عرض «توحشت» لثريا بوغانمي «أتسألني عن الحرية؟.. جسدي إلياذة حرّية ...»

أرقص على جراحك، انتفي من ألمك وتمردي كما طائر الفينيق، خلقت لتكوني قوية وشامخة معتدة بذاتك فانت الوطن وانت الام والحبيبة وانت الندى و خطيفة الربيع ورمز كل شيء جميل ، ثوري وتمردي فقد خلقت لتكوني متمردة ومميزة، الى المرأة القوية الى المرأة التي ظلمت حدّ الوجع ثم انتفضت ورقصت على جراحها اهدت الفنانة المسرحية ثريا بوغانمي

عملها الجديد «توحشت» الذي سيكون من فعاليات المهرجان الوطني للرقص والموسيقى بقعفور.
تختتم الدورة بعرض «توحشت» لثريا بوغانمي المستوحى من رواية «مريم تسقط من يد الله» للكاتبة التونسية فتحية الهاشمي، والتي تشتبك مع قضايا المرأة من خلال اختبار تجارب من الواقع تعكس حدّة التحوّلات الاجتماعية في المجتمعات العربية خلال الآونة الأخيرة، «توحشت» الذي قدم ضمن فعاليات تظاهرة «تونس عاصمة الرقص» ويقدم في ملتقى الرقص والموسيقى بقعفور سيكون بجنيف سويسرا يوم 9 ديسمبر..

توحشت...الجسد صوت عذابات المرأة
للجسد لغته، للجسد قدرة على الاقناع فحركته ولغته اشد وقعا على النفس من الكلام المنظوم والمنثور، حين يتحرك الجسد وينتفض تنتفض معه الروح والعقل، الجسد لغة صامتة ومؤثرة، الجسد لغة يقدر الاصم والابكم على فهمها، لغة لها تعبيراتها الخاصة، ولانه الاقرب الى الانسان اختارت ثريا بوغانمي الجسد مطيتها لايصال العديد من الرسائل الخاصة بحقوق المرأة ومعاناتها كما في عملها الاخير «توحشت» .

وعن العمل تقول ثريا بوغانمي « عمل توحشت هو في الحقيقة صورة لامرأة لاحقني انينها و عذابها منذ تقريبا خمس سنوات و انا طالبة بالمعهد العالي للفن المسرحي عندما اطلعت على رواية مريم ؛؛تسقط من يد الله ؛ للكاتبة التونسية فتحية الهاشمي التي اتقنت عن طريق الكتابة التوغل في عوالم هذه المرأة».
في «توحشت» الديكور جد بسيط، يتكون فقط من كرسي أحمر فاقع يشير الى لون الدم، لون القتل والعنف، وسكين كدلالة على العنف والضيم وجسد الراقصة الذي سيقدم للجمهور حكايات آلاف النسوة، اللاواتي ظلمهنّ المجتمع والعائلة والنواميس والعادات والتقاليد والدولة والعيب والحرام حدّ التوحّش، لحدّ أن أصبحن يملن الى العنف أكثر من ميلهنّ إلى السلم.
اذ تقول كاتبة النص الذي اقتبس منه العمل «مريم المرأة التي تنتمي إليها فئة منبوذة ومحاكمة و محاصرة من مجتمع ذكوري وأنثوي مع محاولة تسليط الضوء، على انسانيتها و مشاكلها، مواجهة المجتمع الذي يفتح أبوابه لسقوط مريم و لكل مريم و يدفعها نحو الهاوية و هو نفسه من يسعى لذلك متخفيا و متظاهرا بالعفة، في دوامة من الصراعات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، تعكس مريم ضياع المبادئ»، بجسدها تتحدث ثريا بوغانمي عن الاف نسخة من مريم، ترقص لتعبر عن انين ذاتي سكن الاف بل ملايين النسوة، على ذاك الكرسي الاحمر الذي سيكون حاضنة الحكاية يتحدث جسدها بل يصرخ على الحقوق المنتهكة والارواح المكتومة.

الجسد يرقص ليتحرر من مكبلات المجتمع
ما نظرة المجتمع للرقص؟ ما حكمه على المرأة التي تمتهن الرقص؟ كيف ينظر الى من اتخذت الجسد لغة عوض المنطوق؟ اسئلة كثيرة تجيب عنها المسرحية ثريا البوغانمي في عملها الجديد «توحشت» المقتبس من رواية فتحية الهاشمي «مريم تسقط من يد الله» انطلقت ولكن « عبرت عن مريم بطريقتي، عبرت عنها بجسدي لا باللغة، اختزلت كل ذالك الوصف والتعبير في حركات الجسد» على حد قول محدثتنا، بجسدها، بحركاته وانفعالاته تحدثك ثريا بوغانمي عن زيف المبادئ، عن مجتمع ذكوري ونسائي يعيش ازدواجية الشخصية ويمارس خطاياه في الخفاء، بجسدها تتوغل الراقصة في كتابة فتحية الهاشمي فتتقمص شخصية مريم وتتشبع بعذاباتها وتنهل من انينها ليحول جسدها ذاك الانين الى حركات رقص مسرحي ممتعة.

بالعمل تحملك الفنانة الى عوالم الجسد ومعاناته هو الاخر، لتكتشف أن الجسد هو الآخر محاصر، عنيف، محب وكاره، جسد مغلول يريد التحرر دون معرفة الطريقة، جسد تكبله اصفاد «العيب» و«الحرام» و«جسد المرأة عورة» جسد يخوض غمار الحياة السياسية والاجتماعية دون قدرة على ان يكون حرا.
الجسد هنا هو احالة الى وضع المرأة العربية وصورتها، تلك المعنفة والمضطربة، الراغبة في الفعل ثم نجدها مفعول بها و حضورها احيانا كما «الضمير المبني للمجهول»، امرأة او جسد تقول عنه كاتبة الرواية : -ألا ترى الجدران العازلة كالفقاقيع تنبت كل يوم فوق سطح الأرض العربية».
ولكن لان الفنانة ترفض ان يكون الجسد منتهكا ولانها ترى ان الجسد عنوان للحرية، حاولت ان تكون رقصاتها عنوانا للتحرر وعنوانا لحرية المرأة وصوتا لعذاباتها وانينها، « أما انا فأقول من خلال هذا العمل على كل امرأة أن تنهض هكذا فجأة من بين شقوق الاسمنت مثل وردة تشق صخرة كي تخرجي إلى الشمس و المطر و الريح» على حد تعبير ثريا البوغانمي، و تضيف «عليها ان تعرف هدفها في الحياة، وتحدد ما تريده بدقّة، وتسعى لتحقيقه بكافة الطرق دون أن تستمع إلى من يحاولون ثنيها عن تحقيق ما تريد، وفي الغالب تكون أهدافها واضحة ومحدّدة».
ثريا البوغانمي في «توحشت» تكتب بجسدها إلياذة للتحرر، بجسدها تحقق ما قاله نزار قباني في قوله:

ثوري أحبك أن تثوري
ثُوري على شرق السبايا والتكايا .. والبخُورِ
ثُوري على التاريخ ، وانتصري على الوهم الكبيرِ
لا ترهبي أحداً . فإن الشمس مقبرةُ النسورِ
ثُوري على شرقٍ يراكِ وليمةً فوقَ السريرِ

بجسدها تكتب ثريا بوغانمي دروسا في الحرية وحقوق المرأة فبعد «حالة» و«أصوات» نجد «توحشت» صفحة جديدة للنداء بحرية المرأة عمل تقنع فيه المرأة ان جسدها ثورة وليس بعورة.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115