في لقاء علمي ببيت الحكمة: «الضوء- العلم - التنميّة»

غالبا ما تتنزّل إشكاليّة التنميّة ضمن سياقات سياسيّة واقتصاديّة باعتبارها مرتبطة بخطط واستراتيجيات صنّاع القرار السياسي والخيارات الاقتصاديّة،

لكن المقاربة العلميّة تحتّم إعادة النّظر في هذا الاختزال انطلاقا من حقيقة الفعل التنموي كنتاج معرفي في المقام الأوّل، فكلّما جدّد العقل العلمي نفسه اتّسعت آفاق الخطط التنمويّة، ولعلّ هذا ما دعّمه اللقاء العلمي الذي نظّمه مؤخّرا قسم العلوم الطبيعيّة والرياضيات بالمجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون «بيت الحكمة» حول «الضوء- العلم - التنميّة».
افتتحت اللقاء الأستاذة سعاد كمون شوك رئيسة القسم، منطلقة من حدث عالمي يؤكّد العلاقة العليّة بين الاكتشافات العلميّة ومسارات التنميّة في مظاهرها المتعدّدة، ويتمثّل الحدث في سنة 2015، التي خصّصتها منظّمة اليونسكو كسنة دوليّة للضوء والتقنيات القائمة عليه . و ذكّرت بعديد الفيزيائيين والرياضيين الذين مكّنوا عالم التنميّة من نظريات جسّدت مفهوم سيادة

الإنسان على العالم عبر علومه كما بشّر بذلك ديكارت، موضّحة الكثير من النظريات كالنظريّة الكهرومغناطيسيّة للضوء، التي تتنزّل ضمن معادلات عالم الفيزياء الاسكتلندي «جيمس ماكسويل» المفسّرة لظهور الموجات الكهرومغناطيسيّة، ووضّحت نظريّة «انشتاين» حول الضوء في علاقة بالفضاء والزمن، لقد مثّلت تلك الاكتشافات المنطلقات الأساسيّة للتنميّة في

أبعادها المتنوّعة، بشريا واقتصاديا، لأنّ «تقنيات الضوء متعدّدة وتسهم في التنميّة المستدامة... وتمكّن من مواجهة التحديات المعاصرة في مجالات الطاقة والتربيّة والصحة» على حد قولها . ولا يمكن برأي الأستاذة سعاد شوك تغييب إسهامات الأولين لعلم المناظر، ودليلها ما قدّمه «الحسن ابن الهيثم»، صاحب الاكتشافات الكبيرة في البصريات المؤكّدة عبر العلم الحديث، كتلك التي تتعلّق بمبادئ اختراع الكاميرا وتأثيرات الإبصار، ودعّمت موقفها بكتابه المناظر كأثر تناول فيه انعكاس الضوء على المرايا الكرويّة . بالمعنى الوجيز لقد أفرزت تلك النظريات العلميّة مقاربات جديدة حول علاقة الإنسان بمحيطه و فسحت المجال لاستثمار وتوظيف كل مكوّنات الكون في مشاريعه التنمويّة، فلم يعد بمقتضى ذلك الكوسموس

مصدر رهبة، بل أصبح رسالة مقروءة، وضفاف قابلة للزيارة كلّما قرّر الزائر شد الرحال نحوها، ففي هذا السياق ذكّرت الأستاذة زهرة بن الأخضر في محاضرتها بمنجزات روّاد الفضاء، حيث تحدّت مراكبهم الفهم الأسطوري والرهبة إزاء المجرات والكواكب، فاقتحمت الذات المتسلّحة بعلوم الفضاء رحاب القمر، إذ عدّدت المحاضرة تجارب عالميّة لروّاد وعلماء

توّجوا جهود فلاسفة التنوير وعلماء التحديث بمكتسبات تنمويّة لم ولن تتحقّق لو لا رهان «قاليللي» و«مونتسكيو» و«ديدرو» و«فولتير» على التراكم العلمي ومسلّماته « التي قادت إلى اختراق الحدود والقبول بالخوارق الاتصاليّة واكتشاف الجسيمات متناهيّة الصّغر وخلق مصادر التنميّة» وفقا لعبارة الباحثة زهرة بن الأخضر كمهتمّة بالبحوث النظريّة والتجريبيّة في الفيزياء الذريّة والجزيئيّة . لقد قاوم الفلاسفة والعلماء برأيها تحجّر الكنيسة والوعي الوثوقي من أجل إرساء معارف علميّة حقّقت تكنولوجيات التنميّة، لنستنتج مما تقدّم هشاشة كل مشروع تنموي غير متحصّن بوعي علمي، وسذاجة سياسات تنمويّة لا تجيد معاجم العلوم ومفردات المخابر، والدليل المعجزات الاقتصاديّة العالميّة لدول لا تمتلك سوى ثروة العقل على

غرار اليابان ودول تمتلك الأرقام القياسيّة في مستوى الثروات الطبيعيّة لكنّها محكومة بعقول أعدّت للماضي.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115