عرض «الوديدة» في دار حسين لمعتصم الأمير: صوت اختزل الصحراء وأغانٍ استنطقت حكايا المكان وذاكرة الانسان

جنوبي الهوى والانتماء من امتداد الصحراء تشبع بمعاني الحياة،

من علو جبالها عانق الشموخ ومن قصائد والده الامير شرب نخب الحلم و الفن، منذ النعومة غنى وقدم تراث جهته تطاوين غنى للصحراء غنى اهازيجها و في دار حسين بالمدينة العتيقة صحبه الجمهور في رحلة موسيقية الى الصحراء واغانيها الى تطاوين كانت الرحلة الفنية التي كتب تفاصيلها معتصم الامير.
الأمير «عقد عقيدة، ود الجمهور بوديدة» مكونة من نوتات ساحرة واغاني جميلة وصوت رقيق و مميز وروح دجنوبية الهوى والانتماء ، الوديدة هديته الى جمهوره طوّع الصحراء و استحضر التاريخ وقدمه على طبق موسيقي لجمهور متعطش بتذوّق كل جديد.

الموسيقى عنوان للذاكرة
صوت الناي الرقيق يرحب بضيوف المكان، في فضاء تاريخي تشهد غرفه على الحكايا وأسرار الدولة من القرن الثامن عشر منذ اعيد ترميم القصر الى ان اشتراه يوسف صاحب الطابع ثم اصبح مقرا لأول مجلس بلدي لمدينة تونس عام 1858، ثم مقرا للقيادة العليا للحماية الفرنسية منذ 1882 الى ان عادت الى السلطات التونسية بعد الاستقلال وغرف القصر تشهد على قصص المقاومة وحكايا تسيير المدينة، حكايا سمعها الناي وعرف اسرارها وقدمها في شكل نوتات حزينة حينا وكانها صرخات التونسيين من ضيم الاستعمار واحيانا تكون قوية هي عنوان للثقة والمقاومة ومعتصم الامير صوت لسكان الجبال و صحراء تطاوين صوت للمنسيين هناك صوت لحكاياهم لنضالاتهم التي نسيتها كتب التاريخ فحفظ اغانيهم

وهاهو يقولها لجمهور يبحث في الذاكرة ويبحث عن التجديد.

معتصم الامير المتشبّع بتراث تطاوين وخصوصياتها الموسيقية اختار بكل وعي ان يكون صوت مدينته البعيدة، صوت البعيدين صوت الاغنية المنسية و الحكايا المدفونة في ركن من الذاكرة، تشبع بالموسيقى و باهازيج جدته وحكايا ابطال الجنوب و فرسانه فاراد ان يكون فارسا للموسيقى عوض «القاربيلة» يكون صوته كما الرصاص صادحا بموسيقى مدينته وأغانيه «اخترت الاغاني التراثية عن وعي وحب ايمانا مني ان الجنوب فضاء للابداع ومن واجبي النبش في الاغاني المنسية وتقديمها الى المستمع وتعريف التونسيين بتراث تطاوين الزخم ودوره في كل حركات التحرر الوطني بالاغنية».

صوت الناي يرحل بك بعيدا الى «النجع»رقة صوت معتصم في موال حزين تجعلك تتجول بين الخيام وتبحث عن شيخ المكان او فرسانه، صوت الدرامز وكاانه عنوان للتحضيرات لحرب ما، رحلة مطيتها الموسيقى تحملك الى الذاكرة الى الخيام المنصوبة والتباري بالشعر والكلمة تجدك في نجع ما عرف بالشهامة و المروءة وتسمع الامير يغني «القلب يريد» و من كلمات الشاعر مبروك بن علي بوصاع يقول واصفا النجع وخصوصياته:

«المنيه نجع القلب يريد واجحاف اتميــــــــد
فوق اجمله تقول عبيد
المـــنــيه عل كــــــوت في نجع امسدي و بيوت
و انت فـــــــــي خوت لا فيهم جـــــــابد لا جبيد
المنيـــــه و العــــــز نجع ظهور النجمه هــــز
بـــــــــنــــياق اغـــــــــــرز عزلــه وحلابه و جلـيــــد وأولاد كـــنـز الواحد يرزم كيف الصيد»

قصيد بما معناه دعوة فرسان النجع للحرب و حديث عن قوتهم ووحدتهم و سرعتهم لنجدة كل محتاج اولا ولخوض الحروب من اجل الحق، في القصيد ايضا وصف للفارس وللباسه و تشبيهه بالنجم المنير وفي دار حسين اضاء نجم معتصم الامير وغنى بتلقائية وحب لجهته وتراثها غنى وكانه يؤدي رسالته رسالة تطاويني يعرف بمدينته بصوته اينما حلّ.

