المسرحي توفيق الجبالي يوجه رسالة مفتوحة إلى وزير الشؤون الثقافية: « مسيو» وزير الثقافة

وجه الفنان المسرحي الكبير توفيق الجبالي رسالة مفتوحة إلى وزير الشؤون الثقافية محمد زين العابدين

حول أمهات القضايا المتعلقة بالحياة المسرحية وتنظيمها ننشرها كاملة مع مقترحات كان قد تقدم بها توفيق الجبالي لتنظيم العمل المسرحي ومسألة بطاقة الاحتراف التي أثارت جدلا كبيرا.
« مسيو» وزير الثقافة
بما انني لم أكن من المحظوظين للتعرف على وجهة نظري بخصوص تداولكم للمسألة المسرحية المزمنة تنظيما و مسارا و رؤية مسقبلية .. و حيث انكم بادرتم في وسائل الاعلام بذكر تجربة التياترو بشكل استنقاصي وغير لبق .. رايت لزاما و على مضض موافاتكم بوجهة نظري رغم ان المسالة لا تستحق كل هذا العناء لتكرارها الممل منذ عقود ..
و منها :

(1)
ان ما صرحتم به»ان الفضاءات الخاصة و منها التياترو لولا منحة الوزارة لتجمدت و تعطلت ..»  ليس بالجديد فأسلافكم من الوزراء كلما ضاقت بهم سبل الاصلاح يعايروننا بتلك الصدقات التي يغدقوها علينا .. و لكن باقل أدب منكم بقولهم : « ياكلو في الغلة و يسبوا في الملة» الأمر الذي يعكس بصدق تمادي اعتبار الوزارة ان المنحة هي صدقة و ليست حقا و قانونا ومنظومة كاملة ..
غير اننا نطمئنكم بأن منحة التسيير التي تقررها لنا الوزارة اعتباطا .ليست هي التي تؤمن لنا التواصل خلافا لتنبؤاتكم ..فهي بالكاد تؤمن بعض الاشهر لجزء من مرتبات العاملين فيه بكل استحقاقاتهم الاجتماعية والادبية كما ان حرماننا منها ( ان غضب علينا السلطان) ..لن توقفنا عن التواصل و الاجتهاد … بمجهودنا الذاتي كما اعتدنا منذ عقود لدرء قصر نظر المؤسسات العمومية و سد فراغ التهاون و البيروقراطية و الارتجال و الجمال المغيب بتعلة نصوص بالية و لجان معتمة وبنى تحتية متهالكة.. نغامر و نستمتع و نكسب اصدقاء ( عد الى تقاريرنا السنوية التي نرسلها لكم ).
- ثم كيف يجوز لوزير ( فنان ) متخلق مثلكم ان ينعت السجال حول دعم الفضاءات الخاصة و الرغبة في تقنينها و ضبط سبل الحصول عليها بدل الغموض و المحسوبية و التسيب و تنعتهم بالشوشرة ..اليست الشوشرة في محتواها اللغوي هي أحداث الجلبة والضوضاء و التلوث السمعي و الاسفاف! ّ؟؟؟
«مسيو» الوزير

(2)
هل اثرنا ضجة للتنديد بحصول التياترو على منحة تصرف سنوية بالتساوي مع عديد من الفضاءات الاخرى رغم تفاوت مردوديتها و ندرة نشاطها (أليس هذا شكلا من اشكال سوء التصرف ؟؟؟)
ثم نسال..الم تثمر الفضاءات الخاصة و رائدها التياترو مقابل بعض الملاليم في حمل اعباء العمل الفني الحي والانتاج في غياب سياسة ثقافية نافعة؟ ثم اليست المجموعات الخاصة هي التي تنتج و تغامر بابخس الاثمان ..؟؟؟
«موسيو» وزير الثقافة ..

