العرض الاول لمسرحية «المدك» نقد ساخر للسياسة والمجتمع

«أمران لا حدود لهما .. الكون والغباء البشري، مع أني لست متأكداً بخصوص الكون» هكذا يقول انشتاين عن الغباء، ولان الغباء صفة انسانية ومجتمعية نقدتها سامي منتصر في عمله الجديد «المدك» والـ«المكّ» كلمة تونسية ومعناها الشخص الغبي جدّا، والمدك ظاهرها هزل ونقد ظاهرة مجتمعية لدى بعض الاشخاص وفي باطنها نقد لمشاكل مجتمعية

وسياسية قدمها ثلة من الممثلين بطريقة جد مميزة.
في المدك يشارك كل من توفيق البحري وزهير الرايس وصلاح مصدق وحمدي حدّة ومحمد علي بالحارث و اباء حملي واميمة المحرزي جميعهم يتشاركون في مهمة ادخال الضحكة الى الجمهور ضحكة خلفها الكثير من النقد، جميعهم لعب دورا ساخرا وجادا في الحين ذاته، عمل جمع مجموعة من نجوم الدراما الذين اثبتوا انهم ابناء المسرح اولا و المسرح هو الحكم الاول في مسيرتهم الفنية.

بين الهزل والجد...نقد موجع للمجتمع
المكان المسرح البلدي، الحدث العرض الاول للمسرحية الجديدة «المدك» عمل للمخرج سامي منتصر، للزائر يبدو الركح وكانه منزل رتيب وانيق، مجموعة من اللوحات تزين الحائط، اريكة وهاتف، حوار بين سي الياس (زهير الرايس) وزوجته سارة (اباء حملي) عن عشاء الاربعاء، فحكاية العمل هو قيام مجموعة من الاشخاص الميسوري الحال بدعوة شخص «غبي» ويضعونه بينهم للسخرية منه ومن افكاره ومن طريقته في التعامل او العيش، حكاية ماخوذة عن فيلم le diner de cons للمخرج francis veber، الفيلم الذي صدر عام 1998 نال اكثر من ست جوائز مستوحى من مسرحية تحمل الاسم ذاته عرضت في العام 1993.
وحسب المسرحية قام الياس بدعوة انور الشاطر (توفيق البحري) للسخرية منه ولكن يصاب الياس بوعكة صحية تمنعه من حضور حفل العشاء و يحضر انور الشاطر الى الياس وتنعكس الاحداث وعوض ان يكون الشاطر هو الضحية يصبح سيد الموقف والأحداث، في «المدك» الكثير من السخرية والكثير من الضحك، لساعتين تمتع الجمهور بضحكة صادقة بعيدة عن «كليشيهات» الوان مان شو ومسرح البوز وسكاتشات الفايسبوك، لساعتين التقى الجمهور مع الممثل المميز توفيق البحري الذي عرفه الجمهور لاكثر من 40 عاما في الدراما والمسرح ليظهر لجمهوره انه فنان مميز وحضوره يقلب الاحداث لصالحه، البحري تقمص شخصية «المدك» واقنع الجمهور، لساعتين والجمهور عاجز عن الانقطاع عن الضحك لشدة هزلية المواقف.

«في المدك» يصبح الضحية هو سيد الأحداث فانور الشاطر الغبي الذي دعي ليكون ضحية رجال الاعمال حتى يسخروا منه ومن اختراعاته وافكاره، يصبح محرك الاحداث وتصبح حياة الياس بين يدي غباء رجل غبي، «المدك» يفتك زمام الامور من الذكي جدا وأصدقائه فلساعة وحيدة يطرد زوجته ويجلب اليه «مراقب مصاريف» و يدفعه للكذب لمرات عديدة، مشاهد كوميدية وساخرة اضحكت جمهور المسرح البلدي ولكنها في الوقت ذاته هي كاريكاتورية توجه اصابع النقد لظاهرة «الحقرة» و«السخرية» التي يعيش بها الكثيرون و تتعامل بها طبقة اجتماعية معينة مع الطبقة الاقل حظوة، في «المدك» نقد للتميز المجتمعي، نقد لسياسة المحاباة التي يتعامل بها بعض افراد المجتمع مع من هم اقل ذكاءا، في «المدك» الكثير من النقد، ابدع توفيق الغربي في كشف بعض عورات المجتمع وتميز زهير الرايس في الاشارة الى الخلل الذي تعانيه العلاقات المجتمعية والتصدع بين مختلف فئات المجتمع، في «المدك» يقلب السحر على الساحر» كما يقول المثل ويصبح ذاك السيد ضحية لذكائه وسخريته من فرد عاشق للعمل اليدوي والاختراعات البسيطة، في «المدك» تجسيد لمقولة اودولف هتلر « ان العقول الفارغة وحدها تحكم على المظاهر».

بين طيات السخرية نقد للسياسة
«المدك» مسرحيـة ساخــرة، وهـزلية، لساعتين لن تتمكن من كبت جماح نفسك، ستضحك وتضحك كثيرا، ولكن للحظات ستجدك تبحث عما تخفيه تلك الضحكة السوداوية و ما خلف ذاك الكم الهائل من الهزل ستجدك امام مسرحية سيــاسية ساخـرة، مسرحية تسخر من سياسة البعض في التعامل مع كبار موظفي الدولة، ستجدك امام منطق الرشوة و محاولة استقطاب موظف سام لخدمة ما.

ففي المسرحية شخصية «انور الشاطر» المدك التي جسدها توفيق البحري هو موظف في «القباضة» ومغرم بالاختراعات، من اعواد الثقاب المرمية يصتع قناطر صغيرة ومختلفة، في «المدك» وفي اطار بحث الياس عن زوجته يضطر لدعوة «غارا» (صلاح مصدق) وهو موظف معروف يصلابته وصرامته في مهنته الجبائية، للحظات يحاول الياس اخفاء كل اللوحات الموجودة في منزله خوفا من الحس المهني لدى «غارا»، يخفي الحقائق ويقدم عشاءا ومشروبا للموظف عله يعرف عنوان احدهم، مشهد يكشف عن علاقة البعض بالموظفين الصادقين، مشهد يكشف عن الرشوة، ومحاولة الكثيرين اخفاء الحقائق واستقطاب ثقة الموظفين وربما شراء ذممهم فقط لخدمة مصالحهم الشخصية ومتى كان الموظف صارما يصبح «الخبث» و الممطالة هما الحل، كما فعل الياس في مسرحية: «المدك»، المدك مسرحية ظاهرها هزل وباطنها نقد للمجتمع، نقد للعديد من الظواهر الاجتماعية المنتشرة في مجتمعنا، انطلق من نقد الغباء وغاص في توتر العلاقات الزوجية وغياب الثقة بين الزملاء في العمل، الى سيطرة كرة القدم على بعض العلاقات، لحدّ نقد سياسة تعامل رجال الاعمال مع كبار الموظفين، سخرية وإضحاك خلفه توجيه أصابع الاتهام الى الكثيرين الذين يبدون من علياء القوم وفي الحقيقة هم يزورون الحقائق ويحاولون قمع كل فكرة مخالفة.

«المدك» في عرضها الاول حققت نجاحا جماهيريا، جمهور متعطش الى الضحك، مسرحية قطعت مع المبتذل وقطعت مع الاعمال المشحونة بكم هائل من الظلامية والغضب والنقد المباشر، عمل اساسه التلميح ، يوفر لجمهوره الضحكة والتفكير في آن واحد.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115