فيلم شرش لوليد مطار: قد يكون «الهٌنا» جحيما ولكن «الهٌناك» ليس الجنة ...

بين «الهُنا« و«الهُناك» تجولت كاميرا وليد مطار، بين شمال المتوسط (تحديدا شمال فرنسا) و برج السدرية (تونس) كانت

رحلة المتفرج في فيلم «شرش»، شرش أو رياح الشمال هي الرياح التي تعيق الصيادين عادة.

هذه الرياح جسدها وليد مطار في شخصيتين جد مختلفتين، الاولى شخصية هيرفي العامل الفرنسي الذي وجد نفسه في الشارع بسبب رأس المال وأصحاب المصانع الذين قرروا نقل مصنعهم من فرنسا الى تونس، «الهُناك» الفضاء الذي يريد جل الشباب التونسي زيارته لم يصوره وليد مطار جنة كما يدعي البعض، هناك في فرنسا الكثير من التعقيدات الادارية، هناك صراع من اجل حقوق العمال، صراع يحتدم بين البوليس و العامل، هناك ايضا هوة بين العامل والمدير، هناك يتطلب الحصول على رخصة صيد الكثير من الوقت و الصبر، «الهُناك» ليس بالجنة وتلك ميزة فيلم وليد مطار، «شرش» أو رياح الشمال التي هبّت فنقلت للمتفرج حقائق عن دولة فرنسا تلك التي تتشدق بالحقوق والحريات نجد في الفيلم أنها تسرح حقوق عمالها وراس مالها يطرد الالاف فقط للبحث عن يد عاملة ارخص من الفرنسيين، في فرنسا الشرطة تكون الحل أمام المطالب العمالية وفي فرنسا ينهك المواطن ليحصل على وثيقة ادارية.

أما «الهُنا» فيسلط الضوء على الفقر والبطالة و الحب المستحيل، «الهُنا» في أحد المعامل في برج السدرية يكون فؤاد الشخصية المحورية شاب تونسي كغيره حالم يريد عملا وتغطية اجتماعية وحياة كريمة، وقد تكون الهجرة هي الحل الامثل له، فؤاد عينة للتونسي الكادح، التونسي الحالم الذي يجد نفسه ممزقا بين كرامته وبين مستحقات مادية تجبره على الاذعان والعمل بمقابل بخس، بين «الهُنا» و«الهُناك» تكون الباخرة هي الفاصل بين شمال المتوسط وجنوبه، فالعامل هناك يرى تونس مكانا للاستجمام والراحة بعد سنوات الشقاء، أما ابن «الهُنا» فيراها جحيما ويحلم بالهجرة لأنه يرى فرنسا جنة موعودة، تقاطع النظرات جسد في صورة تجمع المترو الذي يركله فؤاد والحافلة السياحية و التي يمطتيها هيرفي.

فيلم شرش ميزته الصورة ، صورة سينمائية ممتعة، الكثير من التفاصيل نقلها الفيلم، تركيز على الحركة والجزئيات التي تصنع الحدث كاملا، في «شرش» الكثير من النقد لطرفي المتوسط، نقد لسياسة الدولة التونسية في طريقة تعاملها مع مطالب ابنائها واستقبالها لراس المال الاجنبي دون ضمان حقوق العمال، صراع اقتصادي يكون ضحيته الفقراء والهامشيون الذين يحرمون من «الحب».

وفي الفيلم توضيح لمشهد ضبابي عن فرنسا بلد الحريات فهي ايضا ليست بالجنة وما معاناة هيفري الا جزء من معاناة يشترك فيها كل العمال والبسطاء أينما وجدوا.

«شرش» فيلم جميل وصورته السينمائية ممتعة ولكنه ليس بالعجيب ولا يثير الدهشة من حيث التقنيات أو أداء الشخصيات، في «شرش» ابدع حمزاوي في تجسيد شخصية فؤاد الباحث الدائم عن شغل او الهجرة، في المقابل لم يكن اداء عبير بناني استثنائيا بل كان جد عادي وتقاسيم وجهها لم تكن جد معبرة كما سوّق لذلك فآداؤها التزم بالنص ولم تحدث هي الفارق.

شرش لوليد مطار تجربة سينمائية ميزتها انها كشفت حقيقة الضفة الاخرى، لم يسوق للجنة وكان حياديا في نقل معاناة عمال الضفتين و الظلم ففي كلا البلدين، لم يكن منحازا لاي طرف فقط انحاز للانسان الباحث عن كرامته هنا وهناك.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115