بورتريه: «مغرب» الشباب: المسرحي بلال العلوي صاحب «الكميون الثقافي» وفضاء فينوس «هنا نولد مبدعين وأحلامنا كما نبال مارس إله الحرب»...

«كل نهر، وله نبع ومجرى وحياة، يا صديقي ، أرضنا ليست بعاقر كل أرض، ولها ميلادها.. كل فجر وله موعد ثائر» هكذا يقول درويش، وماجل بلعباس ارض ليست بعاقر

مدينة انجبت فنانا ومبدعا سلاحه «الحلم»،عشق المسرح منذ النعومة، عرف ان الفن وسيلة للمقاومة وآمن بقدرة المسرح على التغيير فاختاره سبيله للحلم و الإبداع هناك في منطقة «ماجل بلعباس» الحدودية من ولاية القصرين ولد الحلم وترعرع وأزهر فنان عاشق للمسرح فنان حالم يؤمن بالتغيير هدفه الاسمى مطاردة ضحكة الاطفال في كل الفيافي والجبال والأرياف، سلاحه ابتسامة تميزه وحلم لا ينضب وإرادة حياة تعجز مصاعب الحياة على تفتيتها.

بلال علوي رئيس جمعية الشهاب المسرحي بماجل بلعباس وصاحب فضاء فينوس للفنون فنان يقاوم بالمسرح متمسك بحلمه تمسّك شجرة «البطومة» بالحياة رغم مرور قرون من الزمن، يؤمن ان الحلم بحر لا تجف ينابعه مطلقا قادر على اختيار احلامه ويسعى لتحقيقها دون وجل لانه «انسان» على حد قوله..

نعم احلم..ارهقني الحلم ولكن سأواصل
يقول محمود درويش «لا تساوم» وهل يساوم الانسان على الحلم والحياة، هل اساومُ وقد خلقت طليقا وقادرا على الفعل، هل اساومُ على ضحكة الاطفال التي تبعث في روحي امل متجدد» هكذا يحدثنا بلال علوي عن الحلم وحب المسرح عنده.
بلال علوي صاحب الثمانية وعشرين ربيعا، عشق المسرح منذ الطفولة في سن السابعة شارك في اولى الاعمال المسرحية ومنذ تلك اللحظة الى اليوم وحب المسرح يزوده بطاقة للحياة، اسمر سمرة هذه الارض، لضحكته على الركح وقع رذاذ الماء على الزهرة المرهقة، لسمرته لون التراب ولحلمه كبر الارض وشساعتها.
انطلقت البداية من المسرح المدرسي فنوادي دور الشباب والثقافة وكانت مسرحية «ماكينة» أول عمل لازلت استحضر جزئياته وتفاصيله لأنه الاول ولازلت استحضر نصائح استاذي حسين بوبكري الذي امن ببلال علوي في بداياته على حد تعبيره، ويضيف محدثنا ثم انطلقت التجربة مع الشركات والمركز الدولي للفنون المعاصرة بالقصرين مع الفنان وليد الخضراوي

وعمل معه في مسرحية «الوقت الميت» ثم تقني في «واد خضرة» ومساعد مخرج في «النجمة» قبل ان يكتب نصوص «كلامات» و «مولود تونسي» و «ملحمة سيدي عيش» و»عمر بن عياد» و»الذاكرة» ويخرج مسرحية صعاليك.
عن الحلم يقول بلال لا يستطيع الانسان مطلقا أن يتوقف عن الحلم، الحلم غذاء الروح كما أن الاطعمة غذاء الجسم.. نرى غالبا خلال وجودنا أحلامنا تخيب، ورغباتنا تحبط، لكن يجب الاستمرار في الحلم وإلاّ ماتت الروح فينا، وأنا «مازلت أحلم ومازلت متمسكا بحب المسرح وحب هذه المدينة، وشعاري هو ان كل احلامي ستتحقق مادمت املك الشجاعة لمطاردتها» .
فنان يفاجئك بأفكار مميزة كلما حدثته، كلما سالته عن المسرح يبتسم ويقول «نعشق ضحكة الصغار»، هناك في قريته يسمونه «لرتيستـــو» فكثيرا ما ينهض صباحا يلبس «الكلون» وينطلق في مسيرة توزيع الابتسامة على المواطنين كبارهم وصغارهم و»نلك نشوتي، حين يبتسم احدهم اشعر انني على الطريق الصحيح».