(3)
نأتي الآن لموضوع الاحتراف وعقدة البطاقة .
لقد كان أولى بمصالح الوزارة ان ترتقي بالحوار الى مستواه الفكري والفلسفي والتشريعي لا ان تتبع اهواء مجموعات قصيرة النظر وفئوية المنحى..
لماذا تخفون ان اتفاقياتكم الدولية تجبركم على عدم اعتماد هذه البطاقة لحدها من حرية تعاطي الفنون وتناقضها حتى مع الدستور ؟؟؟
لماذا تخفون ان خبراء الاتحاد الاوروبي في التقرير الذي كلف مئات الملايين اول طلب فيه هو ايقاف العمل ببطاقةالاحتراف باعتبار ان الانتماء للمهنة حر واختياري ولا يرضخ لهيئة او امتحان بل تنظمه وتحميه قوانين العمل الصارمة و المضبوطة ..

(4)
ثم اليست بطاقة الاحتراف موضوع الخلاف هي سارية المفعول منذ عشرات السنين فهل حمت الاحتراف و هل عشوائيتها حمت المهنيين و ضمنت لهم حياة حرة كريمة؟؟؟
هل ان المسرحيين حاملي البطاقة متفرغون لمهنتهم بالكامل و لا يتعاطون انشطة ثانية ؟؟؟و هل هم يعيشون من فنهم مباشرة ..
حماية الاحتراف لا يحسم بسن بطاقة بل بتامين ظروف العمل و تكثيفها و إرساء خطة في الترويج في الداخل و في الخارج، و قبل ذلك بإعادة التساؤل عن دور وزارة الثقافة في رسم وعي جمعي بدور الفن والفنان و رهانات الفن الحارقة و مشاريعه و أدواته..حماية الاحتراف تبدأ من هنا و ليس بالتضييق لمن يرغب في الانتماء لهذا الفن ..و لا ببناء الجدران و المتاريس والأسلاك الشائكة الحائلة دون ولوج الكافة للفن و ثقافة ممارسة و استهلاكا ..

(5)
جاء في مجال حديثكم تلميحا لموقفنا من هذه البطاقة بالقول : «ثمة ناس تدافع على قانون الهواة ..يقلك لا خليه هكاكة على خاطر نخدّمو فيهم و ثمة des écoles de formation d’amateurs etc..تصور ومصالح كذلك قراءة للواقع الثقافي».
«موسيو» وزير الثقافة ..
غريب هذا الجزم !!!! متى دافعنا على قانون الهواة و من يعبث بمصالح المحترفين ؟؟؟. علما أن للهواة أيضا حق عليكم و واجب في الاحاطة و السند ..
اليس الامر المقضي( المادي )في غياب تمويلات خاصة و عامة .. هو الذي حتم علينا ايجاد الحلول الملائمة لكي لا يكون الاحتراف باحترام قواعده والاستجابة لمطالبه حائلا دون الممارسة المتواصلة والثابتة و ليست موسمية او عرضية رهينة اجراءات لجان الدعم و التوزيع ..

(6)

