ريبورتاج الفضاء الثقافي «مدق الحلفاء» ببطحاء باب الجزيرة هو الكون حيّ يحب الحياة، فأحلموا وقاوموا...

اختارا الهامش القريب، اختارا فضاء سكنه لسنوات التهميش الثقافي والتصحر و استوطنه الباعة الجوالون، اختارا أن يدخلا الى المهمشين جد القريبين من وسط العاصمة لانهم اكثر ضررا من سكان الهامش البعيد،اختارا ان يكونا من اهل الطموح ويستلذان ركوب الخطر مروى بوبكر وطارق السايح مسرحيان تونسيان امنا بالفعل الثقافي فخاضا غمار افتتاح فضاء

ثقافي متعدد الاختصاصات قبالة بطحاء باب الجزيرة.
مؤسسة مرام للانتاج بعثت هذا الفضاء تحت اسم المركز الثقافي الخاص « مدق الحلفاء» و هو بمثابة الفضاء الثقافي متعدد الاختصاصات هو حلم وليد لزراعة بذور الامل لدى اطفال الهامش، بذرة حياة ستزهر ماداموا متمسكين بحقهم في النجاح.…

اقتحموا الساحات ولا تهابوا التهميش
محطة برشلونة، فشارع اسبانيا، باتجاه باب الجزيرة، قبالة البطحاء توجد عمارة لك ان ترفع راسك اعلاها ستجد لافتة كتب فوقها ببنط احمر كبير «مدق الحلفاء يرحب بكم»، لا تهب السلالم واصعد مباشرة، واحد، اثنان، أربعة، خمسين، ستين، فسبعة وتسعين درجة هي عدد درجات السلم المؤدي الى فضاء «مدق الحلفاء» منذ الطابق الثاني يتغير لون الحيطان، فبعد ابيض واصفر باهتين ستجدك أمام احمر جميل او «دم غزال» كما يسمونه في المخيلة الجماعية، منذ الطابق الثاني تتغير الالوان لتصبح اجمل، الى يمينك رسم العلم الوطني في شكل مربعات انيقة.
وأنت تصعد السلالم سيعترضك صوت درويش يقول «حاصر حصارك لا مفر.. اضرب عدوك لا مفر.. سقطت ذراعك فالتقطها وسقطت قربك فالتقطني واضرب عدوك بي فأنت الآن حرٌ وحرٌ وحر»ٌ وكان بمشرفي الفضاء يدعون الزائر منذ المدخل ليشاركهم اصرارهم.
قد تكون السلالم متعبة ولكن نهايتها جميلة ففي أعلاها حلم ولد منذ اشهر وبدا يترعرع ويزهر املا متجددا في الانسان وفي الفنان في تونس، «هنا بدأت ملامح الحلم تتشكل، بعد تلك السلالم المرهقة اجد سعادتي فمدق الحلفاء اشعر انه جزء من كياني، هو حلمي وحلم طارق سايح شريكي لقد ولدت الفكرة جماعية وكان لنا القدر الكافي من الشجاعة لنحقق حلمنا في مدق الحلفاء.

مدق الحلفاء فضاء ثقافي متعدد الاختصاصات تشرف عليه فنيا المسرحية مروى بوبكر ولوجيستيا طارق سايح، كلاهما يؤمن بمقولة ان أقوى شيء في الكون كله، أقوى من الجيوش وأقوى من القوة المجتمعة للعالم بأسره، هي فكرة آن أوان خروجها إلى النور، فضاء ولد من رحم فضاء مؤسسة مرام للانتاج.
ان تساءلت عن معنى مدق الحلفاء (بثلاثة نقاط فوق حرف القاف)ستجيبك مروى بوبكر «لم نتفلسف في البحث عن اسم للفضاء فقط اردنا احياء الذاكرة واعطيناه اسم المكان فهذه البطحاء تسمى مدق الحلفاء كانوا هنا يدقون الحلفاء قبل بيعها ولازالت ذاكرة الكبار تحتفظ بالاسم» ليكون الفضاء وليد مكان له تاريخه وان ظلّ مهمشا لسنوات أمام الانتصاب الفوضي الذي كان يعيشه.

