عرض «بار فاروق» لهشام جابر بمهرجان الحمامات الدولي: تحت الأرض نرقص وفوقها نقاتل

كن كما انت، بجنونك وصخبك وصراخك ورغبتك الابدية في التحرر، انسى ربطة العنق واللباس الانيق وانخرط في هيستيريا الرقص والجنون، فداخل كل انسان طفل متمرد ضحوك، دعه يخرج أمام الجميع، كأس من الجمال كفيلة باذهاب عقلك أما كأس الموسيقى فقادرة على تحويلك إلى «راقص محترف» انسى انتماءك الديني والعرقي والاجتماعي، لك ان تنزع

القميص وان تترك التكلف خارج «البار» لك ان تقف وترقص وتتناسى وجود كرسي يمكنه تحمل ثقل افكارك وجسدك فهنا في «بار فاروق» نتذكر فقط المتعة، ونشوة الحياة والحب معتقين ببعض النقد.

«بار فاروق» استقبل عشاق الحياة والرقص في سهرة جد استثنائية، وزعت خمرة الحب والموسيقى، شربوا نخب الجمال، رقصوا على الحلم المتجدد، غازلوا عاشقات الجسد، تحررت الاجساد من كل القيود، نقلوا الجمهور الى اجواء «الكباريهات» من الثلاثينات الى السبعينات حدثونا عن اسرار بيروت الحقيقية، «تع قرّب ، تع شوف بيروت عالمكشوف، تع شوف نسوانها» عرض أو كوميديا موسيقية اتحدت فيها كل الالوان الموسيقية ليقدموا لجمهور الحمامات «بار فاروق» للمخرج هشام جابر بعد نجاح عرض «هشك بشك شو» العام الفارط.

عرض قدمه كل من ياسمينا فايد وزياد الاحمدية وبهاء ضو وأحمد الخطيب وبشّار فرّان وزياد جعفر وسماح أبي المنا ووسام دلاتي ورندا مخول ولينا سحّاب وشنتال بيطار وروي ديب وبشارة عطا الله.

هنا «بار فاروق» هنا المتعة والنشوة وشبق الجمال
اضواء خافتة تزين المكان كما الشموع في البيران، اربعة موسيقيين، جلسوا مستعدين لانطلاق موسيقاهم في «بار فاروق» خلفهم قسم الركح الى جزءين، اول لصاحبة «البار» و الثاني للراقصات والفتيات اللواتي يشتغلن هناك، راقصان اثنان توليا مهمة توزيع المشروبات على الجمهور و العازفين، على الشاشة خلف الستار تمرر صور لبيروت القديمة، ملابس الكل تحمل المتفرج الى الثلاثينات، السهرة في «بار فاروق» سهرة في كباريه يقدم اغاني بيروت القديمة اغاني المدينة تحديدا فضاء يحملك عنوة الى النشوة والانخراط في الرقص.

اول الاغاني كانت « اه يازين» اغنية مصحوبة بابداع الراقصة «رندا» تلك التي كلما وضعت خطوتها على الركح الا والهبت الجمهور العاشق لحركة الجسد ولغته، رندا رقصت بتحرر وكانها تعلن أن الرحلة الى الثلاثينات قد انطلقت فجهزوا انفسكم واستعدوا ليلة لن تتكرر.
راقص يحمل صندوق المشروبات ويوزعه على الحضور، يوزع الصهباء والمشعشعة والصافية، يشرب قليلا ثم يرقص حد الثمالة و يقول جميلة هي أما حسب طعمها فـ»أرقها الصهبا، وأعذبها الحميّا، وألطفها السلاف، وأخفها المٌدام، وأظرفها القهوة، تُقهِي أي تُكْرِه الطعام أو تُقْعِدْ عنه، وأقبحها القرقف وأفضلها الراح».
مكان اللقاء «بار فاروق» كغيره من «البيران» ستجد ضالتك من أجود أنواع النبيذ، لك ان تشرب شعير الموسيقى، أو «نبيذ» الحب، أو عصير لغة الجسد، أو أن تكتفي بأرجيلة وتشاهد ما يحدث أمامك وتستمتع، «في بار فاروق»... الأجساد ترقص، الحناجر تهتف باسم الفن، والعقول تنقد حال البلاد أيضا.

«بار فاروق» هو عرض مستوحى إسمه من مزيج بين «بار فاروق» ومسرح فاروق» الاول «بار» تجتمع فيه ليلا ميليشيات الحرب اللبنانية ليحتسوا ما لذ وطاب وفي النهار يتوجهون الى الجبهة ويتقاتلون، والثاني مسرح شهد العديد من التغيرات، موقعه ساحة البرج ببيروت كان اسمه «زهرة سوريا» ثم في الحرب العالمية الاولى أصبح مركزا لامداد القوات العثمانية بالسلاح، وبعد الحرب اصبح مركزا للمواد الغذائية، وفي الاربعينات اشترته نادية عتروس زتحول اسمه الى «تياترو نادية» ثم اصبح «مسرح فاروق» تيمنا بالملك فاروق ملك مصر والسودان، ثم بعد ثورة عبد الناصر اصبح «مسرح التحرير» وظل يعمل الى حدود 1971 تاريخ الحرب اللبنانية، مسرح عايش الحياة السياسية والثقافية اللبنانية وفي محاولة للمزج بين «المجون في البار» و «النقد في المسرح» قدمت الكوميديا الموسيقية «بار فاروق».