و ما معنى مدارس لتكوين الهواة ؟؟؟ هل التكوين ومدارسه المتعددة حكر على مؤسسة واحدة بعينها .أو على فئة دون أخرى ؟؟؟ . ما هذه النظرة الشمولية ومن اين اكتسبتم هذا الوثوق..اليس التكوين الفني اصبح في العالم اقرب للتكوين المشخص منه الى التكوين الاكاديمي البحت ؟؟؟؟
«موسيو» وزير الثقافة ..
نتشرف باننا بخبرتنا منذ اقتحمنا مجال التكوين على امتداد 14 سنة اثرينا المشهد الفني بالعشرات من المحترفين و المحترفات الذين اختاروا هذا المنحى وتميزوا بحرفيتهم فنا و خلقا و اخلاقا .. فهل سبب هذا عطبا في مسيرة غيرهم من المحترفين و هل ممارسة الفن شأن نقابي ام موهبة و عرض و طلب...؟؟؟
بررتم حرماننا من دعم مشاريعنا بدعوى اننا نتعامل مع الهواة ضد الاحتراف .. اليس في هذا اختصار غير جدي لتجربتنا ( الرائدة ) و تقزيم لجهدنا في عدم الاستسلام للاحباط و الاعتباط في غياب سياسة ثقافية شاملة و عادلة لا تؤسس علاقاتها مع الفنانين فقط على اعتبارات بيروقراطية سخيفة بل على برنامج عمل و خطة مدروسة..
- هل يمكن للوزارة او اية جهة مالية كانت تمويل عمل حرفي يشارك فيه 130 ممثلا ( افتتاح مهرجان الحمامات .صيف 2017. تكلف انتاجه 30 الف دينار)
.أبهذه المبالغ اليتيمة يمكن ان نؤسس علاقة حرفية مطلقة و بهذا نضمن حق المحترف و احترامه...
اليس اللجوء الى احلال مبدا التطوعية( نصف هواية أو نصف احتراف ..) في الفعل المسرحي وضمان استمراريتها نتيجة غياب التمويلات الخاصة و العامة في تغطية اعمال طموحة نوعيا و عدديا اذا تجاوزت قيمة التمويل ما هو مرصود في ميزانية الوزارة .
على الدولة أن تضع هياكل حوكمة الشأن الثقافي ( و من ضمنها المركز الوطني للمسرح ) وتتركها تفعل ما يجب أن تفعل لإنقاذ هذا الشعب من التدهور و هذه الدولة من الانحلال …و ان تعمل على تشجيع الابداع الفني الحي و تيسير الولوج إليه.. ان تترك الفن للجميع.. ان تخلصه من كهوف وزارة الثقافة…
تحية «موسيو» وزير الثقافة…

