مرايا وشظايا: في وطني تقدم أحلام الطفولة قربانا لصمت النظام

الى زهرتي تونس، الى الفراشتين اللتين لم ترحمهما النيران وحرقت جسديهما النضرين الى من

قتلهم النظام بإهماله لمؤسساته التربوية، الى من جار عليهما المكان و ظلمهما الزمان وقست عليهما الجغرافيا وحتى النيران لم تكن رحيمة معهما، الى من اجبرهم فقر الوالد على الاقامة في المبيت وحرمتا من توديع امهاتهما وحرمتا من اخر لمسات الاخت الصغرى، الى تونسيتين ذنبهما الوحيد انهما ولدتا في دولة لا تحترم مؤسساتها ولا تقوم بالصيانة، ومسؤولين يتصارعون ويتسابقون وينثرون الوعود يمنة ويسرة، اليكما رحمة وسرور ...كل عبارات الاعتذار...

«بنيتي اوصيك بدروسك، وحدها القادرة على انقاذك من الكثير من التعب»، «اماه لكن الجوع ينخر عظامي ومعدتي الفارغة كثيرا ما ترهقني، سئمت المبيت والبرد» ،ربما يكون حوار دار بين احدى الفتاتين ووالدتها، فهناك بعيد جدا عن المدن الكبرى لا يختارون الاقامة في المبيت المدرسي طواعية، وحدها قساوة الظروف تجبر التلميذ على الاقامة في المبيت، هناك يكون النقل جد مرهقا، حافلة يتيمة عادة ما تنقل التلاميذ فجر الاثنين بين الخامسة والسادسة صباحا وتعيدهم مساء السبت بعد الثالثة، حافلة يتيمة تكون مشتركة بين 3معتمديات او يزيد (محظوظ من تصله الحافلة في الاخير ليسرق دقائق اضافية مع العائلة).

هناك في كل الارياف تقريبا لا وجود لنقل مستمر لا وجود لحافلات دائمة، دون نسيان غلاء سعر التذكرة، جميعها تجبر التلميذ على الاقامة في المبيت المدرسي فالإقامة في المبيت مربحة للأب نوعا ما ومريحة للتلميذ بعض الشيء.

في المبيت سيعاني التلميذ الجوع والبرد (كنت جيعانة وبردانة ومارقدتش) كما نطق لسان التلميذة الناجية من المصيبة، في المبيت المدرسي لا وجود لوسائل التسخين والتبريد، في المبيتات يمنع على التلاميذ استخدام المياه الساخنة، في المبيت يكون الاستيقاظ يوميا في السادسة والنصف فحصة للمراجعة الصباحية الى السابعة والنصف ثم وجبة فطور الصباح و في الليل حصة المراجعة الثانية من السابعة الى التاسعة والنصف وقت الخلود الى النوم، هكذا كان وقت رحمة وسرور يمرّ ربما قبل النوم حلمتا، ربما فكرتا في يوم غد وربما فكرتا في العودة يوم السبت وربما تحادثتنا عن امتحان ما؟ ربما فكرتا في مشاكسة لإدخال الهرج على القسم فهناك وحدها الضحكة قادرة الى اسعاد النفوس الصغيرة، ربما تحدثتا عن وجبة دسمة وعبرتا عن امتعاضهما من وجبة «لا تشبع عصفور» او اتفقتا على التشارك في ثمن (كسروت سردينة او لوبية) فهناك لا وجود لثقافة «اليتزا» و«الفاستفوود)... ربما وربما؟؟؟...

ككل صغير انتظرتا وقت النوم ولم تعرفا انها الساعات الأخيرة لم تعرفا ان النيران ستلتهم الفكرة والجسد، هل توجّعتا؟ هل صرختا؟ هل شعرتا بالالم؟ وهل شاهدتا بجزع منظر الهول والفزع؟ ام النوم كان رحمة لهما؟ اسئلة كثيرة قد تخامر الذهن وأنت تشاهد اثار النيران والحريق وتسمع حديث احدى الناجيات.

اسئلة كثيرة عن الطفل في وطني؟ ما ذنب رحمة لتموت حرقا؟ هل اخطأت سرور لأنها فقيرة؟ ما ذنب زهرات تونس ليدفعن خطية السياسة و الدولة والمنظومة التي تفقه فقط في القول؟ ما ذنب جسد رحمة وهي تستصرخ الحياة؟ ماهو ذنب والديها ليدفعا خطية فقرهما وجور الوطن؟ هناك لم يطلبوا غير بعض مقومات الحياة؟ هناك فقط ارادوا السلامة لتواصل رحمة حلمها وتسرّ سرور بنتائجها.

ليست المرة الاولى التي تحدث مشاكل وفيات في المبيتات المدرسية، ليست المرة الاولى التي يصرخ الكل عن مأساة المبيتات المدرسية و قساوة العيش فيها، ليست المرة الاولى التي تزهق الاحلام وتوأد الضحكات ليست المرة الاولى التي يموت فيها الطفل امام صمت السلطة العاملة بمقولة الشاعر ناديت لو خاطبت حيا...ولكن لا «حياء» لمن تنادي؟ فللسطلة اولوياتها الاهم لها قسم غيابات اعضاء مجلس النواب؟ لها مشاكل النداء وشقوقه؟ لها صراع اليمين واليسير امامها ضوضاء الانتخابات البلدية و «شكون قتل بلعيد» ويبدو ان برنامج اعمال السلطة جد مليء ولا وجود لخانة قد تنبه الى معاناة الطفل ...فهل تقدّم احلام الاطفال قرابينا للسطلة...وهل تذبح الامال وتحترق الافئدة فداءا لصمت النظام؟.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115