في العرض الأول لفيلم «تي نورمال»: الاتجار بالبشر في تونس حقيقة رغم الإنكار

انطلاقا من الموت الجماعي لشباب ركب قوارب المجهول مرورا بتجارة بيع وشراء جسد النساء

وصولا إلى استغلال الأطفال للتسول في الشوارع، تتعدّد وجوه الاتجار بالبشر في تونس وتتنوّع أشكالها وتختلف أساليبها... لتتخذ ألف حيلة وقناع. ولكن بالرغم من انتشار هذه الظاهرة في بلادنا فإن التعامل معها لا يتجاوز حدود التسطيح والتقليل من خطورتها بالرغم من أن ضحاياها هم هنا بيننا وحولنا يذكروننا كل يوم بفظاعتها وجريمتها في حق إنسانية الإنسان...
فلماذا لا نجرؤ على التفكير بصوت عال في هذه التجارة غير المشروعة التي تأتي في مرتبة ثالثة عالميا بعد تجارتي المخدرات والسلاح؟ كيف يمكن أن نكسر هذه القيود من أجل الوقاية ومقاومة الاتجار بالبشر في تونس؟
كل هذه التساؤلات التي جاءت في شكل رجات ليستفيق المجتمع التونسي على حقيقة الاتجار بالبشر في بلادنا حاول فيلم «تي نورمال» الإجابة عنها في تتبع الأسباب والتحذير من النتائج... وقد احتضن فضاء الريو مساء الأربعاء 6 جوان 2018 العرض الأول لفيلم «تي نورمال» من إخراج سمية بن الشيخ وإيناس التليلي.

سمسرة بالطفولة والمرأة والإنسان
شخص ما، لا نعرف عنه شيئا، لا اسم ولا عنوان... سوى أنه رجل وذلك ما أوحت به الكاميرا وهي تتبع هذه الخطوات الرجالية في حلها وترحلها ليبوح بعدها صوت دون وجه بهوية شاب غادر مبنى عمارة غير معلومة ليهيم بنفسه في الشوارع بحثا عن شيء ما ... في هذه الرحلة التي كانت مطيتها القدمين وزادها إيقاع من الخطوات المسرعة أحيانا، المنهكة حينا آخر وهي تجوب الأحياء والأسواق الأسبوعية كانت هذه الشخصية الرئيسية التي لا نعرف عنها سوى الخطوة والصوت تحدث نفسها سرا وتحدثنا في العلن عن مواقفها وهواجسها وانطباعاتها عن مواقف وشخصيات تعترض طريقها... لتحرضنا على التفكير في وضعيتها ووضعيتهم.
ليس مشهد الفتاة الجامعية وهي تسعى إلى السفر إلى دبي من أجل حلم المال وأفق حياة أرحب ومشهد الأطفال في عمر الزهور وهم يتحولون إلى عمّال في السوق بسبب الفقر ومشهد الشاب الذي يستثمر في أمل العاطلين عن العمل... سوى نماذج من حالات جريمة الاتجار بالبشر التي قد يراها الكل في كل يوم ولكن لا أحد حاول أن يفهم لماذا وصلنا إلى هنا وصار الإنسان يباع ويشترى !؟

حكايات من الشارع التونسي
قد يتقاطع في فيلم «تي نورمال» الوثائقي بالروائي فيصعب تصنيفه في خانة معينة لأن الفيلم لم يكن فقط مجرد عرض لشهادات المختصين والباحثين لتفكيك أسباب ظاهرة الاتجار بالبشر وأشكالها وآثارها... بل انطلق روائيا من خلال شخصية الراوي البطل وتواصل فيه أسلوب الرواي في السرد المشوق وانتهى كذلك روائيا لتكشف الكاميرا في آخر مشهد من الفيلم ملامح من وجه هذه الشخصية التي لم نعرف عنها سوى خطواتها وصوتها...

وقد لعب هذا الدور حاتم التليلي محمودي فأتقن التعبير بلغة الكلام وإيقاع الخطوات دون الحاجة إلى تعابير الوجه عن وضعه وأوضاع أولئك الذين تجمعهم «هشاشة» الحاضر وضبابية المستقبل في محاولة تأمين حياة كريمة في زخم واقع تتقاذفه أمواج اليأس والإفلاس...
على امتداد حوالي ساعة من الزمن انتقل بنا فيلم» تي نورمال» من حالة اتجار بالبشر إلى أخرى عن طريق جملة من المشاهد ساهم في أدائها كل من سارة شامخ وفخري سلامي وإلياس عثماني ورضوان عويساوي وشلبية غربالي وعم عمر.

ضحايا ومجرمون... من المسؤول؟
في إطار مشروع «كسر القيود للوقاية ومقاومة الاتجار بالبشر في تونس» الممول من الاتحاد الأوروبي تم إنجاز فيلم «تي نورمال» ببادرة من منظمة محامون بلا حدود والمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والمعهد الدولي للعمل اللاعنفي»نوفاكت» وبالشراكة مع جمعية أمل للأم والطفل وجمعية تالة المتضامنة بالتعاون مع الهيئة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر.

وقد سعى فيلم «تي نورمال» إلى تصحيح المفاهيم حول ظاهرة الاتجار بالبشر وإبراز أسبابها والتحذير من خطورتها... وذلك من خلال منح الكلمة إلى عدد من المختصين والباحثين وهم : رئيسة الهيئة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر روضة العبيدي ورئيس جمعية أمل للأم والطفل مالك كفيف والمحامية والناشطة النسوية نجاة يعقوبي والخبير في التنمية الاجتماعية والاقتصادية حسين الرّحيلي والمختصة في العلوم السياسية مريم بن سلام والمهندس المعماري عدنان الغالي.

وإن «يعتبر ضحية اتجار بالبشر كل شخص وقع استقطابه أو نقله أو ترحيله أو استقباله أو إيواءه من قبل شخص آخر أو مجموعة بغاية استغلاله وتحصيل الربح المادي عن طريقه»، فإن فيلم «تي نورمال» أماط اللثام عن حقيقة وجود هذه الجريمة في تونس محملا الحكومة والمجتمع والأفراد مسؤولية المشاركة في هذه الجريمة صمتا وتخاذلا وتواطؤا...

وإن تصل عقوبة الاتجار بالبشر في القانون التونسي إلى 10 سنوات سجنا، فلا يزال سماسرة البشر وتجار الإنسان ينشطون عبر شبكات منظمة محليا ودوليا لتسجل الإحصائيات أكثر من 2.5 مليون شخص في العالم تمارس عليهم سنويا جريمة الاتجار بالبشر.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115