عرض «فياكنانا» لغريغوري ماموكا من جنوب افريقيا في افتتاح أيام قرطاج الكوريغرافية»: حيّ على الجسد حيّ على الأمل ... قد حانت صلاة الحب

يا عشاق العالم اتحدوا يا محبّي الرقص اتحدوا وتماهوا مع أحلامكم وأضربوا بقوة

على الارض علّها تتزلزل تحت اقدامكم ويخرج من بين صخرها ماءا زلالا يزهر معه الامل ويينع الحب ويورق العدل و يفوح شذى الحياة، يا راقصي العالم اكتبوا باجسادكم الياذة الحياة و اقيموا صلوات الحب وادعوا جمهور الامل ليرافقكم في جولة بين سماوات الجسد علّنا نسري ونعرج على امل لا ينضب وعدل يتحقق وحقوق تعطى دون عذاب.
يا راقصي العالم اتركوا لاجسادكم حرية الكلام لتعبّر عن وجيعة الارض و الحقوق دعوها تكتب البدايات دعو اجسادكم تعيد لحظات الولادة الاولى تمــاما كما في افريقيا، فالرقـص فــي أفريقيا هو بداية كل شيء، وما على الكلام سوى اتباع الرقصات؛ ليتحول الحديث إلى أنغام وألحان ورقصات، فالرقص والغناء والأقنعة هي تراث القارة الأفريقية» كما كتب الزعيم سنغور وفي قاعة الاوبـرا بمدينــة الثقافة كان اللقاء مع ولادة متجددة لصلوات الحب مع «فياكنانا».

الرقص الافريقي...ولادة تاريخ وذاكرة المضطهدين
الرقص حياة، الرقص تعبير عن الرفض الرقص الافريقي صوت اله العدل على الارض هو صوت ارتميس الة الخصوبة وصرخات الام جايا، صوت صرخات المستضعفين، باجسادهم يكتب الراقصين الافارقة تاريخهم، بحركاتهم القوية والمضطربة ينقلون وجيعة قرون وجيعة ارض عانت التمييز العنصري وكل اشكال العبودية وتلوينات العذاب وبمناسبة اليوم العالمي لمناهضة التعذيب رقص «تشيبو نشابيلينغو» و«ثاتو كوفيلا» و«أنديل نهالبو» و«تشيبو موهلبان» و«تيبوهو موليليكينغ» و«أبيل فيلاكازي» و«جوليا بورنهام» و«لينيلا لابالّو» على النغمات القوية رقصوا ليعبروا عن أرضهم ويحدثوا جمهـور مدينـة الثقافة التونسية عن دولة جنوب افريقيا ومعاناته من عنصرية وظلم وعبودية ونزاعات رقصوا بكل صدق...
رقصوا لأن «الرقص عند الإفريقى هو حياته. وبين الرقص والحياة زواج مغناطيسي، وحين أكتب عن الناس والحياة فى إفريقيا، لا أجد أمامي مصدرا أصدق من الرقص» كما تقول الكاتبة الزنجية الأمريكية بيرل بريمياسفي مذكراتها.

هم ثمانية أجساد ثمانية أفكار ورؤى متباينة مثلوا تعبيرة صغيرة عن الثراء العرقي لدولة جنوب افريقيا، لبسوا ألوانهم الافريقية المتباينة، اصوات الطبول وصرخات الاجساد تسمعها وتتحسسها، خلف شاشة كبيرة اذ اعتمدوا على تقنية خيال الظل ايضا في العرض الشاشة ايضا كانت محملا لعرض بعض المشاهد من دولتهم.

اختلــف ازيـاء الراقصين وحركاتهم كان امتدادا لاختلاف عرقيات واقليات والوان تلك البلاد اذ يتكون النسيج المجتمعي لجنوب افريقيا من البيض وهم الألمان والهولنديون والبريطانيون ويسمون بالافريكان وأما الأغلبية فهم من البانتو والمكونة بدورها من مجموعات عديدة منها مجموعة نجوني ومجموعة تسونجا، ومن المجموعة الأولى السوازي، وشعب الزولو، وكان الزولو أمة مرهوبة الجانب قبل الاستعمار الأوروبي، ومن المجموعة الثانية قبائل تسونجا، ورنجا وتسوا، وإلى جانب جماعات فندا، والسوتو، وهكذا تتعدد قبائل البانتو.
أما العناصر الملونة فتشكلت من خليط عن تزاوج بين الهونتنوت وهم عنصر أفريقي بالأوروبين الأوائل، وخليط نتج عن تزاوج بين الآسيويين والأوروبيين، وتتكون العناصر الآسيوية من المهاجرين إلى جنوب أفريقيا تحت سخرة العمل من الماليزيين والهنود والباكستانيين هذا المزيج العرقي واللوني شكل دولة جنوب افريقيا وكان سببا للتناحر والعنصرية وباجسادهم كتب الراقصون جزءا من عذابات سكان دولتهم.

