مسرحية «قزح» لأيمن الماجري: غوص في عمق التاريخ ...

داخل كل منا طفل يريد اللعب دوما، طفل يريد الخروج من اجسادنا الكبيرة وعقولنا المتسلطة ليلهو ويلعب ويشعر بسعادته

ويستمتع بكل تفاصيل المتعة، داخلنا طفل متمرد ثائر يريد فقط ان يلعب، الى دواخلنا ذهب ايمن الماجري ونبش فيها ليخرج ذلك الطفل ويفسح له المجال فقط ليلعب ويحلم بعالمه القزحي، لعب جمع الامل والالم، لعب يشبه الفرح مغلفا ببعض الترح فالفن بالنسبة الى الفنان ضرب من اللعب ولكنه لعب اليم كما بقول الفرنسي فيليسيان شالاي.
صوت يهدد ويتوّعد القزحيين بالموت، اجزاء من صورة مفرقة منا لعبة «البوزل» يشاهدها الجمهور على كامل الركح، الضوء اصفر مع بعض سواد انتشر في كامل المكان، أين الالوان؟ .

طاولة منصوبة وسط الركح، كما طاولات المفاوضات باب صغير اقصاه، يدخل اولا مهرجان اثنان يرقصان ويبدوان سذجا، بذاك الانف الاحمر الكبير وحركات ساذجة تبدا الحكاية وكان بالمخرج ينبش في داخل الممثل ويذهب بعيدا جدا الى الطفولة الاولى وسنوات الانبهار بكل جديد.
في «قزح» دعوة الى عالم اللعب، فالعمل يجمع بين عالمين ّ»عالم الاطفال ممزوج بعالم الكبار».

الشخصيات من عالم الطفل الذي لا يريد أن يكبر في كلّ إنسان فينا. الطفل الذي يريد كسر كل القيود والحدود التي رسمها الكبار، وأن يكسر كل الممنوعات والمحرّمات التي تأتي ضد الحريات الشخصية على حد تعبير المخرج ايمن الماجري.

في المشهد الثاني يدخل شخص ثالث بلبس قميصا من البالونات الملونة الزاهية الالوان، الوان البهجة والامل والجمال، جميعهم يريد «اللعب» جميعهم يذكرك بالطفولة التي يريدون الهرب اليها، هم خمسة أجساد لإناث وذكور ومخنثين هربوا من واقعهم الى واقع آخر يريدون رسم تفاصيله، هربوا من اللباس الموحد والفكرة الواحدة واللون الواحد والتعبير الموحد الى عالم ارادوه مختلفا، عالم يكون فيه «الانا» مختلفا عن «الانت» و «الهو» يتطيع العيش بحرية بعيدا عن افكار «الهم»، الى عالم «قزحي الالوان» مختلفا هربوا، ليلعبوا وخلف كل لعبة حكاية ووجيعة.

أحد الاماكن المهجورة المغلقة كان فضاؤهم الحرّ للعب والتصعيد و الخوض في شجونهم دون خوف او وجل من العادات و القوانين والعرف والسائد، كرهوا واقعهم الواحد والمكرر والرتيب وهربوا الى بلاد العجائب، بلاد موشاة بالألوان، الوان الفرح رسموها بأنفسهم وأرادوها ان تنتشر وتعم لتكون الارض وطنا للجميع تجربة حربية استعملوا فيها احلام اليقظة، و

المسدسات الرشاشة للامل و القنابل المسيلة للجمال والخيال، من داخل مكانهم المظلم ارادوا ان يصنع ثورة القزح ثورة الالوان يقودونها لينتشر شذاها في كامل البسيطة.

على الركح تماهت الالوان واختلفت مع سيطرة للأسود في دلالة على قتامة الواقع حاضره وماضيه، فلكل قزحي متمسك بحقه في اللعب حكاية موجعة، جميعهم اشترك في الألم الم السلطة الابوية والمجتمعية، الم الجسد المختلف ووجيعة الانتماء الى سلك البوليس، لكل قزحي قصة موجعة تختلف عن غيره ولكنها عينة مما نعيشه ونعايشه كان الركح فضاؤهم للتصعيد والحكي دون خوف.

الكل اراد الهرب من سلطة ابوية (حد تقديم مشهد رمزي لقتل الام في احد المشاهد)، جميعهم يريد اللعب والعادات والمجتمع يحاولون تقييدهم، كلهم هرب من القيد وحاول التحرر ولعل اكثرهم الما كان «المخنث» فالجسد جسد رجل بينما الصفات والروح روح امرأة، نراه على الركح بكعبه العالي يمشي الهوينة كما النساء، يحادث احدهم بصوت ناعم رقيق وفجأة يثور ويصبح الصوت اجش ويضرب الطاولة، اضطراب بين هويتين، فهو لا يعرف رجلا كان او امراة، وأمام اضطرابه النفسي ووجيعته تكون قسوة المجتمع وسيلة للقيد ومحاولة تهميشه واقصاءه ونعته بأبشع الصفات، «المخنث» رغم وجوده التاريخي في كل المجتمعات العربية لا يزال مرفوضا من الشارع، لا زال متهما وفي «قزح» ابدع الممثل حمزة الورتاني في دور المخنث، لم يكن بطلا ولا ضحية فقط نقل الى المتفرج جميع انفعالاته وحكاياته وهواجسه دون تزيين ليوصل الى الجمهور انه انسان وان اختلف فيزيولوجيا عن غيره.

اما «البوليس» فهو الاخر يعيش ازدواجية مقلقة، فهو ينحدر من هناك من ريف بعيد جدا عشق القمر لحدّ أن اصبحت سره وسحره وصديقة خياله، في الليل يعشق القمر يكون رومنسيا حالما وفي النهار ينقلب الى وحش بيد السلطة يطبق قساوة القانون ويظلم احيانا، ازدواجية اقلقته لحدّ الهروب الى عالم القزحيين ليلعب بحرية ويتغزل بقمره بعيدا عن اعين الداخلية.
في قزح دعوة الى اللعب والبحث في دواخلنا، رسائل مجتمعية عديدة ناقدة لنظرة المجتمع الى الاخر المختلف عنها، دعوة الى دراسة التاريخ ومعرفة الحقائق التي نتعامى عنها، الكثير من الرسائل قدمها ايمن الماجري في اول اعماله الاخراجية.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115