هنا في المدق تدق حلفاء التهميش لتلد أطفالا مبدعين
باب بني اللون، لافتة سوداء كتب فوقها تعريف مبسط للفضاء، الى يمينك ايها الزائر قاعة العروض، قاعة تتسع لـ 100 شخص، ميزتها كراسي ملونة تنسيك سواد الستائر و الخشبة، الى جانبها فضاء صغير «لوج» للمثلين.
وبالاضافة الى العروض يقدم الفضاء لرواده ناد للمسرح يشرف عليه المسرحي نزار الكشو، ناد يتعلم فيه الصغار والكبار ابجديات الفن الرابع وتكون الخشبة دليلهم.
دع قاعة العروض الصامتة، ستقابلك على الحائط مجموعة من العرائس التي اضفت عليه مسحة من الحياة، خطوة فاثنتان ستجدك في قاعة كتب عليها «قاعة» متعددة الاختصاصات» هي في الحقيقة فضاء للعرائس، فضاء لصنع العرائس التي ستشارك في عروض فنية فيما بعد وسبق للفضاء الوليد ان قدم لأطفاله ورشة في تحريك العروسة وصنعها العرائسي ايمن النخيلي.

قبالتها لوحة لشارلي شابلن وكأنه يدعوك لتواصل اكتشاف المكان أكثر، فهنا في «مدق الحلفاء نريد أن نشارك الاطفال غدا أجمل نشاركهم الالوان والحب والجمال» بضعة خطوات ستجدك امام ابداعات الاطفال، لوحات من رسم اطفال عشقوا اللون واتخذوه اداة للتعبير عما يسكنهم، نادي الرسم تشرف عليه الفنانة هاجر خالدي ومنذ ان انطلق نشاطه نجح الاطفال في تقديم مادة فنية جميلة.

عمر الفضاء فقط ستة اشهر وبضعة ايام (افتتح يوم 18مارس2017)، هناك عوّضت الثقافة فوضى الباعة المتجولين، هناك في باب الجزيرة اصبحت ابداعات الاطفال محل اهتمام اكثر من الملابس والاكسسوارات التي كانت تباع على الطريق، هناك اصبحت الخربة فضاء للابداع والحلم بعزيمة فنانين متمسكين بأحلامهم وبحق اطفال الهامش في الثقافة «ماشاهدته من تعطش للثقافة في باب الجزيرة اشد قسوة من المناطق البعيدة، ربما يعتقد البعض ان اطفال هذه الاحياء متشبعون بالفعل الثقافي فهم غير بعيدين عن المسرح البلدي ودار باش حامبة والعديد من فضاءات العاصمة ولكن اكتشفت العكس واكتشفت ان هناك جهلا كبيرا بالمسرح والفنون في بطحاء تبعد 5دقائق عن اكبر شوارع العاصمة، واشعر ان باب الجزيرة اكثر تهميشا من قرى الداخل» على حد تعبير مروى بوبكر.

دع الاطفال يغازلون الالوان وواصل جولتك فما زال الكثير لتكتشفه، قاعة كبرى بها مرآة على كامل الحائط حتما هي قاعة نادي الرقص، هنا للاجساد ان تحلم وتتحرر من كل القيود، للاجساد ان تعبّر مع الفنانة ايناس البنزرتي.

الى يسارك الآن ارفع رأسك قليلا ستجد لوحة لطفل صغير يعزف على الكمنجة، نغماتها ستكون دليلك في بقية الرحلة، اولا ستجد فضاء قاعة السينما، الى جانبها قاعة المطالعة، ومكتبة ثرية بمجموعات قصصية ودراسات في المسرح وعلم الاجتماع والروايات للكبار، وقبالتها أخرى ملونة للاطفال، كتب وضعت للقراءة ولتشجيع رواد الفضاء على الابداع عملا بمقولة (كافكا) «يجب ان يكون الكتاب فأسا للبحر المتجمّد فينا».

