في ندوة وطنية ببيت الحكمة: «المفهوم والمصطلح في الفنون بتونس»

كيف يمثّل المصطلح خيانة للمفهوم؟ ما هي أبرز أسباب هشاشة الجهاز المصطلحي العربي؟ كيف تقود الترجمة إلى غربة المبدع؟

ما هي أبرز التحديات القانونيّة المطروحة على المهتمين بالمفهمة وإنتاج المصطلحات؟ لماذا تكتفي مجمعاتنا العربيّة باستهلاك المفاهيم والمصطلحات الوافدة؟

طرحت كفاءات أكاديميّة وإبداعيّة هذه الإشكالات في ندوة وطنيّة، نظّمها مؤخّرا قسم الفنون بالمجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون «بيت الحكمة»، حيث امتدّت فعالياتها على امتداد يومين بمشاركة أكاديميين ونقّاد ومبدعين منحدرين من أجناس فنيّة متنوّعة.

يتنزّل انعقاد الندوة في إطار معرفي جوهري لأنّ مجتمعاتنا العربيّة غير منتجة للمفهوم، وغالبا ما تستهلك المصطلحات والمفاهيم الوافدة حسب افتتاحيّة الدكتور عبد المجيد الشرفي رئيس المجمع، داعيا في كلمته إلى حتميّة الانتقال من طور الاستهلاك إلى موقع الإنتاج، وهذا ما أجمعت حوله جل المداخلات، خاصّة تلك التي تناولت مسألة الترجمة على غرار مداخلات الأساتذة خليل قويعة وفاتح بن عامر ومحمّد الهادي دحمان، فالتعريب برأيهم يفضي إلى إسقاطات، في حين أنّ المقاربات العلميّة تشدّد على الارتباط العضوي بين كل نص وسياقاته، على خلاف بعض الأطروحات المتهافتة التي يؤمن أصحابها بإمكانيّة اجتثاث النصوص من أطرها . لقد ركّز الأستاذ خليل قويعة على مسألة «الأفاهيم» أي جهد أنا أفهم، منطلقا من مفهوم القصديّة لدى الفينومينولوجيين، إذ بيّن ضرورة تجربة الأنا القاصدة في مسيرة المفهمة،لأنّ «اللغة وطن الكينونة» كما يقول الفيلسوف الألماني هيدجر، وربّما هذا ما يبرّر عدم تجانس كيانات متباعدة في نظمها القصديّة، وكم هي عديدة الذوات التي تلجأ إلى الإقامة في مفاهيم مغايرة لمفاهيم محيطها؟ وفي هذا السياق تطرّقت بعض المداخلات إلى هجرة المبدعين إلى عوالم اصطلاحيّة ومفاهيميّة للتعبير عمّا يعتمل في الأغوار الدفينة .

ولئن ركّزت الأستاذة لمياء بوحديبة على التحديات القانونيّة في مجال المفهمة والاصطلاح استنادا إلى ضرورة حماية حقوق الـتأليف والخلق الفني والإبداعات فإنّ بعض الأطروحات داحضة لتقنين الخلق الفني، حيث يستشهد الأستاذ قويعة بالفنان التشكيلي والفيلسوف بول كلي القائل «الفن فوق القانون»، فقد شكّلت هذه القضيّة مادّة حواريّة قوامها الطرح والطرح المضاد بين الحاضرين من روّاد ومحاضرين .

على الرّغم من أهميّة الترجمة كآليّة معرفيّة وحواريّة بين الحضارات والثقافات إلاّ أنّ بعض المداخلات قد ناقشت معضلات الترجمات الحرفيّة، فاللّغة حمّالة لخلفيات إيديولوجيّة وقيمية ونفسيّة الخ . . لقد شدّدت في هذا المجال الأستاذة زينات بوحاجب على أنّنا «نستورد المفاهيم ونمارس حراستها»، منسجمة في ذلك مع مداخلة سلوى العايدي حول الفوارق بين مشروعنا الثقافي العربي والثقافة الغربيّة التي تتغيّر فيها المصطلحات بنسق برقي .

عموما لا يمكن اختزال الفوارق في البعد البرقي لتغيّر وتجدّد المفاهيم والاصطلاحات فحسب إذ تتجلى كذلك في بنية ايبستيميّة تمارس دربة الإنتاج والخلق خارج دائرة التقليد والوصاية، ولكل معيش تفاصيل لصياغة خطابه، ولكل حقبة ديناميكيتها، وبالتالي تكون ضروب الإبداع والخلق والتفكير مرتهنة بالمفهمة المتجدّدة وإنتاج المصطلحات الملائمة للصيرورة.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115