لأول مرة في سجن ابن منظور بقفصة معرض «الحبس كذاب» لمساجين سجن قفصة إشراف أيمن الزوالي: «وحدها الرّوح لا تسجن»

الحرية لا تسجن، حرية الفكرة تعجز أقسى الجدران عن حبسها او تقييدها،

الأحلام لا تجهض ولا تخنق وان ظلت لسنوات بين القضبان او في «السيلون» ، الامل تعجز اصلب الحجارة عن تفتيته فـ«الحبس كذاب»، كما يقول المثل الشعبي و الحبس كذاب واستطاع أيمن الزوالي عاشق الكاميرا ان يثبت ان خلف القضبان الكثير من المبدعين وفي تجربة اولى في السجون التونسية بات للسجناء ناد للصورة بعد شهرين فقط من الدراسة تمكنوا من كتابة فكرة الامل والسجن بالكاميرا ونقلها الى الجمهور داخل السجن وخارجه.

تجربة السجن المريرة جسدوها بالكاميرا، لكلّ حكاية ولكل قصته الخاصة جميعهم جمعهم السجن وخلف قضبانه الحديدية السميكة وجدرانه الصمّاء تسكن احلام ورؤى، هم المساجين لهم رؤية خاصة للحرية، هم من تركوا الحرية في الخارج ووجدوا في السجن ليس مهما التهمة بقدر المعاناة المشتركة التي استطاع ان يخرج من جوفها ايمن الزوالي ابدع الصور واكثرها انسانية في معرض في سجن ابن منظور وسيكون منذ الغد في ملتقى الادباء الشبان قبل ان يشد الرحال الى مدينة الثقافة.

حين تلخص الصورة الانسانية
«سيبني».. اخطأت وها أنني ادفع ثمن الغلطة مضاعفا فقدان للحرية ووجيعة الجدران المظلمة فمهما لانت القضبان لن تكفي للخروج، اتسمع، صوتا ينادي بل هو «وهم» يسكنني منذ دخول السجن او «ربما جميعنا سجناء ذاك الصندوق»، او «صرخة» ظلم لسجين «يرحي دخلاني» وربما «كابوس» شاب أضنته القيود، هكذا اختار ان يعنون المساجين صورهم الفوتوغرافية التي اختاروا مواضيعها وصوروها بانفسهم.

اربع وعشرون لوحة، اربع وعشرون وجيعة، اربع وعشرون أملا يومض ويخفت، اربع وعشرون حكاية خلف القضبان تأملها الزوار في معرض «الحبس كذاب»، لكل لوحة حكاية تماما كالسجناء فلكل منهم قصة وحكاية ولكلّ علاقة مختلفة مع الحيطان جميعهم بشر ولكل طريقته الخاصة في التعبير عن هواجسه التي يعيشها داخل السجن وخارجه.
«الحبس كذاب والحي يروح» هكذا يقول المثل الشعبي ولكن هل «يروّح الحي» كما دخل السجن، اكيد «لا» كما تقول احدى الصور فالسجين يدخل السجن محملا باثقال العائلة والمجتمع صورة عنوانها «دخول» لسجين مقوس الظهر يحمل على حبل لباس للام والام ولزوجته وابنه وكلما تقدم الحبل زاد انحناء ظهره في دلالة الى ثقل الحمل ووهن الذات امامه، ويخرج من السجن محملا بألم فقدان الحرية ونظرة المجتمع «خروج» هو اسم الصورة وكتب تحتها «لا احد ينسى انك كنت هناك» وبين الدخول الى السجن والخروج منه تنكسر الروح و يسكنهم «كابوس» لا يمحى.

الكثير من الوجيعة وألم يعتصر الروح لما تشاهد الصور، جميعها اشتركت في اللون الأصفر لون العدم و المرارة والضياع وبعض من البني لون الطبيعة ولون الهدوء مع الاخضر وسط كومة الاصفرار في اشارة الى انحصار الامل ووجوده وسط كومة الوجيعة هكذا تحدثنا صورة «renaissance»:.

