اعتداء جديد على المعلم الأثري «كستيليا» في دقاش (ولاية توزر): انتهاك للتراث... اعتداء على التاريخ !

في الوقت الذي يؤثث فيه الغرب متاحفه من تراثنا نحن ومن قطعنا الأثرية المنهوبة

والمهربة ليتفاخر بها بين الأمم، تداس هذه الثروة التي لا تقدر بثمن تحت الأقدام في بلادنا بدل صونها ودمجها في مسار التنمية المستدامة. في كل مرّة نصحو على جريمة بشعة تطال موروثنا الأثري وإرثنا التاريخي إما بسبب الجهل بالقيمة أو بفعل أياد سوداء ترى في هذه الآثار شركا وكفرا أو بإثم لصوص التراث وتجار التاريخ... وهذه المرة كان الموقع الأثري كستيليا بدقاش مسرح الجريمة أمام تواصل الإهمال وعدم الاهتمام ...

بعد أن أعلنت مصالح المعهد الوطني للتراث في الأيام الأخيرة عن تقدم الحفريات بالموقع الأثري كستيليا بدقاش من ولاية توزر والعثور على أواني من الفخار وقناديل أثرية... حتى سارع اللصوص بالتسلل إلى المكان بنيّة التنقيب عن الكنوز المطمورة في غياب الحراسة!

اعتداء وتخريب... من المسؤول؟
هي مدينة أثرية مغمورة في باطن الأرض ومحتفظة بسرّها عن أعين الفضوليين في دقاش تم اكتشافها صدفة عندما شرعت مصالح الولاية بتوزر في استغلال موقعها كمقطع للرمال... وقد توصلت حفريات المعهد الوطني للتراث إلى وجود كنيسة تعود للفترة البيزنطية بين القرن الخامس والسابع ميلادي تجاورها جدران مساكن لمدينة أثرية مجهولة. وقد أفاد ممثل المعهد في ولاية توزر مراد الشتوي أنه «تم الكشف عن كامل مكوّنات الكنيسة التي يماثل شكلها العديد من الكنائس التي وجدت بتونس حيث تحوي ثلاثة أروقة ومحراب وغرفتين للأساقفة مجاورة له، وبني المعبد قبالة المحراب بالرواق الأوسط بشكل متقن». كما أضاف أنه وقع العثور على جدران مساكن مجاورة للكنيسة الأمر الذي يقود لاستنتاج وجود مدينة أثرية مغمورة بالرمال.

وقبل الانتهاء من اكتشاف هذه المدينة الأثرية لتبوح بتفاصيل حكايتها في عمق الماضي والتاريخ، تعرّض موقع كستيليا بدقاش إلى الاعتداء وأعمال تخريب طالت المعبد من قبل أطراف يرجح أنها اقتحمت هذا الموقع الأثري للنبش عن الكنوز... فهل ستتحرك السلط المعنية ولو متأخرا فتقوم بتعيين حراس لحماية ما تبقى من هذه الثروة التاريخية؟

إلى متى القصور في الهياكل والتشريعات؟
يحتاج قطاع التراث في بلادنا إلى ثورة جذرية انطلاقا من التشريعات المتمثلة أساسا في مجلة التراث وصولا إلى المؤسسات المعنية بحماية هذا التراث وصونه وتثمينه...
لم تعد مجلة حماية التراث الأثري والتاريخي والفنون التقليدية الصادرة بتاريخ 24 فيفري سنة 1994 قادرة على الاستجابة إلى الحد الأدنى المطلوب لحماية التراث الأثري والتاريخي. كما تفتقر إلى أي إجراء يهتم بالتراث الثقافي غير المادي...

كما أصاب الشلل المعهد الوطني للتراث بالرغم من كل ما يقوم به من أعمال الترميم والصيانة للمعالم التاريخية والمواقع الأثرية وإعداد ملفات الترتيب والتسجيل في قائمة التراث العالمي لأنه لم يعد قادرا على مواكبة تطورات القطاع ويفتقد إلى الرصيد البشري والمالي والتقني للقيام بدوره على أكمل وجه...
وبدورها تشكو وكالة إحياء التراث والتنمية الثقافية من العجز على مستوى إحياء التراث الأثري والتاريخي والتصرّف فيه وتنمية الإبداع الفكري والأدبي والفني. وقد تعمقت هذه الأزمة بسبب تقلص عدد السياح، بعد الثورة، حتى أضحت مؤسسة «خاسرة» يمثل خلاص موظفيها عبئا على الدولة بدل المساهمة في تنمية مداخيلها...
وإن ينتشر في ربوع تونس من شمالها إلى جنوبها أكثر من 30 ألف معلم أثري وموقع تاريخي فإن عدد المواقع المرتبّة والمحمية في بلادنا يناهز الألف فقط والبقية كثيرا ما تتحوّل إلى مرتع للصوص والمخربين لتاريخ البلاد في غياب الحراسة التي تبقى مطلبا ملحا في كل حين ... ولكن «لا أذن سمعت ولا عين رأت»!؟ 

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115