قبلي في مدينة الثقافة: افتح أبواب الفن واكتشف خبايا الصحراء

اضيئت اضواء المدينة بشموع الامل، رحلة الى الهناك، الى قبلي رحلة

قوامها الثقافة بكل تفصيلاتها رحلة زمانية ومكانية كانت الموسيقى مطيتها والتراث واللامادي وسيلة لمعرفة تاريخ الولاية وحكاياها، الى قبلي تحملنا «صابرة» لنصطبر ويكتشف جمهور العاصمة اجزاء من اسرار ولاية قبلي بكل معتمدياتها في سهرة ليالي الجهات.
من ساحة محمد الخامس الى بهو المدينة و اروقتها الى بطحاء المسارح فمسرحي الجهات والشباب توزعت كل تعاليم الجمال كتبت قبلي ليلتها كابهى ما يكون اشعلت قناديل الجمال ودعت الجمهور ليعشق الصحراء ويحب تفاصيل الحلم فيها.

مهرجان دوز هوية المكان
صوت صهيل الخيل يرحب بضيوف مدينة الثقافة وكل المارة من شارع محمد الخامس، شاشة عملاقة تبث مقاتطع من مهرجان دوز الدولي، خيمة أمام المدينة نصبت للتعريف بالحياة البدوية خيمة تفوح منها رائحة الصحراء تعبق بعطر «الشيح» و «الرتم» و «ست مريم» وكل الخشائش البرية، «دريز الخيل» كان فرصة لجلب انتباه المارة / «الطلايع» كانوا على ظهور المهاري ليقدموا عروضا استعراضية هي جزء مصغر من مهرجان دوز الدولي.

وهو جزء وانموذج من التراث اللامادي هو الذي بنى مدينة دوز ففي الوقت الذي تؤسس فيه المدن مهرجاناتها كان مهرجان الصحراء الدولي هو الذي بنى مدينة دوز فهو البطاقة البريدية الأشهر لمدينة تفتح ذراعيها للصحراء الكبرى . عروض للفرسان والمهاري وخيمة بدوية وكلاب صيد السلوقي وفرقتي الفنون الشعبية أمحمد بالبشير والهادي عبدالظاهر هي بعض من ملامح مهرجان الصحراء الدولي الذي تأسس في سنة 1910 وكان يعرف بعيد الجمل قبل أن يصبح في صيغته الحالية بداية من نوفمبر 1967 عندما أعطى له أشارة الأنطلاق الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة في دورته الرسمية الأولى..
امام الباب الرئيسي لمدينة الثقافة حضرت كل تعاليم الفرجة تماهت حد الوحدة لتقديم عينة من الفرح عينة من تشبث سكان قبلي بصحرائهم، تمسكهم بارض قاسية ولكنها الموطن والمنشأ وعلى تلك الارض كل الحياة من نخيلها يولد حلم متجدد واهلها شامخون دوما كما النخيل.

قبلي حكاية...في المدينة تعرف اسرارها
دع الفرسان يكملون جولتهم، الى يسارك فرقة للموسيقى الصوفية يلبسون الابيض ويلتحفون بعمامات زرقاء اصوات البندير ترحب بمن سيدخلون بهو المدينة، كامل المدرج هناك نسوة باللباس التقليدي لجهة قبلي، الوان مختلفة وطريقة لباس متنوعة مع حلي يتباين حسب القرية أو المعتمدية، اختلاف صنع جمال الصحراء الذي تزينت به المرأة القبلاوية.
بهو المدينة اصبح فضاء للعروض اينما وليت وجهك اعترضك جزء من تاريخ تلك البلاد، إلى يمينك امرأة افترشت «جلد الماعز» وانهمكت تحول سعف النخيل الى تحفة فنية، إلى جانبها إمرأة أخرى تصنع الخيوط وتعدها للنسيج، جزء من الهوية الجماعية لقبلي مثلته النسوة من خلال اللباس والحرفة اليدوية.

