الفنان لسعد بن عبد الله لـ«المغرب»: أبحث في الذاكرة الموسيقية لأن التراث هو هوّيتنا التي تحدّد ماهيتنا

انشغل بالفنّ فكرا وتفكيرا، إخراجا وتمثيلا، طموحا وحلما وحياة. فتقاسمت مسيرة الفنان لسعد بن عبد الله خشبة المسرح وعدسة السينما وشاشة الدراما التلفزية وهو الذي ينشد الإبداع ويبحث عن التجديد والتجدّد...

ولأنه يريد في كل مرة أن يكون مختلفا ويأبى أن يكرّر نفسه كانت مسرحيته الأخيرة «المغروم يجدد» وليدة التنقيب عن آليات مغايرة في منظومة الاشتغال على عمله الجديد. في هذا السياق التقت «المغرب» بالفنان لسعد بن عبد الله في حديث عن الفن وشجونه في تقاطعه بالواقع الراهن وتمثلاته الآن وهنا...

• مساء اليوم سيكون عرض آخر مسرحياتك «المغروم يجدد» والتي هي عبارة عن رحلة في عالم «الكافيشانطا» في كوميديا غنائية مفعمة بالرمزية... فما هي مقاصد القول في هذا العرض للمخرج لسعد بن عبد الله؟
في البداية لابد من الإشارة إلى أن هذه المسرحية تتخذ سنوات ستينات القرن الماضي إطارا زمنيا لأحداثها سيّما تلك المرحلة الاقتصادية الصعبة التي مرّت بها البلاد التونسية سنة 1968 بفشل التجربة التعاضدية التي انجرت عنها مجموعة من التحوّلات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية... ونحن إن تناولنا هذه الفترة الزمنية من تاريخ بلادنا في مسرحية «المغروم يجدد» فإننا اشتغلنا الآن وهنا على هذا التقاطع بين الماضي والحاضر، بين تونس أمس وتونس اليوم.

وإن بقيت «الكافيشانطا» حيّة في ذاكرتنا ومخيالنا الشعبي بالرغم من التغيير الذي اعترى بطحاء باب سويقة، فإن «المغروم يجدد» تبعث على الركح أجواء الكافيشانطا من جديد بالاشتغال على باقة من الأغاني للفنان صالح الخميسي باعتبار أن المسرحية هي تمرين فوضوي لفرقة فنية في الليلة السابقة لافتتاح سهرات الكافيشانطا في شهر رمضان بباب سويقة. وإن يبدو عرض «المغروم يجدد» في ظاهره كوميديا موسيقية مضحكة فهو في باطنه جدّ ونقد للراهن السياسي والاقتصادي والاجتماعي ولواقع الفن وللوضعية الهشة للفنان... وإن أتوّلى إخراج هذا العمل المسرحي فقد كتب نصه الفنان الحبيب بلهادي في حين يلعب أدواره على الركح كل من فتحي مسلماني ومريم الصيّاح وجمال المدّاني وفرحات الجديد وحاتم اللجمي ووجدي البرجي.

• من «المنسية» مرورا بـ«الزقلامة» وصولا إلى «المغروم يجدد»... يحضر الاشتغال على التراث الموسيقي، فهل أن العزف على أوتار الذاكرة الشعبية هو الخيار الفني للسعد بن عبد الله؟
كانت البداية في الاشتغال على الذاكرة الموسيقية منذ أن أخرجت عرض «المنسيات» سنة 2001 بعد البحث الدقيق في التراث الكافي.أما في «المنسية» التي كانت حاضرة في خمسينية مهرجان قرطاج الدولي فقد وسعنا دائرة اهتمامنا لتشمل الشريط الحدودي للبلاد التونسية انطلاقا من الشمال الغربي وصولا إلى الجنوب الغربي. وفي «الزقلامة» استغنيت عن العدد الكبير للفنانين على الركح واستعنت فقط بالفنان «الشاب بشير» والراقص «رشدي بلقاسمي» وآلة وحيدة وهي الطبل. وكان عرضا ناجحا استمد قوّته من هذا التوظيف المتجدد للتراث.
ولعلي أصيب في القول بأن هدفي دائما هو محاولة تطوير آليات الاشتغال على التراث لأننا اعتدنا على سجن هذا التراث في «الفلكور» بما يحمله هذا المصطلح من استنقاص واحتقار في حين أن التراث يعني هوّيتنا التي تحدّد ماهيتنا...

