صدر عن «دار نقوش عربية» للباحثة خولة الفرشيشي «الجسد في الحمّام» مابين العمارة والحضارة والأسطورة

إن كان لكل مقام مقال فقد ناسب الحدث القول في اختيار «دار نقوش عربية للنشر» أن يكون توقيع كتاب «الجسد في الحمام» للباحثة خولة الفرشيشي صباح أمس بـ»حمام الدرة» بحي ابن سينا بالعاصمة. فكيف كان الجسد في الحمام حمّالا للهوية التاريخية والحضارية وناطقا بالتحولات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية؟ وماهي تجليات ثقافة الجسد وفن الجسد في الحمام؟

«الجسد في الحمام» كتاب من الحجم المتوسط ورد في 172 صفحة وصدر عن عن دار نقوش عربية. وتتوزع صفحات الكتاب على قسمين أساسيين ، حيث اهتم الجزء الأول بالأصول التاريخية والهوية المعمارية ووظائف الحمام. في حين سلط الجزء الثاني الأضواء على الأبعاد الأسطورية وتمثلات ورمزيات الجسد في فضاء الحمام.

الجسد والحمام والهويات المتعددة...
إلى «الجسد المتعرّق» أهدت الباحثة خولة الفرشيشي كتابها الجديد»الجسد في الحمام». من موضوع بحث جامعي في إطار إعداد رسالة الماجستير إلى كتاب متوفر في أغلب المكتبات، كانت ولادة «الجسد في الحمام». تقول الباحثة خولة الفرشيشي في تصريح لـ»المغرب»: استغرق مني هذا الكتاب أو هذه الدراسة ثلاث سنوات تحت إشراف الدكتور عماد صولة بحثت فيها طويلا في الجذور التاريخية والاجتماعية والثقافية والرمزية للحمام. كما قمت فيها بزيارات ميدانية إلى 10 حمامات في تونس بما في ذلك الحمامات الاستشفائية...في «الجسد في الحمام» حاولت استنطاق حركات الجسد التي لم تكن أبدا متماثلة بل هي حمّالة لهويات أنثوية متعددة ومختلفة...».
وكما يدل عليه عنوانه فإن مضمون الكتاب يتناول علاقة الجسد بالحمام من خلال تمثلات ورمزيات الجسد داخل ذاك الفضاء.
تضيف خولة الفرشيشي بالقول:» الجزء الأول للكتاب يتضمن الأصول التاريخية والهوية المعمارية للحمام تناولت فيها حضور الحمام في التاريخ ثم المقارنة بين الحمام الروماني والحمام الإسلامي...أما الفصل الثاني للكتاب فيهتم بالطقوس والممارسات الجسدية في الحمام مع التعريج على الأبعاد الأسطورية لفضاء الحمام من خلال الأسطورة والحكاية الشعبية في التراث التونسي».

الحمام يصالح المرأة مع جسدها
بعيدا عن ثنائية التدنيس والتقديس تبحث خولة الفرشيشي في حضور الجسد في الحمام ليس فقط كرمز للطهارة من النجاسة أو للتحرر من الكبت أو للاستشفاء من المرض... بل كهوية تختزن التحولات الثقافية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية وكلحظة حميمية تتصالح فيها المرأة مع جسدها وتتحرر فيها على حد سواء من موانع التحريم باعتبار أن «الجسد عورة» وأيضا من قيود الثقافة الاستهلاكية التي تخضع جسد المرأة لنموذج «المرأة السلعة» وصورة نموذج الإشهار والاستشهار...
وإن لم يكن الحمام فضاء أنثويا بحتا حيث يقصده الرجال أيضا، فقد اهتمت الباحثة خولة الفرشيشي أساسا بالجسد الأنثوي داخل هذا الفضاء الحميمي. ولعل تبرير هذا الخيار جاء في التقديم الذي صاغه الكاتب المغربي سعيد بوبوز لكتاب «الجسد في الحمام» والذي اعتبر «أن الكاتبة قد توّفقت في الحديث عن علاقة الأرض بالمرأة، وإن لم تبدِ التفاتا إلى علاقة موازية بين الرجل والسماء...وهذا مرده العلاقة الرمزية بين فعل «الإمطار» وفعل «الإخصاب» الذي تحدثت عنه بذكاء حقيقة، خاصة وأن أمر المقارنة هنا لا يتوقف عند رصد المظهر التشاكلي، بل يمتد إلى ما هو أعمق من ذلك...».

 فن الجسد في الحمام
في كتاب «الجسد في الحمام» تخصّص الباحثة خولة الفرشيشي جزءا من كتابها للبحث في زينة الجسد الأنثوي في الحمام الإسلامي، مستحضرة لوازم الزينة مثل الحناء والطين و»الحرثوس»… باعتبار أن «فن الجسد اليوم يعتبر من فنون ما بعد الحداثة».
وإن انحسرت مكانة الحمام بمعناه التقليدي في حياتنا المعاصرة أمام تطور الحمامات الخاصة في المنازل وغزو الحمامات العصرية...فإن الباحثة خولة الفرشيشي ترى أن موقع الحمام لا يزال ثابتا خصوصا في الأحياء الشعبية باعتباره جزءا من طقوسها الاجتماعية على غرار الزواج والطهارة والاستشفاء ...وتدعو صاحبة كتاب» الجسد في الحمام» إلى المحافظة على هذه الفضاءات لتجذرها في صميم تراثنا الحضاري.
وإن تقرّ خولة الفرشيشي بأن المجتمع التونسي لم يتصالح بعد مع الجسد أو ثقافة الجسد فإنها ترى أن العديد من الظواهر لا يمكن قراءتها إلا عن طريق محمل الجسد على غرار انضمام المرأة إلى «داعش»... مؤكدة أن السنوات القادمة سيكون عنوانها بامتياز «أنثروبولوجيا الجسد».

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115