واصل الجولة فلازال الكثير من الصور، مهلك Bيها الزائر لا تزفر كثيرا فلللألم مسيرة مازالت طويلة ومازالت الصور ستوهن نفسك وقلبك معا فاصبر قليلا، هنا في سجن ابن منظور بين الجدران الكثير من الاسرار والحكايا ، يتشاركونها ليتعايشوا مع السجن وصمته الرهيب، بالصورة يفندون قولة «السجن وجد للاصلاح» فالسجن يدخله الشاب زهرة متفتحة ليخرج صلدا يعرف جميع الجرائم والهفوات هكذا تقول صورة «صراع» التي تجسد يدا ناعمة تمسك بها يد أخرى من داخل القضبان أكثر خشونة وأقصى الصورة لرجل يظهر وشمه فقط وتلك هي المراحل التي يمر بها من يدخل السجن..

هل للزمن القدرة على مسرح الجراح، ام هي مثل الوشم على اليد يظل ظاهرا للعيان وان تغيرت السنون الاجابة تكون في لوحة balofre»، في الداخل الكثير من المعاناة النفسية اما الخارج فعنوان للحرية وذاك ماتجسده صورة «troc « مقايضة بين الداخل والخارج صورة لشاب خلف القضبان بيمناه يحمل باقة ورود هي هدية من العائلة والعالم الخارجي اما يسراه خارج الحديد فبها سيجارة تحترق وذاك ما يستطيع تقديمه فقط احتراق نفسي كما السيجارة.

هل تسجن الروح؟
ايمن الزوالي ابن قفصة، فوتوغراف مميز عشق الكاميرا وكانت رفيقته دائما بعد معرضه الأول يقدم على تجربة ثانية فريدة ومميزة هذه المرة فضاء التصوير هو السجن والمساجين هم من مارس هذه الهواية، بعد شهرين من الدروس النظرية كان لقاء المساجين الاول مع الكاميرا وفي «السجن» عبروا واختاروا مواضيعهم وحاولوا ان يقدموا بأعينهم تجربة السجن فـ»الرؤية لا تكفي ، عليك ان تشعرنا ما يمكنك التقاطه بالكاميرا» كما يقول انريه كريتزس.
يقول احد السجناء في صورة «السيلون»ربما ترونا الأمل القادم في شكل نور من ذاك الشباك ..الظلام داخل الجدران موجع تماما كما تشعر وأنت تشاهد الصورة، قليل من الضوء ربما ينعش الروح؟ ما شعور من يعاقب ويرمى في «السيلون» كيف تصبح تلك الحمامة التي ناجاها ابو فراس الحمداني وقال فيها:

أقول وقد ناحت بقربي حمامة
ايا جارتا هل تشعرين بحالي
أيا جارتا ما أنصف الدهر بيننا. تعالي أقاسمك الهموم، تعالي.
تعالي تري روحا لدي ضعيفة. تردد في جسم يعذب بالي

في السجن يختلف الوضع وفي «السيلون» تحديدا تصبح تلك الحمامة مصدر إزعاج لأنها اخفت القليل من بريق الضوء وامل يحاول التسلل إلى الداخل لتجدك أمام لوحة معتمة مثل الليلة الظلماء فقط شعاع نور بسيط يزينها، ظلمة وكانها تجسيد لقسوة «الكبران» ذاك السجين بوجوه متعددة هو في الوقت ذاته سجين ومسؤول عن المجموعة ايضا لا هو برتبة السجان ولا السجين، في منزلة بين المنزلتين يره اترابه بالوان ووجوه مختلفة بعضها مضحك وبعضها مقلق كما تقول صورة «الكبران».

أسرار هنا وحكايات هناك، للصرخة داخل السجن مفهوم اخر غير الخارج، للوهم تلويناته، للصراع اليومي ابجدياته، و للمكان سحره وان قسى، الكوابيس ترافق البعض احيانا وفي «السيلون» انفراد مع الذات و «قطاف» للفكرة والحلم ربما، قد تزهر الحدائق فنوار الحبس لمرابيطه» قد ينبت الامل رغم «الاقامة الجبرية» و«داخل» و«خارج» تجارب تولد وتكتب و ان سجن الجسد تبقى الروح حرة في انتظار «عفو» و«الحي يروّح».

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115