«ورد وكرطوش»... ألوان الحياة تطغى على اللون الأسود بسفح جبل سمامة ..

شغفهما بالفن وإيمانهما بقدرة الإنسان على الخلق والإبداع.. دفع بالفنانة التشكيلية هدى غربال والفنان وديع المهيري

إلى الغوص في متاهات شائكة قد أرقت المجتمع الإنساني منذ البدء وجعلته يرضخ تحت معضلة فلسفة المتضادات بما في ذلك الخير والشر، السلم والحرب الحب والكراهية ..

والألم والأمل والحياة والعدم من خلال معرضهما الفني «ورد وكرطوش 2» الذي انتصب بسفح جبل سمامة بمنطقة «خشم جامع» معتمدية سبيطلة ولاية القصرين.

الأطفال جزء من الملحمة
وقد اختار هذا الثنائي المبدع سفح جبل سمامة لما يحمله هذا المكان من ازدواجية في الرمزية التي تحيل إلى قداسة المكان على أنه جبهة الدفاع عن الوطن ودنسه في آن واحد برائحة «الكرطوش» من طرف الإرهاب .. وقد راهن هذان الفنانان على الأطفال تنظيرا لمستقبل أفضل.. وقد تم اختيار مدرسة الوساعية لتكون الفضاء المفتوح لمعرضهما الذي يشمل أعمالهما الفنية وابتكاراتهما الرائعة.. هذا إضافة إلى ورشة للأطفال يومي 18 و19 نوفمبر 2016 .. تم من خلالها صنع فزاعات قد تجاوزت شكلها النمطي والتقليدي على أنها فزاعات عصافير تحمي الحقل .. لتتحول إلى فيلق ضخم لجنود صغار قد تلقوا الأمر منهما بالتموقع في الصفوف الأمامية لساحة المدرسة على أنها ساحة قتال ينهزم فيها الجهل والإرهاب بسلاح الثقافة والفن .. وقد رسم الأطفال ثوب الفزاعات بالألوان الزاهية والزهور العبقة برائحة المكان بما في ذلك الإكليل و الصنوبر والعرعار كما قرروا كذلك تلوينها من الوجه الآخر بلباس الجيش التونسي المفدى .. معادلة فنية جميلة وهادفة تحيل إلى شجاعة الأهالي وتشبثهم بالأرض رغم الأخطار التي تحيط بهم ورغم محاولات العدو في ترحيلهم من الديار كما تحيلنا كذلك الألوان الزاهية والورود على رحابة قلوبهم وتعطشهم للسلم والحب ..

الجبل معرض مفتوح لكل الفنون
منذ اسبوع والجبل يعيش على وقع الرسم واللون وحركة الصغار الدؤوبة لصناعة الفرح وصناعة عساكر كما يرونها وسيتم عرض هذه الإنتاجات الفنية اليوم ومن خلالها يتم عرض أعمال الفنانة التشكيلية هدى غربال وهي عبارة عن أفكار مقننة وضعت في شكل دائري حملتها رؤوس آدمية برزت من أفواه قنوات مترابطة فيما بينها تتغذى من نفس المصدر القذر .. وقد رصفت في شكل قطيع منظم يخضع لقوانين صارمة تحيلها إلى الانصياع والتبعية المفرطة ..هذه الرؤوس حملت ما لم يطاق من تشوهات غريبة في مختلف حواسها السمعية والبصرية قد أقصتها عن المجتمع الإنساني... حيث أرضخت تحت سيطرة سلطات متحجرة لغة التجديد والمعاصرة ونادت بالتبعية المفرطة وتحجر الفكر والروح ورمت بها بعيدا عن عالم الحلم والحرية .. فكانوا الأحياء الأموات الذين يودون أن يناموا قرنا أو قرنين ليصحوا بأفكار أخرى حيث نصبتهم الفنانة هدى غربال كنموذج لمجتمعاتنا الراضخة لسلطة الأقوى .. بما في ذلك إيحاء لقانون الغاب المقنن القاتل للإنسانية.. هكذا جمعت هذه الفنانة بين الفن والسلطة بطرق فنية رائعة شابهت السحر والخيال ... هذا إضافة إلى الكواكب الأربعة للفنان وديع المهيري والتي لم تختلف عن الرؤوس في تشوهاتها حيث حملت في دواخلها جحيم الحروب و ما تخلفه من تصدعات وحروق ودخان .. جشع الإنسان تجاوز الزمان ليطال المكان فيحمله تشوهات قد عجز على حملها مما دفع بهذا الفنان في البحث عن كوكب غير هذا الكوكب الهش الذي يتهاوى تحت الأقدام ..أعمال فنية منحوتة من صميم الواقع حملت في مضمونها نقدا

بناءا ورسائل متعددة نادت بالحياة والفن.. من خلال المعرض الفني «ورد وكرطوش» الذي أختار سفح جبل سمامة ليدمج الحلم بالواقع يتقاسم فيه هذان الفنانان شجاعة متساكنيه وعشقهم الأزلي لهذه الأرض المقدسة مما يجعلهم في حلة تأهب قصوى للحرب والحب في آن واحد وفي ضلوعهم في كل آن «ورد وكرطوش».

ورد وكرتوش ليس مجرد معرض لدمى عملاقة وعساكر من صنع الأطفال تحت إشراف الفنانين هدى غربال ووديع المهيري بل هو رسالة حياة يرسلها الفنانون وأحباء الجبل ليؤكدوا أن تلك الأرض صادقة وأبناؤها متعقلون بحب الحياة وان أرضهم ولاّدة ارض للإبداع والفن ورد كرتوش معرض فني يخمل بين طياته إرادة حياة صلبة لا تخشى جبروت الزمن ولا قساوة الجغرافيا.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115