الشاعرة والروائية فاطمة بن فضيلة لـ «المغرب»: أنا شاعرة بالفطرة وروائية بالصدفة ومترجمة بضربة حب

تعتبر فاطمة بن فضيلة صوتا شعريا متميزا وصاحبة تجربة مهمة في مجال الادب عامة (قصة وشعرا ورواية)

ورغم تخصصها في الصحافة وعلوم الاخبار فهي تتولى تدريس الفرنسية في المعاهد الثانوية وتكاد لا تتخلف عن الحضور في التظاهرات الادبية المهمة في رصيدها خمس كتب منشورة وثلاثة كتب مخطوطة مع هذه الشاعرة والروائية والمترجمة الحائزة سنة 2006 على جائزة زبيدة بشير للشعر كان لنا الحوار التالي:

• كيف تعرّفين القارئ بفاطمة بن فضيلة الشاعرة و الروائية والمترجمة؟
أنا شاعرة بالفطرة و روائية بالصدفة و مترجمة بضربة حب، لا أذكر متى بدأت كتابة الشعر أذكر فقط أنّني مأخوذة باللغة مذ كنت تلميذة في المدرسة، أعجن الكلمات و أحاول خلق الصور و كأي خزاف لم يكن الخلق في بداياته سهلا ولا مستقيما و لا مدهشا لكنّ الدربة طوّعت أناملي و أخذتني غابة الشعر الى مسارب يستحيل الرجوع منها. أما الرواية فحدثت كالقدر الذي يتأخر ثم يأتي هكذا دون اذن، بدأت خطوطها العريضة في مخيلتي حين كنت في العراق في آخر مهرجان للشعر قبل الحرب هناك، مهرجان المربد للشعر و بدأت كتابتها سنة 2004 و أنهيتها سنة 2007 ونشرتها سنة 2008. هكذا جاءت «رواه العاشقان» بعد حمل طويل ومخاض اطول ربما لأنّ جنون الشاعرة يدمر ما تتطلبه الرواية من اتزان و عمل دؤوب. والترجمة هي ضربة حب كما قلت، فأنا أترجم فقط نصوصا وقعت في حبها.

• كيف جئت الى عالم الشعر؟
جئت الى عالم الشعر من الأهازيج البدوية في الأعراس و في مواسم الحصاد التي كنا نحضرها في العطل في ريف مكثر و من صوت أبي و هو يترنّم بالبردة و من أنين الناي (القصبة) بين أنامله. جئت الى الشعر من أغاني النساء في المحفل و هو يجوب المسارب بين «الكدية» و «الرتبة»، جئت الى الشعر من المنازل القصديرية المتراصة على ضفاف المنازه، جئت الى الشعر طفلة بظفيرة سوداء اقتلعت الجرافات منزلها و ابتلعت دمية القماش الوحيدة التي تمتلكها، جئت الى الشعر من الحي الشعبي، من عرق العمال و من الانتظار الطويل أمام الحنفية الوحيدة لجلب الماء الصالح للشراب. جئت الى عالم الشعر مراهقة اكتشفت من باب الصدفة في مكتبة عمومية ديوان «قالت لي السمراء» لنزار قباني فبدأت رحلة البحث عن صوره و سيرته وكتبه التي كنت أخفيها نهارا لأتصفحها ليلا بعيدا عن الأعين. و في الحقيقة لا أذكر أنّني جئت الى عالم الشعر، كلّ ما أذكره أنني أتنفس شعرا منذ وعيت.

