الفيلم المصري «أخضر يابس» لمحمد حماد في المسابقة الرسمية لمهرجان «منارات» بقاعة الزفير (المرسى): «في زحمة الحياة و العرف والعادة: لا تنسي أنّك مقدسة ونبع للحياة»

المرأة ذاك الكائن العجيب والمركّب، المرأة وتلك الثنائيات الفارقة بين الترح و الفرح بين الجد والكسل بين الحب و الحقد بين الطيبة والقوّة بين

البأس و اليأس، المرأة كائن سينمائي بامتياز، من تفاصيل يومها يمكن خلق افلام سينمائية واقعية طويلة تجلب الجمهور وتحصد الجوائز لأنها كائن سحري وغامض وكلما اكتشفت الكاميرا جزاء أو تفصيلة زاد الغموض ومن تفاصيلها ولد فيلم «اخضر يابس» للمخرج المصري محمد حمّاد.

عن سبب اختيار المرأة محور الفيلم يقول حمّاد: المرأة في رأيي أكثر درامية من الرجل، فهي تحمل الكثير من الغموض والعواطف غير المتوقعة والأفكار دائمة الدوران في رأسها، وعلى عكس النظرة السائدة للمرأة فهناك الكثير من الهموم المكبوتة لديها.

اخضر يابس...المرأة حمل الوجع وعورة في العادات
صوت ازيز القطار المقلق يصمّ الاذان، منذ البدء يخبرنا المخرج أن في الفيلم الكثير من الانين والوجع الذي يصم الآذان، فتاة تجلس في عيادة طبية تنتظر دورها، بحجابها البني الغامق و البني عادة لون للعدة و الغموض، وجلباب طويل ازرق داكن، هالات تحت العينين للدلالة على ارق مستديم، نظرات تائهة تحملق دون هدف وكانّ بالكاميرا تكتب تفاصيل وجيعة كل نساء البسيطة.

هي «ايمان» ثلاثينية، شابة مفعمة بالحياة، تعيل شقيقتها الصغرى، تنقطع عنها الدورة الشهرية لمدة شهرين فتزور الطبيب و قبل الحصول على التحاليل تنطلق رحلة الكوابيس، اهو «السرطان» ام «ورم خبيث اخر»؟ كيف تنقطع الدورة لشهرين اهو «التوتّر» اسئلة او هالة من سحابة كوابيس مظلمة تضعها ايمان فوق راسها لمدة اسبوع حتى ظهور نتيجة التحاليل من هناك تنطلق الجولة في تفاصيل يومها ومن تلك التفاصيل قدم المخرج فيلما انسانيا يمس الروح والقلب معا.

تعود ايمان الى البيت لتصبح الصورة اكبر وتنقل الكاميرا تفاصيل المكان، ففي ذاك البيت الكبير المهترئ تكتب ايمان يومها، ابواب دون مقابض، قاعة جلوس دون ستائر، حيطان اهترئت حدّ عدم قبول مسامير اضافية، اصفر وبني هي الوان المكان الوان تحيل الى الالم وصفرة الربيع وحزنه ليعرف المشاهد ان ايمان هي البنت الكبرى وهي عائل شقيقتها الطالبة الجامعية التي تطلب منها دعوة احد الاعمام ليقابل عائلة الخطيب المنتظر فايمان ليست رجلا ولا يحق لها مقابلتهم حسب العرف الاجتماعي.

وفي زحمة الفراغ و الكوابيس تبدأ ايمان رحلتها السيزيفية اليومية لايجاد «رجل» يستقبل خطيب شقيقتها وعائلته، فإيمان هي انموذج عن المرأة المصرية والعربية عموما لها ان تعمل تعيل العائلة تشقى و تنهك نفسيا وجسديا اما ان تقابل الاخرين وتكون سيدة المكان فذاك ممنوع و «عيب» وبين العيب والعادات الاجتماعية تضيع ايمان وتثقل خطاها وهي تبحث عن «رجل» يستقبل الضيوف.