تجول في البهو ستجدك تسأل عن اصل تلك الزينة ومكان حياكتها والى اي قرية تعود، ستسمع الاهازيج البدوية ترتفع لتحيي زوار المكان ستغمض عينيك لتحملك روحك الى قبلي القديمة وكل قراها ستتجول في استفطيمي وأم الفرث وأم الصمعة و بازمة وبشري وبشلي و بشني والبرغوثية والبليدات وبني محمد و بوعبد الله وتلمين وتنبيب والجديدة والجرسين وجزيرة الوحيشي وجمنة و الرابطة و رجيم معتوق وزاوية الحرث والزوية وسعيدان والصابرية وطنبار وفطناسة والفوار والقطعاية و القلعة و القليعة ومزرع ناجي والمنصورة و المنشية ونقة و نويل وسوق الاحد والفوار حد الوصول الى نفزاوة «وهي على نهر كثيرة النخل والثمار وحولها عيون كثيرة» وستحاول التعرف على خصوصيات كل قرية من لباسها وتراثها المادي واللّامادي.

قبلي...تراث غني ينتظر الاكتشاف
لوحات للفنون التشكيلية، صور فوتوغرافية هي بطاقة تعريف لولاية قبلي، معارض لاعلام الولاية.. وهو مشروع يتجسد في جمع المعلومات وتوثيقها حول أعلام ولاية قبلي مثل الكاتب الروائي ابراهيم بن عمر، الخطاط عمر الجمني والشاعر عمر بن نصر بن ابراهيم العويني والشاعر علي لسود المرزوقي ومحمد بن مصطفى ين علي المرزوقي ووالقايد نصر بن سعيد والحبيب عبد اللطيف وبلقاسم اليعقوبي والشاعر ادم فتحي وعلي عارف والهاشمي بن سوف وصالح الصويعي الذي تولى تصميم العروض بساحة حنيش في دورات عديدة لمهرجان الصحراء بدوز، كما كان للعنصر النسائي أيضا حضور لافت مع أول مديرة مدرسة وأول مساعدة بيداغوجية بالجهة «شريفة زريبة».

واصل الجولة فلازال الكثير لتكتشفه، هناك أسرار أخرى تخبئها قبلي وحكايا لم تعرف كنهها بعد، مع معرض الاعلام و رموز النور والمعرفة في قبلي يكون للنخل حضوره كيف لا وهي سيدة المكان والزّمان، النخيل الشامخ ومن ثمة التمر و«اللاقمي» و العرجون وكل جزئيات النخلة تستغل هناك ومن بين المعارض التي تميزت بها ليلة قبلي في مدينة الثقافة معرض التراث وطرق خزن التمور التي تعرف بها مناطق الجنوب عموما، بالإضافة الى بعض الجزئيات في تراث مدينة قبلي وهي الألعاب الشعبية التي تمتد على واحات النخيل، ومنها على سبيل الذكر لعبة الخربقة: وتقوم هذه اللعبة على توفير «البو» لكل لاعب وتتمثل اهميتها في قدرة هذا اللاعب على تكرار جملة من الحركات وعادة ما يتقنها أولاد قبلي الذين جسدوا هذه اللعبة في بهو مدينة الثقافة أمام دهشة الحاضرين وإعجابهم.

كما سلطت «قبلي» الضوء على التراث الحرفي المحلي مثل صناعة السعف التي تكتسب أهمية كبيرة في التراث اللامادي للجهة أثناء تجوالك ستجدك تسمع اهازيج الحياة وصلاتهم لطلب الماء والمطر ستسمع العجائز يرددن:
«جت قطاير من كل سرير
وردت للبير تلقاه البير
فوقه عنتير فوقه صنديد
عم الدلو يزيد موش عويديد
يجبد ويميد»

معرض للأعلام هنا، معرض للفنون التشكيلية في الباب الاخر قبالتك معرض للحشائش الطبية الصحراوية، فاخر يرقص على ايقاعات تقليدية وثالث بلباس الفلاحة يعرف الزوار بالنخل وفوائده، ابواب كثيرة حتما كتلك الموجودة في قبلي وستجدك تبحث عن هذه الابواب لتعرف ما خلفها اذ كان للمدينة سور يحتوي على خمسة أبواب أهمها باب البودي نسبة لأحد حراسه وهو يفتح في اتجاه الشرق وباب الزاوية ويفتح على الجهة الشمالية، حيث توجد بلاد الجريد ومن أهم مدنها توزر وباب الشباك الذي يسهل على الفلاحين الذهاب إلى بساتينهم بما أنه يفتح على الشق الأكبر من الواحة إضافة لباب السوق الذي يطل مباشرة على الرحبة وباب أرتينه من الناحية الغربية وبين الخيال والموجود تتحقق متعة اكتشاف اسرار قبلي.