المسرح مسارح و«الكلون» أنا الآخر
لكل شخصية حكاية ترتسم في ذاكرة بلال علوي، لكل نص كتبه تأثيره في طريقة تفكيره، فنان ينثر السعادة اينما حلّ تراه حينا يجسد شخصية قاسية فتهابه وأحيانا يبتسم لتمحى كل الصور السابقة، لابتسامته سحرها الخاص وهو سر قوته في كل الاعمال التي شارك فيها.
المسرح حياة، المسرح زاده وسبيله للمقاومة، من «ماكينة» الى «سرك في بير» الى « المشهد الاخير» الى «حدّثه قال» «صعاليك» وغيرها من الاعمال التي اثثت مسيرة بلال علوي.

عاشق الخشبة والركح والشارع ايضا «لا يهمّ اين انجزُ العمل، المهم عندي ان يكون قريبا الى الجمهور»، لو سألته عن نص لايزال محفورا بذاكرته سيجيبك « هناك، تلك الفكرة النمطية المثيرة للغيض عن الطموح، كن أيّ شيء مادام كبيرا، قويا وعظيما، المشكلة انّك لو صارحت احدهم في ذروة مجدك بأمر هكذا لعنّفك بشدّة طالبا منك ان تكون على قدر المسؤولية الجديدة» ويضيف « لكن ماذا لو كان هذا الحلم أكبر منك ماذا لو اكتشفت فجأة انك أسأت اختيار حلمك الصحيح، لقد حقّقته هذا صحيح ولكنه لا يعبر عنك في النهاية» .

فما الذي يعبر عن حلم بلال علوي تكون الاجابة «الكلون»، بلال علوي محب لشخصية المهرج، عاشق لتفاصيلها ينكب الساعات الطويلة امام مرآته يضع ماكياج الكلون دون كلل وعن الكلون يقول « المهرج هو أنا الاخر، هو فكرتي الأخرى فكرة متمردة وثائرة على الموجود وتعمل لتحقيق كل آمالي، فكرتي لأعيد ترتيب الواقع وتجاوز مشاكل اليومي».

«الكلون» عنده كما سحر فينوس الهة الجمال «سيريس» الهة الارض كذلك الاعمال التي يقدمها لها وقع البلسم على الروح خاصة عند اطفال القرى والجبال وكانها صورة لاثينا الهة الجمال، هناك في الارياف المنسية والمدارس الحدودية يتجول «الكلون» حاملا حقيبة الماكياج وحقيبة الاحلام و «نسمات ثقافية» تنعش روح الطفل المتعطّش للابداع، ونسمات ثقافية عنوان لتظاهرة جابت عددا من المدارس الابتدائية الحدودية من «بوحردوب» الى «فوسانة» و»بوشبكة» و و»ابو القاسم الشابي بماجل بلعباس» و»حاسي الفريد» و«الصحراوي» و«بودرياس» جميع تلاميذها عاشوا الحلم والضحكة مع «الكلون» الذي يجوب القرى والأرياف بغاية «افتكاك ما تيسّر من الضحك على شفاه وقلوب تونسيين منسيين هناك بين الجبال»، لانهم ابناء هذا الوطن ومن واجبي ان اشاركهم الفرحة وارسم معهم تعاليم الحلم كما يقول «الكلون» اذ يأتي دور الفنان ليحاول ازالة الغبار على أحلام الاطفال وليفتح لهم المجال ليتحقق الحلم».

الماجل..الكميونة..نهر الابداع لا ينضب
هناك في ماجل بلعباس المدينة الحدودية، هي نقطة عبور رومانية بيت «كبصة» (قفصة) وتيفاس (تبسة الجزائرية) ، هناك اغتيلت شجرة «البطومة» التي غرست في النصف الثاني من القرن الرابع ميلادي وكما قاومت الشجرة التاريخية لدهور «نقاوم نحن الفنانين لننحت تفاصيل مدينتنا ووطننا ولن نسمح باغتيال الحلم كما اغتيلت البطومة» هكذا يقول محدثنا مضيفا ان وطن الفنان يختلف عن وطن السياسي ووطن المهندس او الطبيب فوطن الفنان اجمل واكثر اشراقا، وطن يريدونه فضاء للحلم، ومن افكاره «الاستثنائية» كما يقول أصدقاؤه تتشكل تعاليم ذاك الوطن.

