عرض «للاّ» لأمينة الصرارفي في مهرجان ليالي العبدلية : المرأة التونسية خلّاقة ومتمردة دوما ...

«للّا» جيتك زاير، جئتك متشوقا إلى لقائك والاستمتاع بسحر حديثك وحلاوة كلامك وروعة افكارك، «يا نغارة» جيتك

زاير طامعا في الاستمتاع بابداعك وبهائك، يا سيدتي انت يا نغمة تخترق القلب و تسكن حباب الروح جئتك لاستنشاق عبق الحرية والحياة فهلاّ لبيت الطلب.
هكذا هي الموسيقى معبد تسكن فيه الروح و تخلد الى مناجاة كل تعاليم الحب وتفاصيل الجمال وفي العبدلية كان لقاء جمهور المهرجان مع الموسيقى الصوفية الممتعة وعرض «للاّ» لامينة الصرارفي عرض متكامل يخاطب الوجدان ويمتع الفكر.

الصرارفي تقتحم عالم الصوفية تماما كما أم الزين الجمالية والسيدة المنوبية
يا «للاّ» يا «للاّت النساء» يا سيدة المكان والزمان، يا انت يا قوام البيت وعماد معبد الجمال سرّ الروح ومنبع الحياة، انت سيدتي وسيدة كل كائن حيّ، انت يا تونس يا مهجة الروح و نبض القلب وعشقة لن تنسى، اليك انت يا «للاّ» اليك ياللاّ حليمة» اليك «للاّ مامية» «للاّ صالحة» للاّ ام الزين» للاّ المنوبية»، «للاّ فاطمة» «للاّ عربية» «للاّ عزيزة» «للاّ القلعة» الى كل «للات» تونس بما تحمله الكلمة من معاني التبجيل و الاحترام، إليكنّ جميعا كل عبارات الحب الى تلك الفنانة الحالمة ، الى الطبيبة المميزة الى المهندسة المميزة الى الفلاحة الصادقة إلى من تعمل بساعدها ومن تعمل بدماغها الى كل امرأة حرّة و قوية قدمت امينة الصرارفي عملها «للاّ»، عملا موسيقيا صوفيا اقتحمت فيه عالم الرجال تماما كما اقتحمت السيدة المنوبية وام الزين الجمالية مجالا كان حكرا على الرجال في العهد الحفصي.
في قصر حفصي كان اللقاء مع عرض استثنائي هو الاخر تعود أغانيه وأناشيده إلى العهد الحفصي الغني سياسيا وفنيا، اقتحمت أمينة الصرارفي صحبة عازفاتها عالم الزوايا وقدمت بعد سنوات من البحث عرضا موسيقيا صوفيا سمته «للاّ» عرض يقدم الاناشيد والاغاني التي تغنيها النسوة في المقامات النسوية اي الاغاني التي تمجد السيدة المنوبية وام الزين الجمالية وللاّ صالحة بنت بوسعيد الباجي اغان كانت لسنوات حكرا على «المدّاحات» داخل «الزاوية» عملت الصرارفي وعازفاتها على اخراجها الى النور واخراجها من المجال الجغرافي للزاوية الى المسارح ليستمتع بسحر الكلمة ومتعة اللحن كل مغرم بالموسيقى الصوفية.

صوت الطبلة يستحضر سيدات تونس صوت قوي كصرخة عائشة المنوبية وهي تقول «إن الله خلقني وأحبني وإني سيدة الرجال وإمامهم»
وعائشة المنوبية المعروفة بالسيدة او «النغارة» عاشت في فترة لم يكن التعليم فيها متاحا للنساء ويقول المؤرخ التونسي عبد الجليل بوقرة في هذا السياق، أن النساء المتعلمات لم يكن سوى حالات نادرة جدا، وأغلبهن من الأجنبيات أو نساء استثنائيات ينتمين إلى السلالة الحاكمة، أي الحفصيين آنذاك ولكن عائشة المنوبية تحدت نواميس المجتمع وتعلمت وأصبحت صاحبة كرامات وابهرت العلماء بعلمها ودينها..
من منوبة الى فريانة اين ولدت ام الزين و اسمها أم الزين بنت ميلاد بن عثمان بن علي بن تليل، نسبة إلى الولي الصالح سيدي تليل دفين مدينة القصرين التونسية، وتنحدر من نسب شريف يعود إلى ثالث الخلفاء الراشدين عثمان بن عفان، تركت فريانة واستقرت بالمهدية عاصمة الفاطميين ثم انتقلت إلى مدينة «جمّال» من ولاية المنستير، عرفت بزهدها وعلمها وكراماتها حتى أصبحت «بية الساحل» وشفعت للاهالي المتمردين عند الباي.
وفي العــرض تستحضر الموسيقى هؤلاء النساء لانهنّ تونسيات اقتحمن عالم الرجال وفرضن وجودهنّ وخلدن أسماءهن في تاريخ البلاد الصوفي وفي العبدلية الكبرى كان اللقاء مع ذكرهنّ وقصصهنّ في عرض كتبته امرأة مبدعة.