الموسيقى والمسرح ولادة متجددة
الفن حياة والموسيقى هوية والشعر الشعبي عنوان لقبلي في بطحاء المسارح نصبت الخيام بكل الوانها الرمادي والاحمر القاني والاسود تعرف الزوار بتراث الجهة، معارض للأكلات التقليدية بقبلي ومربع من القماش المصنوع من وبر الابل وضع ليكون ساحة للعروض، عروض من الموسيقى الشعبية والاغاني التقليدية دون نسيان رقصة الزقايري وهي رقصة تقليدية يقدمونها في كل الحفلات والأمسيات رقصة للفرح والحياة.

في البطحاء اغلبهم يلبس الزي التقليدي، لباس الصحراء بلونه الاصفر واللحفة الصحراوية ، من البطحاء الى مسرح الجهات واللقاء مع عرض فلكلوري يقدم التراث الموسيقي الصوفي والبدوي لجهة قبلي، عرض متكامل حضر فيه المسرح والرقص وكل تقنيات الفرجة.
من مسرح الجهات مرورا بالشعراء الشعبيين الذين تباروا ليقولو اجود الكلمات، دعهم يتغنوا بالوطن والمرأة فهناك الكثير من الفرجة في مسرح الشباب موعد اول مع الشباب من مغني الراب بقبلي ثم اللقاء مع العرض الممتع «صابرة» لمكرم السنهوري.

و الى العام 1881 تعود الحكاية، تحملنا الذاكرة الى السنوات الأولى لدخول المستعمر الفرنسي الى الأراضي التونسية، قد يساوم الباي وقد يستجيب لطلب السلطة الفرنسية ولكن هناك في الأعماق بعيدا جدا عن الحاضرة في «نجع» رضع ابناؤه العزة والشموخ لا يعرفون معنى المساومة ولا الاستسلام، هناك في «النجع» تكون الحياة طبيعية حد مجيء «نذير شؤم» من الباي يخبرهم بوصول المحلة وعليهم دفع الجزية، جزية ماذا؟ عن حياتهم في البراري؟، ام جزية عن عطش الصحراء وقساوتها؟ ام جزية عن حياة هادئة بعيدا عن صخب الحاضرة وضوضائها؟

لساعة يكون اللقاء مع الفرجة والمسرح فصابرة هي الصحراء، صابرة الوطن، صابرة الام والحبيبة، صابرة هي التونسية التي تدفع مشاعرها الصادقة ثمنا ليستطيع حبيبها فداء الوطن بدمائه، عن صابرة التي ضحت بالسعادة لأجل الوطن يتحدث العمل المسرحي عن قوة المرأة التي عاشت فقط ليلة «العمر» الوحيدة مع حبيبها كتب الناصر بنعون أجمل الاشعار، صابرة ذاكرة، صابرة شعلة حب لا تنطفئ فـ «الحب صغير يصمد امام نداء الوطن والذود عن سيادته، غير ان حب الوطن والعشق أقوى من سياط الجلادين، فينتصر الحب على الكراهية، وينتصر النور على الظلمة، فيولد كل يوم وطني جديد، أسميناه في مسرحيتنا فجر الوليد المحرر المريد و حامل راية الاستقلال التي نريد»، على حد تعبير مخرج العمل وفي مسرح الشباب كانت المتعة مع أجود الشعر وأصدق الكلامات.
من الافطار الى السحور كانت قبلي حاضرة بكل عاداتها وتقاليدها بزينتها واهازيجها في الليلة الثانية للجهات، ليلة للفن و لاكتشاف خبايا الحياة الصحراوية واسرارها...

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115