الجسد وثيقة وعنوان للهوية
تتجول الكاميرا في ربوع جنوب افريقيا، صور للنسوة منهكات وكانها تعبير عمّا عانته المرأة في تلك البلاد من عنصرية، على الركح ينقسم الراقصون الى فريقين، اول يمشي كما العسكر وثان يحاول صد الهجمة الأخرى هي رقصة تقليدية في جنوب افريقيا تعود بالذاكرة الى سنوات الاستعمار وفجأة تسمع صراخ اطفال و صوت للطم والعويل اصوات يكون مصدرها اجساد الراقصين فالجسد هنا محمل للهوية والذاكرة و الرقص عند الافارقة أفضل تعبير عن مشاعر الإنسان العميقة وليس هناك فن يدانيه في هذا التعبير عن الأحاسيس» كما يقول الكاتب الصومالي جون فيالي.
تتواصل حركات الهجوم والدفاع، مشاهد للتعذيب يتحسسها المتفرج من حركات اليد المضطربة والاجساد المتهاوية، صور سوداء على الشاشة لمن اثقلهم وزر التعذيب و ارهقهم حزن العنصرية، تعبير عن الواقع ووثيقة تاريخية تنقل ماعانته تلك الشعوب، تعبير بالجسد بلغة صامتة اكثر صرامة من المنطوق تعبيرة يقول عنها عز الدين اسماعيل إن الشعوب الأفريقية هي أول شعوب العالم معرفة بفنون الرقص والموسيقى، كما أنها من أصدق الجماعات الإنسانية تعبيرا عن بيئتها الفنية عبر فن الرقص».
العرض ينطلق بصوت نبضات القلب وكانها لحظات ولادة الانسان الاولى ويتجول بالمتفرج في ذاكرة اقليات وعرقيات دولة جنوب افريقيا، بالرقص تحدثوا عن اختلاف اللون والفكر و المعنى، وانتهى برقصة صاخبة على الوان العلم الوطني بالوانه الستة التي ترمز الى مختلف ميولات البلاد السياسية وكما انطلق العرض بنبض القلب اختتم به للاشارة الى دورة الحياة فالرقص الافريقي تعبير عن الولادة دائما..

الجسد الافريقي موسيقى
باجسادهم يصنعون موسيقاهم، شعب رضع الرقص منذ النعومة، منذ لحظاتهم الاولى يعلمون اطفالهم ان الرقص حياة وتعبيرة عن الذات والجماعة، الطبل عادة يكون ميزة الرقص الافريقي ولكن «غريغوري ماكوما» اراد ان تكون اجساد الراقصين مصدر الموسيقى الاول تماما كما قبائل «ماساي» التي تعتمد على الموسيقى الفمية.
على الركح من اللطم وحركة اللاقدام و اللهجات المحلية صنعوا الموسيقى وعبروا عن اختلافاتهم، ستسمع موسيقى غريبة هي اللهجات المحلية ستسمع صرخات ونداءات هي انعكاس لـ «خوسة»، «سوازية»، «نديبيلي»، «جنوب سوتو»، «شمال سوتو»، «تسونغة»، «تسوانة»، «فيندة» جميعها لهجات محلية مختلفة منها صنع الراقصين موسيقاهم ليرقصوا.
بموسيقى الجسد قدموا بعض الرقصات التقليدية مثل رقصة التضحية «دالابانــي» ورقصة الخصوبة «أوانجالادوجو» ورقصة الصيد «ياموسوكرو» ورقصة الفضيلة، وهى رقصات غنية بالتعبيرات الرمزية ،رقصات يكون فيها الجسد حاملا لشيفرات التمرد والحياة شيفرات استمتع جمهور ايام قرطاج الكوريغرافية في تفكيك معانيها.

مهرجان دولي وافتتاح باهت الالوان
كلمة ترحيبية مقتضبة، حديث عن الرقص وأهميته ودعوة الى الالتفات الى الراقصين و الاهتمام بإبداعاتهم و التأكيد على قيمة الرقص وأهميته، كلمة انيقة لمديرة التظاهرة ولكن حفل الافتتاح كان باهتا لا ضجيج فيه، افتتاح تظاهرة تأسيسية كبرى لفن له جمهوره دون ضجيج او تنشيط او ابتكار لحفل افتتاح يكون مميزا وفي قيمة الاعمال المشاركة، ايام قرطاج للكوريغرافيا قالوا انها لن تقل قيمة عن ايام قرطاج الموسيقية والمسرحية و لكن الافتتاح كان دون طعم واقتصر على كلمة ترحيبية لمديرة التظاهرة فهل سيتم التدارك في الاختتام.

افتتاح دون ضجيج وسائل التواصل الاجتماعي
ارتبط مفهوم «ايام قرطاج» بشبكات التواصل الاجتماعي و الكم الهائل للصور الي يتبادلها رواد تلك المواقع من صحفيين و مهتمين بالتظاهرة ولكن يبدو ان الكوريغرافيا لا تثير اهتمام رواد التواصل الاجتماعي ولازالت ثقافة الرقص في مراتب متاخرة بالنسبة للمهتمين بمواكبة التظاهرات «ايام قرطاج» بمسرحها وموسيقاها وسينمائها.

أيام قرطاج الكوريغرافية:
حلم الكوريغراف يتحقق
الدورة التاسيسية لايام قرطاج للكوريغرافيا هي ثمرة نضالات الكوريغراف والراقصين الذين امنوا بقدرة الجسد على التعبير واهمية الرقص في المشهد الثقافي، راقصون عانوا الكثير لينجحوا وليثبتوا أن الرقص مهنة مميزة لها قواعدها ولها جمهورها ايضا، الدورة التأسيسية تجمع شتات الراقصين ومحبي لغة الجسد في تظاهرة تعرّف بهم وبابداعاتهم ليتصدروا المشهد الثقافي لاسبوع كامل يكون الجسد سيد المقام.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115