جدل فلسفي في بيت الحكمة: بحث في الثالوث : الدين، السياسة، الفلسفة

يمكن للسياسة أن تكون مماثلة للوثوقيات الدينيّة، ويطوع الديني لتحقيق الأهداف السياسيّة، وتتسلّل المضامين السياسيّة

والدينيّة لتخترق الفعل المعرفي، إنّه الثالوث الإشكالي وإن ادّعت بعض المرجعيات الفصل بين تلك الحقول الدلاليّة المختلفة، لذلك يستعيد الفكر النقدي هذه المسائل للحساب الخاص رغبة منه في تحديد الضوابط الصارمة لضمان الفصل الحقيقي بين مكوّنات الثالوث.

وفي هذا الإطار واكب روّاد بيت الحكمة مؤخّرا لقاء فكريا نظّمه قسم العلوم الإنسانيّة والاجتماعيّة بالمجمع حول كتاب «سبينوزا والكتاب المقدّس : الدين والأخلاق والسياسة» للأكاديمي جلال الدين سعيّد، حيث أشرفت على فعاليات الحوار مع المؤلّف الدكتورة منيرة شابوتو الرمادي رئيسة القسم والأستاذ صالح مصباح.

وقد أبرز الكاتب في بداية الأمسيّة الحواريّة أسباب كتابة مؤلّفه الصادر عن مؤسّسة (مؤمنون بلا حدود)، تلك التي تتمثّل برأيه في رسالة سبينوزيّة شغلت اهتمام الفلاسفة والسياسيين والمهتمين بالشأن الديني، إنّها رسالة في اللاهوت والسياسة، باعتبارها « مدخلا لفهم الكتب المقدّسة»، بل شاشة يمكن عبرها مشاهدة تفاصيل سلطة المؤسّسة الدينيّة بما هي سلطة تجيد الاستثمار في الوعي الساذج، منمّقة صورتها عبر تقنيات الورع والتقوى والتسامي لضبط وتطويع وتدجين حشودها الجماهيريّة، وعليه تكون الطقوس والمسلّمات والمواضعات آليات ناجعة للمعادلات والخطط السياسيّة لأنّ السياسي يتعاطى مع الخطاب الديني براغماتيا، لنستنتج حسب جلال الدين سعيّد الهدف السبينوزي الحقيقي من تأليفه للرسالة، إذ لم يكن نقده للكتب المقدّسة استهدافا للشعور الديني وللأبعاد العقائديّة، «ولا ضد قيم التقوى» لأنّه يريد التمييز بين الشأن العقدي وتدبير الشؤون السياسيّة، فالدين الحق بالنسبة إلى سبينوزا «يساعد على إرساء الدولة العادلة».

انطلاقا ممّا تقدّم يكون الفصل بين مؤسّسة الكنيسة (أي المؤسّسة الدينيّة) والدولة ضرورة قصوى لضمان قيم الديمقراطيّة والعدل والمواطنة لأنّها مدنيّة تشترط قوانين وضعيّة تمرّ عبر الممارسة التعاقديّة خاليّة من مخاتلة الناطق باسم الحق الإلهي المقدّس.

وعليه يدحض سبينوزا وفقا لجلال الدين سعيّد مزاعم اللاهوتيين المشدّدة على أنّ الكتاب المقدّس رسالة تلقينيّة لحقائق أبديّة ومتعاليّة عن الزمان والمكان، ولعدم الوقوع في هذه المغالطات يدعو الفيلسوف إلى تأويل الكتاب المقدّس» بالاستناد إلى الكتاب نفسه»، واعتماد مناهج العلوم الفيزيائيّة كالملاحظة والفحص والتمحيص.
فمن البديهي أن تكون الروح العلميّة هي الشرط الممهّد لكل تفكير يتوق إلى تفكير يفكّر لنفسه بنفسه، فبمقتضاه تتلاشى سلطة الشيطان الماكر أمام نفوذ الجوهر المفكّر.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115