموسيقى والحرية.

هنا جمهور يتقن التمرد ويعرف ابجديات التمرّد جمهور يحفظ كل الكلمات القوية ويستمتع بالاغنية الملتزمة، جمهور القصرين يختلف عن باقي المناطق الاخرى فخصوصية المكان تؤثر فيه حتما، في القصرين والتاريخ والثورات لك ان تستحضر شموخ قبائل الفراشيش وماجر وثورتهم المتواصلة على الظلم لتستمتع بمارسال وهو يغني لتونس ويقول من كلمات ادم فتحي « غنّي لصباح جديد، هنّي الشهيد بوليد، يا اجمل المواعيد بين الفرح والعيد ، يا شعبي لماّ يريد يا تونس الحرة».

العرض في القصرين حتما مختلف فالجمهور هنا متشبّع بمعاني الثورات والتمرد منذ التاريخ القديم، لجمهور ثائر ابدا غنّى مارسال منتصب القامة و يا بوليس الاشارة، وشدوا الهمة غنّى للتمرد للحرية وكتب صحبة جمهوره ليلة لن تمحى من ذاكرة جمهور السيليوم.

رامي خليفة...جنون موسيقي يصنع الفارق
نغمات هادئة ورقيقة موسيقى البيانو الساحرة تتجول بك في عوالم سرمدية ممتعة، يبدو هادئا ومتمكنا من النوتات يعزف مغمض العينين ربما هو الاخر يكتب لنفسه موعدا مع الحلم، موسيقى تتماهى مع كلمات اغنية حبّ غناها مارسال قائلا «لا يمكن ان نتحرر دون تحرير أجسادنا كلمات غزلية جميلة هادئة زادها سحرا عزف البيانو المميز.

رامي خليفة هذا الشبل من ذاك الاسد على الركح تبدو موسيقاه مجنونة صاخبة تدفعك للسؤال عن ماهية الموسيقى وتاثيرها، له طريقته الخاصة في الانسجام والمزج بين الكلافيي والبيانو بين الة نوتاتها هادئة واخرى مجنونة و بحنكته جمع بين الجنون والهدوء بين المتعة والشوق عزف فابهر جمهور السيليوم، نغمات جديدة وطريقة توزيع جديدة لاغان يحفظها الجمهور «يا بوليس الاشارة» «منتصب القامة امشي» و «يا بحرية» مع «مابينع» بالاضواء وصور على شاشة عملاقة تؤكد انّ التجديد هو الاخر فنّ له خصوصياته وسحره.

أضيئــت أنـــوار السيليوم، غنّى مارسال خليفة واستمتع الجمهور بلقائه مع الاغنية المتلزمة، غنوا للشهيد وهتفوا بصوت واحد «اوفياء اوفياء لدماء الشهداء» عاندوا الطبيعة و المطر ليرقصوا وتصبح زخات الامطار هي الاخرى موسيقى مميزة، لساعتين من الزمن كان اللقاء استثنائيا في مسرح اكثر من استثنائي، بعد عقود فتح المسرح ابوابه وانتفضت الحجارة من صمتها فهل ستتواصل اشغال تهيئة المسرح ليعود الى كامل بريقه؟.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115