نهاية الجولة في المدق تكون مع قاعة نادي الموسيقى الذي يشرف عليه الفنان نوفل بن علي ، في الركن عود ينتظر انامل حالمة لتعزف عليه وتخرج من قلبه نغمات للحلم ونغمات الاصرار والتمسك بالأمل، «فيكفيني طفل واجد لأشعر بالسعادة، يكفي منخرط وحيد لاشعر انني اضيف شيئا لأطفال هذه المنطقة» على حد قول الفنانة مروى بوبكر مديرة فضاء مدق الحلفاء تلك الصبورة الحالمة ابدا والعاملة بمقولة (فيكتور هيغو) «في قلبي زهرة لا يمكن لاحد ان يقتلعها».

حين تصبح الخربة فضاء للحياة
جميل ان نحلم ولكن الاجمل ان نسعى لنحقق حلمنا، جميل ان نؤمن بدورنا في المجتمع والاجمل ان نعمل بمقولة (بول بورجيه) «يجب أن نعيش كما نفكر، والا اضطررنا عاجلا أو آجلا إلى أن نفكر كما نعيش»، في باب الجزيرة، أمام البطحاء التي كانت فضاء للانتصاب الفوضوي اصبحت ليوم فضاء للثقافة ومنذ مارس 2015 والمشرفون على مدق الحلفاء يعملون لتصبح الخربة فضاء للعروض «في البداية تعبت كثيرا وتعرضت الى الكثير من الضيم ولكن وحدها ارادة الانجاح دفعتني للمواصلة» هكذا تقول مديرة مدق الحلفاء حين تسال عن البداية وتضيف «لولا الارادة لعملت بشعار حانوت مسكر ولا كرية مشومة».

وتضيف محدثتنا «لكن شريكي طارق السايح هو الاخر عاشق للتحدي وهو مادفعنا لنكمل مشوارا انطلق منذ اشهر»، الخربة في باب الجزيرة اصبحت فضاء للفنون في اشهر يمكن أن تجد اطفالا يرسمون عوض الباعة و قدم الفضاء اولا تظاهرة الافتتاح لمدة اسبوع، وفي افريل قدم تظاهرة الطفل المبدع وربما التظاهرة الأهم «سينما الشارع الخربة» تلك التظاهرة التي احتلت الخربة لمدة اربعة ايام لعرض افلام سينمائية، تظاهرة ساهمت في نجاحها درة بوشوشة وعماد مرزوق وسمير الحرباوي، تظاهرة كان اللقاء فيها مع أفلام «يلعن بو الفسفاط» لسامي التليلي و «10عالعاصمة» و«حمرا كحلاء» لحمدي الجويني و «صب الرش» لسمير حرباوي، تظاهرة جمعنا فيها كبار الحي بالاضافة الى الباعة الذين أصبحوا من جمهور التظاهرة، أيام اكتشفنا من خلالها مدى تعطشهم الى الابداع.

الجولة داخل الفضاء ستكشف مدى تمسك المشرفين بحلمهم «انا انسانة طموحة، دائمة الحلم وشعاري غدوة خير» كما تقول مديرة فضاء مدق الحلفاء، فنانة تؤمن ان من حقها النجاح ومن واجبها اعطاء فرصة لاطفال الاحياء ليبدعوا ويجدوا فضاء يحتضن مواهبهم، فنانة امنت بحلمها وما زالت متمسكة ببقاياه، ورغم تجاهل وزارة الثقافة لهم وتجاهلها للمبدعين الشباب لازالت تؤمن انها ستنجح وسينجح مدق الحلفاء في تكوين الاطفال خاصة، مدق الحلفاء مولود ثقافي آخر ينضاف الى المشهد ويعمل لاثراء الساحة الثقافية علها تزهر اطفالا مبدعين وشبابا واثقا من قدرته على النجاح.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115