«أنا مرا، أنا تونسية، أنا للات النساء»
تسع فنانات بلباس تونسي ازرق اللون موشى باللون الذهبي واقراط تقليدية الصنع، صحبهنّ عازف الدرامز و البندير والكلافيي، لهنّ قيادة مركب الموسيقى في رحلة صوفية مميزة، امينة الصرارفي قائدة الرحلة تميزت بتلقائية مبهرة في التعامل مع الاغاني و الفرقة، توسطت المجموعة «للاّ مامية» صاحبة التسعين عاما كطفلة صغيرة لم ترهقها السنون بل زادتها جمالا وابداعا وتألقا.

بضحكة ارتسمت على الوجوه تميزت عازفات الايقاع، الطبلة والبندير والدربوكة التي تعود الجمهور على انامل رجالية تعزفها كان في عرض «للاّ» انامل نسائية رقيقة موشاة بطلاء الاظافر تعزف بلين وعنف حسب الاغنية والنسق الموسيقي فكنّ سيدات العرض.
آلة القانون تهمس همسا رقيقا كلحظات خشوع يتضرع فيها المرء إلى خالقه، رفيقتها آلة الكمان ونغماتها هادئة هدوء النفس بعد الخشوع، اما العود فلحضوره كل الجلل لموسيقاه متعتها وكأنه يستصرخ النغارة.
النغمات الصوفية انتشرت وفاحت معها رائحة البخور والعود ومسك الليل، عرض جمع كل التلوينات الموسيقية تقريبا من المزود الى السطمبالي فصوت الزكرة وايقاعات الكمان وصوت الناي وموسيقى العود، تلوينات مختلفة اختلاف تلوينات النمط المجتمعي التونسي واختلاف نساء هذا البلد.
في «للاّ» غنيّن يا سيدة دخيل وشيلوني يا رجال الحمادة و اصبر يا قلبي واتصبر (أغنية من تراث الفترة القيروانية) وزيارة المنوبية و نغارة وبابا سالم ومجموعة من التعليلات التي تغنيها النسوة في الحضرة.
«للاّ» ليس مجرد عرض موسيقي فرجوي وانّما بحث ميداني في تاريخ الموسيقى الصوفية التي تتغنى بالنساء الوليات الصالحات وتؤديها نساء في الزوايا، عمل بحثي ينفض الغبار عن الاناشيد المنسية ويقدمها الى الجمهور ليتذوق حلاوة الكلمة التونسية ومتعة لحنها، عمل اشرفت عليه فنانة بحثت لتقدم

لجمهور المسارح عرضا تتماهى فيه كل الفنون وتقدم صورة اخرى عن الموسيقى الصوفية النسائية خاصة بعيدا عن الحضرة و«السناجق والبخور والتخميرة».

وتأمل أمينة الصرارفي أن يكون عرض «للاّ» الذي عُني بمدح وليّات تونس الصالحات، نواة مشروع فني مُتكامل سيشمل في لاحق المُناسبات التغنّي بصالحات كل المدن التونسية ومكارمهنّ التي شملت الذكور والإناث على حد السواء، ليكون بمثابة «حضرة نسائية» تحفظ تراث تونس اللامادي من التلف والنسيان.
للاّ في العبدلية، عرض متكامل جمع الموسيقى و الكوريغرافيا بلوحات راقصة تحاكي المراسم التي تتم داخل الزوايا فهنّ حينا يضعن الحناء على التابوت وأحيانا يشعلن الشموع للتبرّك وثالثا يعقدن خيوطا خضراء في المعاصم للتبرك وطلب الانجاب ، لكل مقام طقوس ومراسم يمارسها الزوار جسدتها الراقصات على الركح بلباس جد جميل تونسي الصنع والروح وسينوغرافيا ميّزها اختلاف الاضواء تماما كما اختلاف تلوينات المجتمع التونسي.

مامية القروي:
طفلة لا تكبر
«للاّ مامية» سيدة في عرض «للاّ» امرأة بلغت التسعين من العمر ولكنها على الركح تبدو كشابة لم تتجاوز العشرين، تغني بكل طاقة وتلقائية، هي من أكبر وأشهر مدّاحات السيدة المنوبية، ذاكرة صوفية حيّة تحفظ كل الاغاني والاناشيد الموجهة الى السيدة المنوبية، امرأة تجاوزت التسعين لكنها تغني بتلقائية طفلة صغيرة مازالت تستحي متى هتف الجمهور باسمها وتغمض عينيها خجلا.

ليلى الشابي:
مسرحية «تتهجّى النص»
من في عمل «للاّ» يحضر المسرح والممثلة ليلى الشابي تشارك في العرض في فقرات تتحدث فيها عن تاريخ الوليات الصالحات، لكن والمؤسف ان الشابي تقرأ النص من الكراس اولا باضطراب ولخبطة و«تتهجّى النص» بطريقة تطرح السؤال «سيدتي ألست مسرحية؟ هل من الصعب حفظ نصك الذي سبق وان قدمته في المسرح البلدي ثم العبدلية؟».

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115