• ماذا تعالج فاطمة بن فضيلة في قصائدها؟
الشعر هو حالة وعي قصوى واحساس مفرط بالذات و بالآخر. في بداية تجربتي الشعرية كان الاحساس بالذات و التعبير عنها هو المسيطر فجاءت مجموعة «لماذا يخيفك عريي» بقصائد البنت العاشقة ذات الظفيرة السوداء القادمة من حي المفقرين والمهمّشين محمّلة بأحزان تلك الطبقة الشغيلة من مئات العائلات التي نزحت بعَيد الاستعمار الى أحواز العاصمة و ضواحيها تاركة قراها و بواديها للاهمال و النسيان و الخراب.
في التجربة الثانية «من ثقب الروح أفيض» كان الاندفاع أقل والاشتغال على القصائد أكثر بلغة أخرى أكثر وعيا وأقل انقيادا للعاطفة و تدرّبت أناملي على تطويع اللغة أكثر من طاعتها و برز الآخر بأكثر وضوح فجاءت القصائد حمّالة لهموم عربية و قضايا كبرى كالقضية الفلسطينية والحرب على العراق. وتعتبر «أرض الفطام» نقطة تحوّل في تجربتي الشعرية سواء في مستوى شكل القصيدة أو محتواها وعوالمها الجمالية فوردت قصائد هذه المجموعة ذات بعد انساني شامل.

• و لماذا لجأت الى الرواية؟
أنا لم ألجأ الى الرواية، الرواية سحبتني بعنف اليها لسببين اثنين أوّلهما أنّني مسكونة بالسرد منذ طفولتي فمنذ حكايات جدتي و أهازيج أبي و أنا أتبع خيط الراوي باندهاش كبير. حتى أنّ السرد حاضر و بكثافة في كتاباتي الشعرية . أمّا السبب الثاني فهو مرتبط بزيارتي للعراق سنة 2003 في آخر مربد للشعر قبل الغزو الأمريكي ، كانت بغداد حينها على أبواب الحرب و كلّ شيء يوحي بأننا قد لا نزور العراق مرة أخرى و ذاك البكاء و ذاك الشجن الكثيف الذي خيّم على الوفود العربية و هي تعانق شوارع بغداد و تقبل طرقاتها. و تتالت الأحداث بعد عودتنا من هناك و كانت صور الحرب تتناثر من شاشات تلفزاتنا وأجساد أصدقاء عرفناهم تتساقط تباعا. و كانت «رواه العاشقان» هي الحضن الذي سكبت فيه كل أحزاني حينها.

• عادة ما يسبق اللجوء الى الرواية بكتابة القصة القصيرة فهل جرّبت هذا اللون؟
نعم جرّبت كتابة القصة القصيرة و شاركت في بعض المسابقات الوطنية و تحصلت على جوائز لكن التجربة لم تستمر و لم يتجاوز نشر تلك القصص صفحات بعض الملاحق الثقافية.

• بحكم أنّكِ محرزة على جائزة زبيدة بشير للشعر و سافرت للمشاركة في تظاهرات شعرية في عدّة بلدان عربية و بحكم أنّك مكوّنة نقابية و عضو اللجنة الثقافية الوطنية باتحاد الشغل، كيف يبدو لك الواقع الثقافي و الأدبي في بلادنا خاصة بعد الثورة؟
الواقع الأدبي والثقافي مرتبط بالواقع الاجتماعي و السياسي فنفس الأسباب تؤدي حتما الى ذات النتائج و أهم سمة لهذا الواقع العام هو عدم الاستقرار و انعدام الوضوح و كما برزت في السياسة أصوات و كتل لا علاقة لها بالفعل الثوري لا من قريب ولا من بعيد برزت في الأدب أصوات وتشكيلات لا علاقة لها بالإبداع وأذهب الى القول بأنّ الوضع في الأدب أخطر منه في السياسة

لأنّ ما يزرع الآن من رداءة و هذا الكم الهائل من الكتب الخالية من أي محتوى سيكون حصادا لأجيال قادمة. هذا النفس من الحرية الذي افتكته دماء الشهداء سلاح ذو حدين فمن ناحية تضاعفت التظاهرات الثقافية عبر الجمعيات التي أنشأت بعد الثورة و من ناحية أخرى فتح الباب على مصراعيه من خلال العديد من هذه الجمعيات ولا أقول جميعها للمتشاعرين و صغار الكتبة و المدعين من الجنسين.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115