عدد ايام الاسبوع سبعة، يراها البعض سريعة المرور ولكن في اخضر يابس كانت طويلة،نسق الفيلم بطيء حد إشعارك بالتوتر و ذاك مقصود فالمخرج و كامل فريق الفيلم ارادوا لفت النظر الى تفاصيل حياة المرأة من الطبقة المتوسطة، الى المها اليومي ومعاناتها بداية من المنزل الواسع الفارغ وحيطانه القديمة الى الهالات تحت عيون ايمان وصوت القطار المقلق و ذهابها اليومي الى العمل ثم العودة لاتمام تجهيزات الخطبة ولوازمها، نسق بطيء يدفعك للوقوف للحظات امام معاناة المرأة اليومية، تلك المعاناة التفصيلية ابدعت في تجسيدها الممثلة هبة علي.

«أخضر يابس» فيلم بطله الرئيسي الوقت، الانتظار و الحلم في رواحه وغدوّه، الوقت سيد الفيلم وبطؤه عنوان لكل القسوة التي تعانيها المرأة في مجتمعاتنا العربية.

المرأة رمز الخصوبة
المرأة رمز الحياة والخصوبة، المرأة سرّ البهجة والفرح، المرأة طاقة عجيبة من الحب والحلم، ولكن ماذا لو اختصروا وجودها في «الانجاب؟» ما شعور المرأة حين يختصر وجودها في «قطرات دم الدورة الشهرية» ثم «قطرات دم العذرية» وبعدها «قطرات دم الانجاب»؟ الدم بلونه الاحمر كان حاضرا في الفيلم من خلال لباس ايمان وحجابها الاحمر الداكن، او في مشهد «فوتة صحية ملوثة بالدماء» في اخضر يابس تحدثنا كاميرا المخرج حماد وكل فريق العمل عن كيان المرأة وشعورها بالضيم والسخط حين يختصرون وجودها فقط في جسدها ضيم وكأننا امام نزار يقول:
حين كنا .. في الكتاتيب صغارا
.. شوهونا
شوهوا الإحساس فينا والشعورا
.. فصلوا أجسادنا عنا
.... صوروا الحب لنا .. بابا خطيرا
لو فتحناه.. سقطنا ميتين
فنشأنا ساذجين
وبقينا ساذجين
نحسب المرأة .. شاةُ أو بعيرا
.. ونرى العالم جنسا وسريرا

أسبوع تنتظر فيه ايمان نتائج التحاليل، اسبوع مليء بالأحداث الرتيبة صنعوا منها فيلما سينمائيا انسانيا بامتياز، بعد اسبوع تعرف ايمان انها سليمة من الامراض والأورام ولكن الحياة تعاندها اذ تستقبل من طبيبها سبب انقطاع الدورة الشهرية، وهو انقطاع مبكر للطمث. في حدث نادر في عمرها الصغير. تفاجأ الشابة، تبكي وتغضب. وتتخذ فعلا عنيفا بعد عودتها للمنزل، بأن تتخلص (بنفسها) من غشاء بكارتها للأبد وكأنها هي الاخرى حصرت كل انسانيتها في قطرات دم العذرية.

«أخضر يابس» فيلم التناقضات الآ إنسانية التي نعيشها يوميا فايمان امرأة في مقتبل العمر امرأة تنثر تباشير الحياة حولها من الشجيرات التي تسقيها يوميا الى اهتمامها بشقيقتها ودراستها إلى محل العمل الذي تشرف على جماله وتنظيفه يوميا ليزهر في المقابل تعاني حياتها من الجفاف من كل النواحي، وحيدة حرفيًا في الحياة، اختها تستنزفها ولا تعطيها حتى الامتنان المتوقع، توجد إشارات لقصة حب فاشلة مرت بها، والجديد الجفاف التي تعانيه داخليًا عندما يرفض رحمها التخلي عن بطانته في دورة شهرية معتادة عند كل الفتيات والسيدات من عمرها.

اخضر يابس فيلم انساني بامتياز فيلم يقدم حقائق عن المرأة ويقدّس حضورها وتعبها اليومي ومن تفاصيلها يكتب الياذة سينمائية.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115