الاغنية ذاكرة وتاريخ
ترتفع اصوات الالات الايقاعية تحدث ضجة في المشاعر والافكار، الجمهور يتامل المكان يركز مع كل «جليزة» وربما يسأل عن تاريخها، الابواب نصف المفتوحة كما حكايا القلب، البداية مع «الفزاعي» ثلاثة عازفي طبلة بلباسهم التقليدي ينقرون على الطبول ويرقصون ليثيروا «حس» و يفزع المستمع تماما كما في افراحهم هناك فالفزاعي بداية كل عرس وفي دار حسين كان الفزاعي اعلان عن انطلاق رحلة موسيقية تغوص في تراث تطاوين واغاني الصحراء.

بعد الفزاعي يحملك الناي الى غمراسن ستتجول في مدينتها العتيقة الجميلة، من غمراسن تحملك الموسيقى الى الجبال الى سحر الدويرات وجمال شنني وقدسية قرماسة، لن تنسى جبل اقري وحتما ستتجول في القصور الجبلية ستزور قصر بني بركة اعلى الجبل وتتامل جمال الوادي اسفله، ستبحث في حكايا من سكنوا قصر الحلوف و اولاد دباب والحدادة وأولاد سلطان وربما قارنت بين سكنوا تلك الجمال ومن سكنوا دار حسين وتكون نهاية المقارنة بابتسامة طفيفة ترسمها على محياك لتعود الى سحر الموسيقى.

صوت الناي يلامس خلجات الروح، جمال صوت معتصم الامير وتماهيه مع كلمات الاغاني يمس نبض القلب و الفكر معا، لصوته حكايات طاوين اختزلها في اغاني تذكر بتلك الجهة، التراث عنده ليس مجرد فلكلور وانما بحث في معنى الكلمة والاغنية و في دار حسين يذكر جمهور العاصمة بملاحم خاضها ابناء تطاوين في حربهم ضد المستعمر الفرنسي في تونس و الاستعمار الايطالي لليبيا و يصف احدى المعارك ويقول « الاسلام فرقة والنصارى فرقة وقع بينهم ما عاد ينفع درقة» اي ان الحرب قد وقعت واعلن عنها و الاخفاء لم يعد ينفع الطرفين، ويواصل الحكاية «المرتين من وسط «الجعب» يتجاوب واحد رقد مضروب والاخر ضارب» بمعنى ان الرصاص ينطلق من داخل البارودة دون هوادة والبعض منتصر والطرف الآخر انهزم في الحرب وتتواصل الاغنية لتستحضر أسماء من ساهموا في نجاح تلك المعركة ويقول «كي سوق والفتحي علي هذيلة تعرضو لضلارب الثقيل وجله» ويضيف «مولاي نقضي الحاجة يجي النصر ويهب الفلك وبراجه، الشيخ سوف سيته فات غربي باجه من سوف للبلاد سرت و برقة» و الشيخ سوف هو محمد سوف ابن محمد

اللافي المرموري المحمودي شاعر وفارس من أشرس المقاومين ضد الاستعمار الايطالي في ليبيا وقيلت القصيدة انذاك للدلالة على الوحدة و «الفزعة» بين سكان تطاوين ليوم و سكان وادى سوف فالاغنية تقول انهم شعب واحد فقط فرقتهم الحدود الاستعمارية «يتكرموا تحلف جمال غزله يجوا أول عزمه نهار الملقى»..
فالاغنية التراثية ليست فلكلورا بل هي تذكير بالامجاد وهي كتابة أخرى للتاريخ المنسي بالموسيقى، في دار حسين غنى الامير «القلب يريد» ابكى لحضور بموال مؤثر كـ «ريت النجمة» رقصوا مع ايقاعات السطملبالي التطاويني استمتعوا باغان يسمعها الكثيرون للمرة الاولى، معتصم الامير اختار البحث في تراث أجداده وأمجادهم ليكتب بالموسيقى صفحات من تاريخ تطاوين فالموسيقى ذاكرة حية وللفنان حضور ركحي وصوت مميز فنان صاعد له كل مميزات النجاح.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115