• من المسرح إلى السينما إلى الدراما التلفزية... كيف تمتلك مفاتيح التحكم في الدور المتغيّر والمتحوّل من الخشبة إلى الشاشة؟
لدي إيمان راسخ بأنه ما بين كتابة المؤلف وزاوية المخرج هنالك مساحة حرّة على الممثل أن يقتنصها ويجيد اللعب فيها حتى يحقّق الإضافة ويخلق الفارق في الأداء... ولأن الفن ألوان متعددة ووجوه متنوّعة فهو يبقى تجربة متجددة تتطوّر باجتهاد الفنان في اكتشاف مفاتيح التغيير في آلياته، منظومة عمله، تحدياته ...

• وأنت الشخصية «المخضرمة» ما بين المسرح والسينما... هل تابعت الدورة الأخيرة من أيام قرطاج السينمائية وما هي انتظاراتك من الدورة القريبة لأيام قرطاج المسرحية؟
في الحقيقة لم أتابع أيام قرطاج السينمائية في دورتها الأخيرة فقد تلقيت دعوة لحضور الافتتاح لكن تعذّر عليّ الحضور لانشغالي بعرض مسرحيتي «المغروم يجدد» في المساء ذاته الذي شهد حفل الافتتاح. وقد حاولت اقتطاع التذاكر لمشاهدة عدد من الأفلام التونسية لكني وجدتها قد نفدت غير أني في المقابل سررت كثيرا بهذا الإقبال الكبير للجمهور التونسي على قاعات السينما. ولعلّ ما أزعجني هو القول بأننا لا نجيد التنظيم في تونس فهذا ليس صحيحا والتعميم غير جائز فلدينا عديد الأدلة الناجحة التي تفنّد هذه المقولة. كفانا تشاؤما ولننظر إلى الجزء المضيء والجانب الايجابي في مختلف تظاهراتنا الثقافية بعيدا عن هنّة التنظيم التي تتجاوز مسؤوليتها المدير وتتحمّلها «ماكينة» بأكملها.
وبخصوص أيام قرطاج المسرحية فكل ما تناهى إلى مسامعي عنها هو أنها تشكو من ميزانية ضعيفة لا تفي بالمطلوب والمنتظر منها...

• كيف يمكن أن تكون مساهمة الفنان في دعم نشاط المجتمع المدني وقد خضت هذه التجربة وانخرطت في هذا الالتزام؟
أستطيع القول من خلال تعاملي مع آمنة منيف في إطار جمعية «كلنا تونس» وسناء بن عاشور في سياق جمعية «بيتي» أن هاتين السيدتين كان لهما الوعي المسبق في استشراف المستقبل بأن التربية والثقافة هما العلاج والحلّ لظاهرة الإرهاب على المدى البعيد في حين يقتصر الطرح الأمني على المدى القريب. واستطعنا من خلال هذا التعاون بين النشاط المدني والالتزام الفني النفاذ إلى الجماهير الواسعة والفئات المهمشة في الأرياف والمدن ... وفي هذا السياق سيرى النور قريبا فيلم جديد للمخرجة هند بوجمعة يتناول قضية النساء المشردات دون مأوى والتي تهتم بها جمعية «بيتي».

• ألا ترى أنه ما بين القول بأهمية دور الثقافة اليوم والواقع الذي يترجمه تراجع ميزانية وزارتها ... بون شاسع؟
فعلا... مرة أخرى جاءت ميزانية وزارة الشؤون الثقافية في مشروع ميزانية 2018 مخيّبة للآمال ومحبطة للعزائم والحال أن الحق الثقافي مبدأ دستوري! قد نمتلك نحن الفنانين جسارة الإقدام في الصفوف الأمامية من أجل مقاومة الإرهاب والجهل والتخلف... ولكن في غياب الإمكانات التي هي قوام الأعمال ليس في وسعنا فعل الكثير ...

• إلى أي مدى يستطيع الفن التونسي أن يعكس هموم المواطن وآماله، هواجس المجتمع وأمنياته، خيبات الوطن وأحلامه... ؟
 الفن هو فطرة راسخة عند الشعوب وشكل من أشكال وعيها وتفكيرها... ومن هذا المنطلق فإن التعبير الفني هو هاجس إنساني بالضرورة ومهما حاول الفنان الابتعاد في عمله وإنتاجه عن الراهن فحتما سيكون هذا الواقع حاضرا بشكل أو بآخر بمختلف مناخاته وإرهاصاته ودلالاته...

• وهل من ضرورة اليوم إلى مسرحة واقعنا السياسي واقتحامه بشكل فني من أجل تفكيكه ومحاولة تفسيره... ؟
أدعو قراء هذا الحوار إلى اكتشاف الإجابة عن هذا السؤال في مسرحية «المغروم يجدد»...

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115