المخرج السينمائي «هيفل بن يوسف» لـ«المغرب»: فيلم «ولدك راجل» نبش في لامبالاة الحكومة

في دهاليز يوميات المهاجرين الشباب غاص المخرج «هيفل بن يوسف»، تشبّع بتفاصيل حياتهم،

سلّط الضّوء على معاناتهم وأظهر محاولاتهم المختلفة في تخفيف الإحساس بالغربة ثم وضع نقاط استفهام حول أسباب الرحيل وأسباب عدم العودة عبر الشريط الوثائقي الطويل «ولدك راجل» الذي يستمر عرضه بقاعات السينما التونسيّة حتى الآن. فكان مع مخرجه الحوار التالي:

• بدأت تصوير الفيلم منذ سنة 2012 ما سبب تأخير العرض مدّة ست سنوات؟
منعتني عدّة مشاكل ماديّة ولوجيستيّة من إعداد العمل كاملاً في فترة زمنيّة وجيزة. فالتنقّل باستمرار بين تونس وفرنسا لم يكن سهلاً كما أنني واجهت محاولات شتّى لسرقة فكرتي إضافة إلى أنني لم أتلقّ دعماً من بلدي لإنجاز فكرتي. فانتظرت إلى غاية بعث شركتي الخاصّة ثم أتممت ما بدأت فيه.

• مارأيك في تشجيع الشباب والمشاريع الثقافية في تونس من قبل المعنيين بالأمر؟
تشجيع منقوص جدّا إن لم يكن منعدماً. فمن خلال تجربتي الشّخصيّة أدركت أن الشباب في تونس يفتقر إلى الدّعم من قبل الأطراف المختصّة رغم مبادراتهم وأفكارهم التي غالبا ما يتخلّون عنها بسبب تهاون الدولة وخاصّة تلك القوانين التي تكبّل أياديهم بدلا من أن تكون في خدمتهم.

• عدة مسرحيات وأفلام عالجت معضلة الهجرة غير الشرعية والغربة. أ لم يجعلك ذلك تخاف من الوقوع في فخ المحاكاة أو التبرير لهم خاصة بعدما صرحت أن علاقة صداقة تربطك بهم؟
أولا السينما حسب رأيي هي سرد لقصص، وبطبيعة الحال سينغمس المخرج في تفاصيل العمل وسيضع عليه بصمته الشخصية بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.
إذن لا أرى مانعا في معالجة موضوع طرح من قبل طالما أنّني سأتطرّق إليه من زاوية جديدة وبرؤية أخرى.
أرى أنّ مفاهيم ظواهر إجتماعية كثيرة تغيّرت من أهمها «الحرقة» إذ أصبحت تشمل أصحاب الشهائد العليا من أطباء ومهندسين وأساتذة إمّا يعانون من آفة البطالة أو يطمحون إلى تحسين مداخيلهم وضمان حقهم في العيش الكريم خارج تونس، غير أنني لا أرى المهاجرين السريّين في أشخاص أولائك الذين لم يتحصلوا على تأشيرة السّفر فقط بل كذلك من يترسّخ داخلهم الإحساس بالغربة يوما بعد يوم ومن يجهدون لتوفير لقمة عيشهم خارج وطنهم ومن يجاهدون نظرات التذنيب والإتهام بالإرهاب فقط لأنهم عرب ومسلمون.
ما كان من الممكن غضّ النظر عن كلّ ذلك، فقد إنتابني شعور وحيد فور لقائي بهؤلاء الشباّن وهو وضع قصصهم أمام عدسة الكاميرا دون تكلّف أو تصنّع أي أنّني لم أخف من المحاكاة ولا من ردود الأفعال.

• حضرت في الشريط الوثائقي «الكوميديا السوداء» أو ما يعرف «بالضّحك المرّ». ما هو مقصدك من ذلك؟
لم يكن مقصدا مباشرًا أو مدروساً بقدر ما كانت شخصيات الشريط الوثائقي ممتعة ومبهجة وهي نماذج من الشّعب التونسي ذو الشخصية المرحة، أي أنّ هذا الدّمج بين ثنائيات الحزن والفرح حدث تلقائيّا نظرا لطبيعة الشّخصيات كما -وهو الجانب الكوميدي - إلى صعوبة وقسوة الظروف التي يمرّ بها المغترب.
وبالرغم من ذلك يجد المشاهد نفسه أمام شخصيات تتعامل بطرافة مع هذه الصّعوبات وتستبدل الحزن والتذمّر بالتندّر والسّخرية.
في الواقع أردت الخروج من الكلاسيكياّت التي كلّما سلّطت الضّوء على ظاهرة الهجرة لا تكشف منه سوى الجانب القاتم المحزن، أردت أن أميط الّلثام عن حقائق الأمور كاملة دون زيادة أو نقصان ونجحت في ذلك.
في فترة ما تجاوزت الدعم المادّي الذي كان مستحيلا و كنت أحتاج وثيقة تحميني والمعدّات خلال التصوير فقط ولم أتحصّل عليها، لذلك عوّلت على نفسي وأنا أجني الآن ثمار ذلك وأصبحت أتلقّى عروضا ممّن رفضوا مساعدتي.

• ركّزت عدة مرات خلال الفيلم على نظرة المجتمع «العباد باش تضحك عليك» هل في ذلك دعوة ضمنية إلى تجديد العقليّة التونسية أو الثورة ضدها؟
بالطبع، فقد قالت أن عدّة أشخاص هناك عبّروا عن رغبتهم في العودة إلى أوطانهم ولكنّهم غير قادرين على مواجهة نظرات محيطهم في بلدانهم، لذلك يفضّلون رداءة الواقع خارجاً على إستهزاء الآخرين بهم في أوطانهم أو نعتهم بالفاشلين.
لذلك أردت أن أبيّن مدى أهميّة نظرات المجتمع ومواقفه تجاه المهاجرين وفي ذلك نداء لتغيير طرق تفكيرنا والإقتناع أن احتمالي النجاح والفشل واردان في شتي تجارب الحياة.

• بيّنت أن الوضعية التي تنتظر المهاجرين السريين في الخارج صعبة جدا. هل أردت أن تثبط عزيمة الشباب التونسي اليائس في الهجرة بطريقة غير شرعية؟
لا بل حاولت أن أبيّن تهاون حكوماتنا في التعامل مع الشعب وخاصة الشباب، أردت أن أكشف تقصيرها الذي يتسبب في الهجزة غير الشرعية، شخصيا لا أعتقد أن الإنسان سيختار الغربة بينما يعيش في وطنه عيشا كريما وينال حقوقه ويحظى بالتشجيع والدعم من دولته.
فهنا عملت على حث السلطات على مراجعة سياساتها المعتمدة واستبدالها بتلك الأكثر نجاعة.

• حصد «ولدك راجل» جوائز عالميّة. هل سعيت إلى ذلك منذ بداية العمل؟
لم أسع إلى جوائز أو شهرة بل اقتصر حلمي في البداية على أن أنقل ظروف الغربة بحلوها ومرّها ولكنه أصبح فيما بعد تحدّ لكلّ العراقيل التي من شأنها أن تحبط إرادة الفريق وتحدّ من تشبّثه بالعمل.

• هل هناك مشاريع على الأبواب؟
نعم أشتغل في هذه الفترة على فيلم جديد يعالج قضيّة اجتماعية أخرى مسّتني شخصيّا. وستشارك فيه شخصيّات مشهورة في الوسط الفنّي مع وجوه جديدة .

رحمة السياري

 

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115