لا أرضَى وواحد من أمتي في النار

في تفسير التحرير والتنوير للعلامة ابن عاشور (ت 1393 هـ)

لقوله تعالى في سورة الضحى  وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى يذكر الوجه البلاغي قائلا هو كذلك عطف على جملة القسم كلها وحرف الاستقبال لإفادة أن هذا العطاء الموعود به مستمر لا ينقطع كما تقدم في قوله تعالى قال سوف أستغفر لكم ربي في سورة يوسف الآية 98 وفي سورة الليل الآية 21 ولسوف يرضى
وحذف المفعول الثاني لـ يعطيك ليعمّ كل ما يرجوه صلى الله عليه وسلم من خير لنفسه ولأمته فكان مفاد هذه الجملة تعميم العطاء كما أفادت الجملة قبلها تعميم الأزمنة.

وجيء بفاء التعقيب في فترضى لإفادة كون العطاءِ عاجلَ النفع بحيث يحصل به رضا المعطَي عند العطاء فَلا يترقب أن يحصل نفعه بعد تَربص.

وتعريف ربك بالإضافة دون اسم الله العَلَم لما يؤذن به لفظ رب من الرأفة واللطف، وللتوسل إلى إضافته إلى ضمير المخاطب لما في ذلك من الإِشعار بعنايته برسوله وتشريفه بإضافة رَب إلى ضميره.
وهو وعد واسع الشمول لما أعطاه للنبي صلى الله عليه وسلم من النصر والظَفر بأعدائه يوم بدر ويوم فتح مكة، ودخول الناس في الدين أفواجاً وما فُتح على الخلفاء الراشدين ومَن بعدهم من أقطار الأرض شرقاً وغرباً.
أما في تفسير الجامع لأحكام القرآن للأمام القرطبي (ت 671 هـ) فقد ورد في معاني هذه الآية.

عن علي بن عبد الله بن عباس، عن أبيه قال: أرِي النبي صلى الله عليه وسلم ما هو مفتوح على أمّته، فسر بذلك؛ فأنزل الله عز وجل وَالضُّحَى  إلى قوله تعالى وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى ، فأعطاه الله جل ثناؤه ألف قصر في الجنة، ترابها المسك؛ في كل قصر ما ينبغي له من الأزواج والخدم. وعنه قال: رضِي محمد ألا يدخل أحد من أهل بيته النار. وقال السدي. وقيل: هي الشفاعة في جميع المؤمنين. وعن عليّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يشفعنِي الله في أُمّتي حتى يقول الله سبحانه لي: رضيت يا محمد؟ فأقول يا رب رضِيت» وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص: «أن النبيّ صلى الله عليه وسلم تلا قول الله تعالى في إبراهيم  فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ

إبراهيم: 36 وقول عيسى  إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُك المائدة: 118، فرفع يديه وقال: «اللهم أمتي أمتي» وبكى. فقال الله تعالى لجبريل: «اذهب إلى محمد، وربك أعلم، فسله ما يبكيك» فأتى جبريل النبيّ صلى الله عليه وسلم، فسأله فأخبره. فقال الله تعالى لجبريل: «اذهب إلى محمد، فقل له: إن الله يقول لك: إنا سنرضيك في أمتك ولا نَسوءك» وقال عليّ رضي الله عنه لأهل العراق: إنكم تقولون إن أرجى آية في كتاب الله تعالى  قُلْ ياعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ الزمر: 53 قالوا إنا نقول ذلك. قال ولكنا أهل البيت نقول إن أرجى آية في كتاب الله قوله تعالى: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى . وفي الحديث: لما نزلت هذه الآية قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «إذاً واللَّهِ لا أرضَى وواحد من أمتي في النار».

 

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115