مثقفون يتحدثون لـ«المغرب» عن البرامج التربوية والإرث الديني : نحن في مرحلة حرجة لا يمكنها التصدي لثقافة الموت المعادية للإنسان..

هل على وزارة التربية أن تدرّس النصوص التي تفكّك الإرث الديني حتى يتشبّع التلميذ بالفكر النقدي؟ كيف يصبح عقل المتلقي عندما تصادر المناهج المَلَكة النقديّة؟ وكيف يتجلى أثر المناخ التربوي على الناشئة؟ تبيّن أستاذة علم الاجتماع فتحية السعيدي أن التجارب

العلمية تعكس بشكل واضح أثر المناخ التربوي على الناشئة وتكشف الهنات والإيجابيات الناجمة عن كل منهج ومناخ تعليمي ومن جهته يعتبر المؤرخ عادل اللطيفي أنه من المهم الاعتماد على تدريس الإسلام والظاهرة الدينية عموما عبر نصوص تتم معالجتها من خلال مقاربة العلوم الإنسانية، وتستنتج الباحثة ناجية الوريّمي أنّ المناهج التي تصادر المَلَكة النقديّة، لا يمكن أن تجعل التلميذ واعيا بنوعيّة المعرفة التي يتلقّاها وبآليّات إنتاجها...

المؤرخ عادل اللطيفي
تدريس الظاهرة الدينية من خلال مقاربة العلوم الإنسانية
يعتبر المؤرخ عادل اللطيفي في حديث مع «المغرب» أنّ الأبحاث حول التطرف الديني المؤدي إلى الإرهاب بيّنت أن «أغلب الشباب الذي تم تأطيره وتورط في عمليات إرهابية له مستوى دراسيا متدنيا. أي أنهم لا يمتلكون وسائل نظرية تمكنهم من الوعي بالإنسان وبالمجتمع وبالإسلام. وحتى إن وجد بعض من لهم مستوى جامعي فإن أغلبهم من المتخصصين في العلوم الصحيحة أو في المجالات التكنولوجية. وهي بدورها علوم أبعد ما يكون عن تكوين ذلك الوعي المنشود».
ويرى اللطيفي في هذا الإطار أنّ العلوم الاجتماعية والإنسانية تلعب دورا مهما في التصدي للتطرف الديني باعتبارها تمثل مقاربة أخرى للمسألة الدينية وللإنسان وللمجتمع. فدراسة التاريخ الإسلامي عبر المنهج العلمي أو عبر المقاربة الأنثربولوجية أو دراسة الظاهرة الدينية عموما عبر علم اجتماع الأديان هو الوسيلة الأكثر نجاعة للتصدي لثقافة الموت المعادية للإنسان، على حدّ تعبيره، ولهذه الأسباب يرى عادل اللطيفي أنه من المهم «الاعتماد على تدريس الإسلام والظاهرة الدينية عموما عبر نصوص تتم معالجتها من خلال مقاربة العلوم الإنسانية. ولنا في هذا الإطار تجربة سابقة مع الوزير محمد الشرفي في برامج عدة لتجفيف منابع التطرف الإسلاموية».

