مسرحية «قم» لمحمد الطاهر خيرات في إطار الاحتفال بخمسينية الفرقة الجهوية بالكاف: المسرح أداة للنقد ودعوة للإصلاح ...

تحتفل الفرقة الجهوية بالكاف بخمسينيتها في قاعة الريو بالعاصمة ، خمسون عاما مرت على فرقة الكاف وانتاجاتها في المشهد المسرحي التونسي، في قاعة الريو انطلق الاحتفال بالخمسينية مع معرض لاعمال المركز و شريط وثائقي عن فرقة الكاف ومساهمتها في الحركة المسرحية لتونسية واختتام اليوم الاول كان مع العمل المسرحي «قم».

«قم» مسرحية من تاليف ودراماتورجيا نور الدين الهمامي و عبد الرؤوف الهداوي، واخراج محمد الطاهر خيرات عن رواية «الحد الأدنى» لنور الدين العلوي، وتمثيل كل من عبد الرحمان/ لشيخاوي ومنير خزري ونور الدين الهمامي وسهام التليلي عمل من انتاج مركز الفنون الركحية والدرامية بالكاف.

الدروس الخصوصية دين البعض
صوت ذباب يملأ القاعة، منذ الاعلان او معلقة المسرحية يتساءل المتفرج عن سبب اختيار البعوض للزينة في المعلقة، هل للإشارة الى مكان يكون فيه حشد كبير من الناس ضجيجهم كما الذباب، او للإشارة الى بعض الانفس المريضة التي تزعج الاخر كما يزعجنا الذباب احيانا فمن مضار الذباب انها «تعدّ حشرة مزعجة وذلك بسبب طيرانها حول الإنسان ممّا يجعل الإنسان ضجرا» كذلك بعض الاخلاقيات التي يتعايش معها الانسان وتقلقه كما الذباب...

طاولة توسطت الركح، فوقها جسد مكوم بين الكتب، كل المنبهات تستصرخه لينهض، موسيقى قوية توقظ النائم، كتب متناثرة على الأرضية يلبس الميدعة البيضاء يحمل كتبه ومحفظته، يبدو انه معلم، يستعد للالتحاق بالمدرسة، فأربعة شخصيات اخرى تلتحق بالصف لانجاز تحية العلم «المقدسة وسبب ادانة لكثيرين ان قصّروا».

في «قم» موضوع العمل اربعة معلمين، احدهم «سي علي» (منير خزري) مدير مدرسة، عانى الكثير من الظلم والحيف لسنوات طويلة، مشكلته الازلية رفضه للدروس الخصوصية، معلم يؤمن أن المعلم رسول ومن واجباته أن يولي اهتمامه الى التلميذ مهما كانت درجة ذكائه ولكن لان «الدروس الخصوصية اصبحت عقيدة الكثير من المعلمين» وأمام تعنّت سي علي ورفضه للدروس الخصوصية تنطلق الدسائس من «مدحت» (عبد الرحمان الشيخاوي)، معلم من المؤمنين بقيمة الدروس الخصوصية واهميتها للمعلم والتلميذ، فيكتب التقارير في «سي علي» والتهمة عدم حضور تحية العلم» وتستجيب السلطة العليا الى تقاريره وتعينه مديرا لمدرسة «ما اروعك» ليكتشف المتفرج ان عقلية «رزق البيليك» التي يعمل بها البعض، و منطق «هذا متاعنا» و التعامل مع التلميذ على اساس «دجاجة تبيض الذهب» هو ما ترمز اليه صوت الذباب وحضوره اللامرئي في العمل، وللاشارة فقد ابدع عبد الرحمان الشيخاوي في تجسيم شخصية سي مدحت واقنع جمهوره ليكشف انه ممثل بالاساس قبل ان يكون مغنيا له صوت مميز، الشيخاوي اثبت قدرته على النجاح في التمثيل وشد انتباه المتفرج خاصة ودوره يتطلب التعبير بملامح الوجه والحركة وقليل من الكلام.

في «قم» الكثير من السخرية السوداء، نقد للمعلمين الذين تخلوا عن دورهم الاساسي واقتصروا على الدروس الخصوصية، نقد للمعلمين الذين تخلوا عن اخلاقهم واهتموا بالدسائس وكتابة التقارير بحثا عنه المناصب، سخرية جسدت من خلال الحركات المضحكة فجميعهم غير سوي في حركته على الركح، سخرية من خلال الماكياج الابيض الموضوع على الوجوه وعوض تزيينها يشوهها وكأنه يكشف ماتبطنه النفس،طريقة الكلام ايضا تضحك وتدفع للسؤال كما هو الشان لدى الممثلين نور الديـــن الهمامي وسهــام التليلي سخرية من خلال «الميدعة البيضاء» التي بدت في شكل اجنحة الذبـــاب، نقد وسخرية وجه من على المسرح للمعلمين الذين تناسوا انهم سند التلميذ وأصبحوا كابوسا للدروس الخصوصية.

هل للشرفاء مكان؟
الكل يتحرك ببطء، اصوات منفرة تبعث كامل القاعة، كلماتهم غير مفهومة، حركاتهم أيضا سخرية من الموظفين و طريقة اداء الواجب، في «قم» دعوة الى الإصلاح دعوة الى الالتزام بالواجب أولا في العمل دعوة للاهتمام بالإنسان والأخلاق قبل الاهتمام بالشكل الخارجي، في العمل دعوة الى تبجيل الشرفاء لا اهانتهم والزج بهم في السجون، في العمل الكثير من الوجيعة نقلت من خلال الموسيقى الحزينة والضوء الخافت، بالاضافة الى حديث احدهم عن وضعية المدارس الريفية ومايعانيه التلميذ والمعلم على حد السواء، هناك بعيدا عن المركز تكون الوجيعة مكررة هناك انعدام لسبل راحة المعلم والتلميذ، بنية تحتية مهترئة ومدارس لا تتوفر بها اقل وسائل الراحة والصيانة، هناك بعيدا لم تتغير حال المدارس من سنين، اليس الاهتمام بها اولى من المشاكل الثانوية؟.

في مسرحية قم دعوة الى تبجيل الصادقين وتكريم الشرفاء وعدم الاصغاء الى التهم والتقارير، في العمل سخرية ايضا من بعض التصريحات السياسية والإعلامية التي حدثت الفتنة بين ابناء الشعب الواحد، في العمل سخرية من ظواهر يراها البعض سلبية ومن بينها تعيين اخت الشهيد على رأس احدى الوزارات ففي مشهد موت احد الامنيين يسقط ارضا ثم يعيد النهوض ويقول «يا رب يحطوا اختي وزيرة» جملة اثارت سخرية جمهور «الريو»، وفي مسرحية «قم» الكثير من الترميز فكل الفصول تنتهي بمقولة «ساشي كحلة والا غراب هذيكا»، احالة الى سواد ينتشر في سماء البلاد، سواد ربما هو رمز للظلم و التمييز وسيطرة النقابات وتغولها وانتشار سياسة المصلحة الفردية على حساب مصلحة الجماعة والوطن.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115