حلم بلال علوي هو تفعيل فكرة اللامركزية الثقافية والتأسيس لثقافة القرب وتحقيق عدالة ثقافية يتمتع بها سكان الهامش قبل المركز، هو يؤمن بثقافة القرب ويعمل على ترسيخها اولا من خلال جمعية «الشهاب المسرحي بماجل بلعباس» و ثانيا من خلال البحث المتواصل في تراث المنطقة وتقديمها في شكل اعمال مسرحية و كوميديا موسيقية على غرار «ماجل بلعباس» و«سيدي عيش» وكلتاهما عمل يبحث في موروث المنطقة وتاريخها غير المكتوب فوظيفة الفنان هي التأريخ والتعريف بمدينته.

بلال علوي اختار الهامش ليبدع، ترك المركز لينحت في جلامد تصحر ثقافي يسكن المناطق الداخلية والحدودية، هو تونسي اختار التعبير عن حبه لمدينته بطريقة مختلفة، اختار ضحكة صادقة وكلمة شكر حقيقية اختار الهامش ليرسم تفاصيل الحلم بأفكار مميزة، افكار تبهر المواطن العادي والمسؤول، ومن العروض الفنية الباحثة في هوية المكان اصبح لماجل بلعباس مسرحها المتنقل من خلال مشروع «الكميون الثقافي» تلك «404» التي اصبحت مسرح متنقل يحمل الفرحة والفن والحياة عوض المواد الفلاحية، «الكميون الثقافي» المشروع الذي انجز ضمن فعاليات برنامج «تونس مدن الفنون» هو حلم اخر ازهر في ماجل بلعباس، حلم يعرف الكثير من المصاعب (الدعم لم يصل الى حد الآن ولكنه متواصل لإدخال الفرحة الى قلوب صغار حرمتهم الجغرافيا من القرب من المركز.

لماجل بلعباس فضاء ثقافي خاص هو «فضاء فينوس للفنون» وكما الهة الجمال الفضاء هدفه رسم الجمال في المدينة البعيدة و الفضاء وكانه صوت الالاه زيوس ألاه الشمس يصرخ لتنشر الشمس الوانها في المدينة المنسية.

القرية الثقافية...الخردة فضاء للابداع
لكل يوم حكاية جديدة، لكل يوم روح جديدة، نفرح، نحلم، نضحك، نحلق بأحلامنا الى البعيد، نتعب نسقط وننهض من جديد، لكل يوم سرّه وسحره، نغامر، نحلم و»الحلمة ماتوفاش»، بآلامنا وبدمائنا وأصواتنا الحية نصرخ ونقول لا للظلم لا للمستحيل لا للقهر، نحن مرآة المجتمع، ندافع عن عمقنا الانساني، ندافع على تنوعنا، على حضارتنا وأحاسيسنا، أعمالنا جزء منا من ضحكة مسروقة وحلم متواصل، كل يوم نسعى لنكون أقوى ونصنع عالم الامل الصادق، هكذا يتجدد الحلم عند ابن ماجل بلعباس من العدم تولد الرغبة في البقاء، أفكار لا تنضب وإبداع متواصل لتكون مدينته مركزا ثقافيا وبعد التظاهرات الباحثة في تراث المنطقة، و«الكميون الثقافي» و «فضاء فينوس» سيكون للمدينة قرية ثقافية، والقرية الثقافية مشروع فكرة لبلال علوي مشروع يتطلق من الخردة، «السيارات المرمية والحافلات الخردة المرمية في كل مكان، لم لا تصبح فضاء للابداع، لم لا نحول تلك «الخردوات» المنسية الى نواد للرسم والموسيقى والحرفة ويصبح لماجل بلعباس فضاء للعائلات» هكذا يتحدث صاحب فكرة «القرية الثقافيةـ ويضيف ان القرية الثقافية ستكون في منطقة البرج اين توجد المواجل الرومانية وبقايا شجرة البطومة المغتالة لرمزية المكان الثقافية والتاريخية، القرية الثقافية المشروع المرتقب سيحول الماجل الى حاضنة للإبداع ويكون فضاء لاجتماع كل الحالمين، الفضاء سيكون صوتا ليانوس إله المداخل.
يقول درويش»ساصير يوما ما اريد، ساصير طائرا واسلّ من عدمي وجودي» ويقول المسرحي بلال علوي ساصير كما طائر الفنيق كلما احترق نهض من رماده، ستصير احلامي حقيقة وواقعا ويكون لابناء الريف حقهم في الفعل الثقافي فانا حوار الحالمين وقلب العاشقين للفن.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115