Print this page

عرض «ناس» لفؤاد بوصوف في اختتام أيام قرطاج الكوريغرافية: الرقص انتماء والجسد هوية ووطن

تتوه الروح في بحثها عن هوية الذات وانتمائها تتشتت الفكرة وهي تبحث عن موقعها في هذا العالم،

تتمزق المشاعر بين الماضي والحاضر بين الهوية و الانتماء بين الفرحة والغضب بين التقليد والتجديد، تضيع الفكرة يتوه المعنى والعقل ربما يحيد عن مساره في بحث واسئلة وجودية ترهق النبض والعقل وحده الجسد يعرف طريقه وحده الجسد قادر على تحديد المسار و المبدأ.
لغة الجسد هوية لا تعرف التوهان لغة صامتة تبحث فيك عنك وبداخلك تخرج هويتك وانتماءك الى العلن دون خجل او وجل وحده الجسد لا يخجل من هويته وانتمائه وحده الجسد لا يستعار من ماضيه ولا انتمائه الجغرافي والتاريخي وفي عرض ناس لفؤاد بوصوف كان لقاء الجمهور مع سحر الرقصة الافريقية وغوص في ماضي المكان وتاريخه.

أنا جسدي.. أنا انتماء لهذه الأرض
موسيقى ناس الغيوان تزلزل المكان، صوت الة القمبري يرتفع عاليا مرحبا بجمهور مسرح الجهات صارخا انك في حضرة شمال افريقيا في حضرة الامازيغ و العرب و القبايل و كل التلوينات العرقية التي تميز شمال افريقيا، سبعة اجساد على الركح، يلبسون ألوانا مختلفة جمعت الاحمر والأصفر والبنفسجي والأخضر والازرق والرمادي و الابيض الوان مختلفة اختلاف سكان شمال افريقيا.

سبعة اجساد يضربون بأقدامهم بقوة علّك تستفيق و تسمع حديث الذاكرة والهوية والانتماء حركاتهم على الركح تحملك حتما الى رقصة «الشاوية» الجزائرية، رقصة تقليدية اساسها حركات الاقدام القوية، تتواصل الموسيقى لتصبح غربية ويرتفع صوت القيثارة صادحا ومعه تتغير الحركة لتميل أكثر إلى رقصة الهيب هوب، فعرض «ناس» لفؤاد بوصوف عرض يغوص في تاريخ رقصة الهيب هوب ويحاول تقديم تاريخها الى الجمهور من وجهة نظر كوريغراف جزائري تعلم ابجديات لغة لجسد في شمال افريقيا.

في العرض يتساءل بوصوف عن أصول رقصة «الهيب هوب»، والمسار الذي انتهجته منذ ظهورها في سبعينيات القرن الماضي، ومن خلال هذا العرض، أراد بوصوف التعريف بجذور رقصة الهيب هوب التي تعود أساسًا إلى الرقصة التقليدية المغربية التي ارتبطت بموسيقى «القناوة» التي ظهرت خلال القرن التاسع عشر و معها الموسيقى التقليدية للجزائر والمغرب، رقصة اثبت معها مدى التجانس الحضاري بين مختلف الثقافات تجانس خلق مع رقصة الهيب هوب المنتشرة في كل العالم، تلك الرقصة المعبرة عن الثورات والتمرد هي في الاصل تتشابك مع الخطوة التقليدية لشمال افريقيا، وباجسادهم كتبوا انتماءهم لهذه الارض باجسادهم وخطواتهم التقليدية حاكوا العالمية دون الانقطاع عن الاصل فالجسد هوية الكوريغراف وباجسادهم كتبوا قصة تلك الارض حدثوا الجمهور عن الشاوية و القناوة و الحضرة وكل الموسيقات والشطحات التقليدية المميزة لشمال افريقيا.

الجسد لغة لنبذ العنصرية
الجسد حكاية لكل حركة قصة ولكل قصة الاف التفسيرات، الجسد مقدس ولغته اكثر قداسة، بالجسد حدثوا الجمهور عن الارض عن الهوية عن الانتماء باجسادهم كتب إلياس أردوان، سامي بلوند، ماثيو بورد، ماكسيم كوزيك، لوئيك إيليس، جوستن غوين، نيكولا غروكلود حكايا الارض وهواجس الشعوب.

في ناس يحملك فؤاد بوصوف الى شمال افريقيا الى هواجس المجموعة وقضاياها وهو كوريغراف، راقص و أستاذ، تلقى تكوينا في رقص الهيب-هوب التي تمثل مجال تخصّصه، كما إهتمّ بممارسات كوريغرافية أخرى لا سيّما المعاصرة منها.

ساهمـــت تجـــاربه في الأداء  ومساره المتعدد في أن يكون بحثه الكوريغرافي بحثا حداثيا بإمتياز، حيث تتحاور رقصة الهيب-هوب مع معجمي الرقص المعاصر و الجاز، إلى جانب رقصات شمال إفريقيا التقليدية و السيرك الجديد. يعكس عمله الرافض للمقولات الجاهزة هذه الروافد، كما يطرح مسائل راهنة في صياغة مغايرة بفضل راقصيه.
الجسد لغة عالمية لا تحتاج للكلمة لفهمها او تاشيرة للمرور فهي لغة انسانية صادقة تمس الفكر و العقل، على ايقاعات موسيقى ناس الغيوان تحدثوا عن المشترك بين «الهيب هوب» والرقصة التقليدية الجزائرية والمغربية في اشارة الى وحدة الشعوب في الهموم ورغبتها المشتركة في التحرر فناس الغيوان وموسيقاهم هي عنوان للحديث عن وجع المغاربة، عن الظلم و اللجوء والحرمان كذلك الهيب هوب رقصة الثائرين في امريكا ضد الظلم المجتمعي والدولة، وبالجسد نقلوا هواجس الشعوب المشتركة.

في العرض سبعة رجال يشيدون بالقوّة الجماعية في رقصة كثيفة و بهلوانية. يُحرّكهم، في ذلك، الإيقاع الذي لايتوقف، إيقاع ينبثقُ منه الغليان لتطعيم الأجساد بالطاقة. ناسّ هو عرض يجمعُ بين رقصات شمال إفريقيا وموسيقاها التقليدية التي ترعرع على مسامعها فؤاد بوصوف، و إعادة كتابتها على ضوء الثقافات العمرانية التي إكتشفها و تبنّاها في فرنسا. بين الدنيوي و المقدّس، بين الحداثة التي لا تتوقف والشعائر التي تخول دون بلوغها، يتجرّأ هذا العرض على مواجهة مقامات الجسد المتضاربة، وإثبات تجانس البعدين الشعبي والحضري لرقصة الهيب- هوب، عرض انساني بامتياز لساعة ونيف والاجساد تكتب الياذة الحرية في مزج غريب بين الموسيقى الغربية والحركة التقليدية.

المشاركة في هذا المقال