الباحثة ناجية الوريمي
نحن لا نزال في مرحلة حرجة
هل على وزارة التربية أن تدرّس النصوص التي تفكّك الإرث الديني حتى يتشبّع التلميذ بالفكر النقدي؟ سؤال «المغرب» للباحثة ناجية الوريّمي، التي اعتبرت أنّ «المؤسّسة التربويّة هي العماد في تنوير عقليّة الناشئة وتطويرها، ومن ورائها تنوير عقليّة المجتمع وتطويرها. وإن اقتصر دورها على إعادة إنتاج الثقافة السائدة بتصوّراتها اللّاتاريخيّة وأحكامها الإيديولوجيّة المستمدّة ممّا أقرّه «العقل الفقهيّ» -في هذا الجانب وفي غيره- فلن تفعل إلاّ أن تعمّق الأزمة المُزمِنة التي يعاني منها العقل العربيّ. وأريد أن أوضّح المقصود بـ»العقل الفقهيّ» حتّى لا يقع التباس. أعني به كلّ عمليّة تفكير تستند إلى سلطة مرجعيّة «نصّيّة» لتبرّر اختيارا بشريّا تاريخيّا. إنّه ما يقوم به مَن يفكّر داخل الحقل الدينيّ من توظيفٍ للمقدّس لفرض آرائه، ليس باعتبارها اختيارات خاصّةً به وبالظرف الذي يعيشه –وهذا ما يظلّ من حقّه- بل باعتبارها حقيقةً تترجم عن الإرادة الإلهيّة التي لا تُردّ ولا تُجادل –وهذا ما ليس من حقّه. فكلّ من يفكّر وفق آليّات هذا العقل، لا يفعل في نهاية الأمر إلاّ أن يدافع عن مصلحة المستفيدين من احتكار السلطة في مختلف أبعادها».
وتضيف ناجية الوريّمي: «إنّ تلميذنا اليوم –وأكثر من أيّ وقت مضى- في حاجة إلى عُدّة معرفيّة نقديّة بها يكون قادرا على الفهم الفاحص للمسائل وللأحداث وللمواقف. ولا يمكن أن يكون فاعلا ومنتجا إن تكوّن وفق مناهج تحدّ من سلطة العقل وتكرّس التسليم بالمتداول والموجود. فالمناهج التي تصادر المَلَكة النقديّة، لا يمكن أن تجعل التلميذ واعيا بنوعيّة المعرفة التي يتلقّاها وبآليّات إنتاجها، ولا يمكن أن تجعل «المواطن» فاعلا في الواقع الاجتماعيّ بشكل إيجابيّ، لأنّ الثقافة التي سيطرت سابقا -ولا تزال- حظّ النقد والعقلانية فيها قليل. ونحن لا نزال في مرحلة حرجة، نحتاج فيها إلى كامل الفعاليّة المعرفيّة التي للعقل النقديّ بما هو عماد التحديث الثقافيّ والبناء الديمقراطي. ومن المفروض أن تترجم البرامجُ الدراسيّة ومناهجُها فعّاليّة هذا العقل».

أستاذة علم الاجتماع فتحية السعيدي
أثر المناخ التربوي على الناشئة
كيف يتجلى أثر المناخ التربوي على الناشئة؟ تجيب أستاذة علم الاجتماع فتحية السعيدي من خلال المنهج البيداغوجي، وتقول :»أرى على غرار جون ديوي بأن «غرض التربية كحركة تخدم المتعلم في يومه قبل غده مع التأكيد على أنها عملية مجتمعية ديمقراطية إذ أن قوة المجتمع هي التي تصبغ الأفراد وتصيغ الأهداف فالعلاقة بين التربية والمجتمع علاقة وطيدة منذ القِدم...» فالتعليم الأمثل عنده هو الذي يغرس مهارات ولا يكدس معلومات، وهو الذي يلامس متطلبات الواقع، ولا ينغمس في تقديس الماضي. وبخصوص بيداغوجيا التعلّم فإني أختم بالتذكير بتجربة كان قد قام بها كوت لوين Kurt Lewin، الذي اتجه إلى تقسيم مجموعة من الأطفال إلى 03 مجموعات».
وتضيف فتحية السعيدي:»المجموعة الأولى وضع على رأسها مربي سلطوي ومحافظ، والمجموعة الثانية وضع على رأسها، مربي متسيب ومهمل، والمجموعة الثالثة وضع على رأسها مربي ديمقراطي ومصغي للناشئة، وخلال هذه التجربة وزع نفس المضمون التعليمي على المجموعات الثلاث، وبعد فترة، لوحظ بأن تلاميذ المجموعة الأولى والثانية هم الأقل استيعابا للمضامين التربوية كما اتسم سلوكهم بالعدوانية والعنف والتسيب وبغياب الضوابط بالنسبة للمجموعتين، على الرغم من أن المجموعة الأولى التي اتسم فيها التعلم بضوابط أخلاقية وبتعليمات توجيهية صارمة فإن التلاميذ بمجرد الخروج من القسم ينفجرون ومعلوم هنا في علم النفس بأن الممنوع مرغوب فيه... كما خلصت التجربة بأن المجموعة الثالثة هي المجموعة الأكثر اتزانا من الناحية السلوكية والأكثر استيعابا للمضامين التعليمية. هذه التجربة تبين بشكل واضح أثر المناخ التربوي على الناشئة وتبين الهنات والإيجابيات الناجمة عن كل منهج ومناخ تعليمي».

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115