Print this page

مسرحية «ليس بعد» في التياترو: الجنون نصيب كل من يحاول فهم مشاكل الوطن

في «ليس بعد» الكثير من النقد وهناك ارادة وتعب وإصرار وقناعات صلبة ومبادئ، ونحن في المسرح التونسي نجاهد من اجل الكلمة والمبدأ والحق والجمال، والأعمال في اغلبها محكومة بالوعي، لانه يجب ايصال صوت الشعب كما تقول المخرجة انتصار عيساوي.

السخرية السوداء ضحكة في قالب وجيعة
لا وجود لديكور على الركح، فقط اجساد الممثلين هي الديكور مع كرسي وضع في الركن، ضوء اصفر قسم الخشبة نصفين، موسيقى قوية وكانها صوت لضوضاء بعد حدوث عملية انفجارية، صخب ولغو؟ على الركح شخصين، رجل وامرأة هو يلبس الاسود وهي تلبس اللون الاخضر، يتحدثان «يظهرلي البلاد ركحت، أما لازم نكملوا المهمة يا زميل»، منذ الجملة الأولى يجد المشاهد نفسه أمام «عوني أمن مكلفين بمهمة سرية القضاء على خلية إرهابية بدأت تستفيق».

حركات مضطربة، انفس متهدجة وكانها اشارة الى ما يعانيانه من اجهاد اثناء اداء المهمة السرية، كلاهما يردد «نموت نموت ويحيا الوطن» و ليس مهما ان تعرف لمن يبقى بعد موتنا فقط المطلوب «حداد3 ايام» و «جنازة وقبر يكتب عليه اسم الشهيد» كما جاء في نص المسرحية.
تتواصل الجولة الساخرة للشخصيتين، يتواصل معه اداء المهمة، يختلف الضوء والموسيقى في الدلالة على تغيير مكان الاحداث، هما تونسيان يحبان هذا الوطن، امنيان يقومان بمهمة ويريدان اتمامها بكل شجاعة، وفي رحلتهما يعترضهما الكثير، الكثير من الفساد، الرشوة، والمحسوبية، سرقة احلام الشباب، ارتفاع البطالة وغلاء المعيشة ، «مانيش مسامح» و «الشعب يريد»، الدين والناطقين باسم الله في الارض، قتل وتفجير، وغيرها من العبارات والمظاهر التي انتشرت بعد الثورة، مظاهر نقدت بحدة وأسلوب ساخر، على الركح أمتع الممثلان الحضور بأداهما المضحك وطريقتهما الساخرة في نقد ماتعيشه تونس منذ الثورة إلى اليوم، الكثير من النقد صاحبته سخرية سوداء تجعلك تطرح على نفسك عديد الأسئلة أولها «ما اللذي قدمته لهذا الوطن؟ هل حاسبنا انفسنا قبل ان نحاسب الآخر لم كل هذه اللامبالاة بمشاكل الوطن؟ ولم كل هذا الجشع عند السياسيين؟ سخرية على الركح من انتشار الفساد و الاهتمام بالسفاسف مقابل نسيان المشاكل الحقيقية لهذا الوطن.

المسرح ناقد موجع بين التلميح والتصريح
على الركح هناك الكثير من النقد تلميحا وتصريحا، فالممثلان حمّلا الاحزاب ذات التوجه الديني جزء من مشاكل البلاد، فاعضاء البرلمان المتمتعين بالحصانة هم جزء من مشاكل الوطن وسبب من اسباب وهته، ولكن الحصانة الاكبر «في مونبليزير» و«مونبليزير» في الوعي الجماعي التونسي تشير الى حركة النهضة.
تتواصل جولة الشخصيتين الوحيدتين في العمل، يتواصل النقاش عن الاحزاب ودورها في اغراق البلاد في مجموعة من المشاكل، نجدهم يصطادون الفاسدين كما تصطاد الفئران، يضعان المصيدة وينتظران سقوط فاسد واغلبهم كما يقول نص العمل من الاحزاب ونواب الشعب ورجال الاعمال.
في «ليس بعد» الكثير من النقد للاحزاب الدينية، نقد لمن يعتقدون انهم الصادقين ووحدهم مخول لهم الحديث باسم الله، في أحد المشاهد نجد الامنييين في جبل المغيلة وللمغيلة رمزيته ايضا فهناك ذبح الشهيدان السلطاني إذ يموت الجبناء مرات عديدة قبل أن يأتي أجلهم، أما الشجعان فيذوقون الموت مرة واحدة ، هناك يقابلان امير الكتيبة ويحاولان ‹قتله لحماية تونس فتكون النتيجة اصابتهما بالعمى، مشهد يشير الى صدق الكثيرين الذين يرددون يوميا «نموت نموت ويحيا الوطن» يموتون ويوضعون في قبورهم وينسون مشهد تساءل معه الممثلون عن حق الشهيد؟ عن ذكراه وعائلته؟ وهل تكفي تلك الرخامة لنقول شكرا لمن يفتدي تونس بروحه؟ بالنص الذي كتبه حمودة بن حسين وانتصار عيساوي حاولا ان يكونا صادقين فمداد قلم الكاتب مقدس تماما كما دم الشهيد.

المثقف و الفنان مشاكله قد تجلب الجنون
المسرح ممارسة لفعل الحرية، المسرح عنوان للجرأة والنقد دون خوف على الركح يمكن للفنان الغوص في المحظور والممنوع، على الخشببة يحملون المتفرج الى كل عوالم النقد ويفتتون الظواهر الاجتماعية والسياسية التي تعيشها تونس هكذا هي مسرحية «ليس بعد» مسرحية تشير مباشرة الى اسباب الداء ، على الركح نقد الممثلان حال المثقف في وطني، بجسديهما نقلا معاناته، وجيعته والظلام الذي يعيشه في رحلة بحثه عن مصدر للعيش.

عن مشاكل الفنانين والمسرحيين خاصة، عن سبب إنهاكهم وتعبهم المتواصل، عن وجيعة المسرحيين تحدثا بتصريح تام بعيدا عن التلميح فمشاكل الفنانين ومشاكل المسرحيين تتطلب الكثير من الجرأة، حينها يتغير الديكور والموسيقى وتقول «وقت زريقة لازم نرجعوا» بعد ساعة من النقاش المتواصل وتلك الرحلة في الحديث عن الفساد والفاسدين وقانون المصالحة و»وينو البترول» والبطالة والوطن والوطنية يكتشف المتفرج ان الاحداث تدور في مستشفى للمجانين، والشخصيتان هما نزيلان في المستشفى يسرقان يوميا لحظات من الزمن ليتحادثا، وهذه المرة كان الوطن محور الحديث، صدمة طرحت سؤالا «ان كان المجنون يتحدث بهذه الحكمة عن هموم الوطن، فكيف بالعاقل؟ وهل كل مايعيشه التونسي قد يؤدي الى الجنون فعلا؟

المشاركة في هذا المقال