«حثلة» لمروان روين في أيام قرطاج الكوريغرافية: الجسد وهاجس الانسانية

الجسد حامل لشيفرات ورسائل عديدة، شيفرات عن الانا والآخر وحده

الجسد قادر عن التعبير عنها، الجسد وسيط للتعبير ووسيلة للابداع حين تتحدث الاجساد تقف كل حروف الابجدية تائهة وعاجزة عن ايصال المعنى اما الجسد فحضوره كما الالهة يلغي ما سبق لان للغته مفردات تمس القلب وتعبر عن الفكرة دون وساطة.
وعن علاقة الانا بالاخر ورسائل لنبذ العنف والتمييز والعنصرية تحدثت اجساد الراقصين في عرض «حثلة» اين التقى جمهور ايام قرطاج الكوريغرافية بعرض يغوص في معاني الانسانية.

الآخر هو الجحيم؟ أم شيطان الأنا متسلط ؟
كيف هي علاقتك بالاخر؟ هل الاخرون هم الجحيم كما يقول سارتر؟ وهل «انا» كائن دون شوائب وفكر لا تشوبه شائبة؟ هل الاخر مخيف والانا مسالم ؟ هل الاخرون عنوان للسواد والانا رمز للسلام والبياض؟ كيف نرى عيوبنا متى وجدناها عند الاخر؟ وهل عيوب الانا «صفات» بينما عيوب الاخرين «شوائب»؟ اسئلة عديدة عن علاقة الانا بالاخر؟ عن علاقة الفرد بالمجموعة؟ عن ماهية الانا مقابل ماهية الاخر؟ اسئلة طرحت بالجسد، اجساد تساءلت على ركح اسود عن دلالة الانا و ماهعية الاخر؟ اسئلة طرحتها اجساد سندة الجبالي وامنة المولهي وعاصم بالتوهامي ومريم بوعجاجة في عرض «حثلة» لمروان روين.

موسيقى صاخبة تصم الاذان، ضوء وحيد ينبعث في المكان في اتجاه واحد، جسد امرأة يتحرك بخطوات بطيئة تتحسس جسدها وحركتها وتنظر قبالة الضوء كما تعانق زهرة شعاع الشمس الاول، قوس مظلم خلفه جسد اخر يتحسس الارض، جسد يمشي بطريقة مختلفة ويصدر اصوات مختلفة ايضا يبحث عن ذاته يقترب من الجسد الاول فيكون الخوف سمة العلاقة الاولى يواصل الجسدان الحركة باتجاه الضوء كل بطريقته كل جسد له مقوماته مفاهيمه وتعابيره تماما كاختلاف الافراد في المجتمع الواحد، تنافر وكانه تجسيد لمقولة بليز باسكال : «للأنا خاصيتان، فمن جهة هو في ذاته غير عادل من حيث إنه يجعل من نفسه مركزا لكل شيء، وهو من جهة أخرى مضايق للآخرين من حيث إنه يريد استعبادهم؛ ذلك لأن كل «أنا» هو عدو، ويريد أن يكون المسيطر على الكل».

جسد ثالث يشبه الجسدين الاولين، يبحث عن الضوء ربما للخروج من هول الفراغ والظلمة، ثلاثتهم يجدون انفسهم في مكان واحد، تتلاحم الاجساد تصدر اصواتا غريبة بعدها يصبح الهاجس المشترك الخروج من الظلام والهروب من الجسد الرابع «المظلم»
حركات الاجساد بين الإقدام والتراجع وكانها تجسيد لاسئلة الفيلسوف امنيال ليفانس حين تساءل وقال من يحدد الآخر؟ هل المطابق هو الذي يحدد الآخر أم الآخر هو الذي يجعل من المطابق مطابقا لذاته؟ كيف يكون المرء ذاته ويصبح أنا؟ هل عن طريق الوعي أم عن طريق الإرادة؟ هل عن طريق القول أم عن طريق الفعل؟ كيف تطرح هذه الذات ذاتها؟ هل بالانفصال عن العالم والانطواء على ذاتها أم بالانخراط في العالم والانفتاح على الآخر؟ ماهو الآخر؟ وفي «حثلة» كان الجسد فيلسوفا يبحث عن إجابات لأسئلة عديدة يطرحها المجتمع والعادات والتفكير ورفض الاختلاف.
في «حثلة» خوف الانا من الآخر، تقابله رهبة الاخر من الانا، الاجساد المتشابهة تماهت واتحدت لرفض الجسد الآخر المختلف وكأننا| بالكوريغراف يكتب بجسده عن نبذ رفض الاخر ويدعو إلى قبوله والتعامل معه على أساس الفكرة لا اللون والعرق أو الدين، في «حثلة» دعوة الى الانفتاح على الافكار لا لون الجسد واختلاف الشكل عمل انساني بامتياز يكون الجسد فيه حاملا لرسائل انسانية تمجد الانسان و الحقوق وتنبذ العنف والرفض والعنصرية.

الحقوق لا تهدى و النجاح يفتك
الرقص حكاية كوريغراف حالم بالنجاح وتحقيق ذاته وافكاره باصعب الفنون ، فن الرقص، الرقص تلك الشيفرة المقعدة، حركات واشارات ربما يعجز الانسان عن تحليلها وفهم رسائلها ولكن لتعقيدها متعته، الرقص قصة نجاح وطموح لكوريغراف يريد ان يثبت ان الرقص مهنة الرقص عشقة الرقص طموح وليس تسلية وحركات تائهة دون معنى او رسالة، في «حثلة» تكون الخطوات بطيئة اولا ثم تتسارع وترتفع وتيرتها تماما كاحلام الراقصين ينطلقون بورشات في الرقص ثم نوادي فاختيار لطريق الاحتراف بكل صعوباتها، الاجساد وحدها تتحدث تكتب قصة معاناتها ومعاناة الراقص معها خاصة في المجتمعات العربية الرافضة لمهنة الرقص.
«حثلة» هي كلمة من الدارجة التونسية ومعناها الخطوة غير المسموعة هي عنوان لخطوات الراقصين غير المسموعة وهم يصعدون سلّم النجاح يمشون بلين وهدوء ليحققوا ذواتهم ليدافعوا عن فن الرقص لانه فن نبيل فن له شيفراته وحكاياه وحدها اجساد الراقصين تعرف كنهها.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115