• مقترحات توفيق الجبالي
ـ تعتبر تونس من بين البلدان النادرة في العالم التي تعمل بقانون بطاقة احتراف للممثلين كوسيلة للانتداب و قد جاء نظام بطاقة الاحتراف منذ الثمانينات اجراء غير طبيعي لان من طبيعة الفن المسرحي أنه فن مفتوح على الجميع و ان الامتياز فيه لذوي المواهب سواء كانوا حاملين للشهادات او بدونها و ان الاحتراف هو في التفرغ و ليس بقرار من هيئة ادارية ما ،و ان حماية المحترفين تمر عبر المؤسسات الحرفية التي تدافع عن مصالحهم وحقوقهم شانها شان اي مهنة اخرى ...أضف الى أن تاريخ المسرح التونسي مرتبط منذ نشاته بالمراوحة بين الهواية و الاحتراف ابتداء من «علي بن عياد» مرورا « بالمسرح الجديد» و وصولا الى اليوم ، 
وهذا عائد الى عدة خصوصيات من اهمها:
 - ان الوضع الاقتصادي و التمويلات التي تحظى بها جل الفرق و المجموعات الحرفية و هو ما تحصل عليه بالاساس من منح الانتاج الضئيلة التي تقدمها وزارة الثقافة لا تكفي لتغطية مصاريف عادية للقيام بتنفيذ اي انتاج مسرحي اذا ما طبق نظام التعامل مع المحترفين و هذا ما يحتم تشريك اطراف اخرى غير المحترفين او الذين يسعون الى الاحتراف و الدليل على ذلك ان اغلب المنتسبين الى الاحتراف و الحاملين لبطاقات الاحتراف يمارسون مهنا اخرى و وظائف حكومية في قطاع التعليم او التجارة و/ أو وكلاء الشركات المسرحية.
- ان العاملين اليوم فيما ينسب للاحتراف وعددهم لا يتجاوز بعض المئات لا يشكلون ذلك التنوع العددي و الكيفي الذي يشكل منافسة و تهديدا مباشرا للمتفرغين لكي نفكر في هذا النوع من الحماية
لذلك فان الحل السليم و المنطقي يقتضي:
- ابطال العمل ببطاقة الاحتراف و ترك المؤسسات المسرحية ( المسارح و الفضاءات ) وهي التي ترعى الاحتراف ليس عن طريق البطاقة و لكن عن طريق التفرغ و قوانين الانتداب التي يضمنها قانون الشغل.
- السماح لذوي المهن الاولى بتعاطي الفن المسرحي كمهنة ثانية او العكس و يمكن ان يندرج ضمن هذا اساتذة المسرح و كل الفئات الاخرى الاجتماعية طالما هناك شبه تفرغ لهذا الفن  لأجل هذا يستوجب بعث المركز الوطني للمسرح على غرار المركز الوطني للسنما و من مهامه :
- التمويل والتوزيع والمتابعة والتقييم والتخطيط وإعداد التقرير السنوي عن وضعية المسرح و الفرجة الحية .
- تطوير التراتيب المتعلقة بإسناد منح المسـاعدة على الإنتاج و التسيير و التوزيع و ربطها بالمؤسسات الحرفية ضمن كراس شروط تضبط مقاييسه و ربطه بجودة و قدرة الهيكل على انتاج الاعمال المتميزة ذات المنحى الفني والاستمرارية واستقطاب الجمهـور..
- شبكة المسارح ودور الثقافة بعث خارطة لهذه الدور والمسارح بغرض تأهيلها ورصد اعتمادات لتجهيزها وتسييرها.
- توزيع هذه الفضاءات على الفنانين والمسرحيين او الفرق المسرحية التي تفتقد لمثل هذه الفضاءات لاستيعاب اعمالها و ادارتها فنيا في سبيل اقامة علاقة دائمة مع الجمهور وفق برنامج و خطة فنية يتفق بشانها مع سلط الاشراف فلا معنى لمسرح او دار ثقافة بدون فريق أو فرق فنية و مسرحية مؤهلة و كم هي المسارح التي تبقى مغلقة غالبية السنة لتعلة او لاخرى 
احداث شبكة توزيع وطنية تؤمن سنويا التوزيع المستمر والمنظم للأعمال المسرحيـة والفرجة الحية بتوازن الأنواع و المحـاور والأساليب والقطاعـات والاعتمـاد على الكيف من حيث اختيار المسرحيات وتلاؤمها مع المحيط الذي ستقدم فيه.
- تأهيل دور الثقافة و المركبات الثقافية من حيث الكفاءة المهنية والبنى التحتية و التجهيزات والتسيير و إعداد برنامج لاحتضان العروض في ظروف تقنيـة تتلاءم وتطور المسرح والفرجة الحية.
- إقامة الاتصالات بالمهرجانات العالمية ذات السمعة و تفعيل اتفاقيات التعاون الثقافي لتمكين الحضور المسرحي التونسي و الاسهام المادي لكل المبادرات الخاصة في هذا المجال 
ادراج المسرح التونسي في التظاهرات و الاسابيع الثقافية او السياحية التي تنظمها الدولة خارج البلاد.
- إدراج الفضاءات الخاصة في خطة الترويج ضمن كراس شروط ( بمبادرة من الطرفين) باعتبار ان هذه الفضاءات هي أيضا طرف في ترويج العمل و ضمان حد أدنى من الاستمرارية.
- تمتيع قطاع المسرح والفنون الرّكحيّة بمجموعة من النّظم والتّشريعات الّتي تعطي امتيازات جبائيّة للمهن غير التّجاريّة على غرار ما تتمتّع به مهن أخرى كالمحاماة والمهن الطبّيّة والهندسة المعماريّة .
• السهر على قيام كل المؤسسات العمومية والخاصة بأداء واجبها نحو حقوق التأليف واستنباط آليات لتنفيذ ذلك و متابعته كربط دفع منح العروض بالاستظهار بوصلات تحويل هذه الحقوق على حساب المؤسسة المعنية.
• وضع خطة وطنيـة لنشر المسرح عبر التلفـزة وضبط مقاييس باتفاق كل الأطراف تضمن حقوق المبدعين لتطويـر تعامل السمعي البصري مع المسرح وللتقدم بالتجربة الإبداعية وإشاعة المقترحات التجديدية.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115