على الركح عايش جمهور الحمامات أسرار بيروت، عايشوا ما يحاك داخل الكباريهات وما يناقش من مواضيع سياسية واجتماعية، على الركح أبدع الممثلون في تقريب حياة الثلاثينات، رقصن بحرية ودون قيود، تحدثوا غنوا طلبوا الجمهور مشاركتهم المتعة، على الركح حملوا الجمهور من خلال رقصهم ولباسهم الى اغاني خالدة لا تنسى وقدموا 23اغنية لبنانية مع مواويل عراقية وسورية فلبنان في تلك الفترة كانت ارض للقاء الثقافي.

هنا رقص...ونقد
مجنونة وساحرة لها حضور ركح جميل الفنانة ياسمينا فايد فنانة رقيقة أما غناؤها فـ«موندو آخر» جسدت دور احدى الفتيات العاملات في بار فاروق، هي من نسوان فاروق « «نحن نسوان فاروق، نحن زينة ها البلد» ترقص تغني، في بار فاروق تحضر المتعة، دخول الى اجواء الكباريهات ونقل لخصوصيات الفن في الثلاثينات الى السبعينات في لبنان، رقص ومجون تحت الارض فكل الملاهي والكباريهات توجد تحت باطن الارض واثناء الحروب تتحول الى ملاجئ.
لمدة ساعتين ستتخلص من كل المكبلات، ستكون كما انت، طفل يريد اللعب او عاشق يغازل كاس الراح ويشرب كؤوس عرق دون تردد، ستكون كما انت متصالحا مع ذاتك بعيدا عن التزامات العمل والمجتمع ستكون شخصا اخر ينخرط في الرقص والغناء دون تفكير، ستنسى انك مثقف عضوي محمّل بهموم الوطن والمجتمع، ستشرب حد السّكر بالموسيقى وتردد اقوال البحتري:

شرب على زهر الرياض يشوبه... زهر الخدود وزهرة الصهباء
من قهوة تنسى الهموم وتبعث الـ... شوق الذي قد ظل في الأحشاء
يخفى الزجاجة لونها فكأنها...
في الكف قائمة بغير إناء
ولها نسيم كالرياض تنفست...
في أوجه الأرواح والأنداء

ستغني وتحلم هكذا هو عرض بار فاروق، كوميديا موسيقية محملة برسائل الحياة والدعوة الى الانخراط في الجو العام «للكباريهات» و«الشو» الثقافي بعيدا عن لتجاري، «بار فاروق» العرض اللبناني قدم في مهرجان الحمامات، عرض ميزته تلقائية الفنانين وابداعهم، يحملونك الى عالمهم، يشعرونك انك جزء من العرض وانك حقا في «بار فاروق» ترى السكارى والمثمولين والباحثين عن حلول لمشاغلهم والباحثين عن الصخب والحياة، جميعها تتوفر في العرض مع سينوغرافيا جميلة ميزتها الوان الثلاثينات وازيائها.

في بار فاروق يحضر النقد ايضا، بين الجمل الصاخبة الكثير من النقد والسخرية الموجعة، من السياسة، ففي البار يجتمع الرئيس والسائس، في البار يجتمع «الابضاي» و«السارق» والسياسي المحنك، في الرقص نقد للعديد من الظواهر التي عاشتها لبنان ومنها التفرقة والحرب، نقدوا الرئاسة والانتخابات

نقدوا ظلم السياسي وجور الرئيس المستبد، فالكباريه في «مترو المدينة» ليس فضاء للرقص او المجون بل فضاء ينطلق منه النقد للظواهر الاجتماعية، فضاء يجمع أطيافا مختلفة يمكنها الحديث علنا دون خوف من البوليس ولا من اعين الرقابة المنتشرة، في بار فاروق اشاروا إلى ثنائية الحرب والمجون، ففي الاربعينات، تحت الارض مجنون وخمرة ومتعة وفوقها حرب واقتتال، مشهد جسدته ياسمين فايد اخر العرض برقصها تحمل مسدسا وصوت الرصاص يصم الاذان بينما يواصل الراقصون رقصهم، فالبار في قطيعة مطلقة مع ماهو فوق الأرض رواده يبحثون عن الحياة وان احترقت الارض في الخارج.

«مترو المدينة»
«بار فاروق» كوميديا موسيقية منجزة في مترو المدينة هو «كباريه» تحت الأرض، تابع لـ«مسرح المدينة» لكنه مستقلّ عنه إدارياً، فيه بار ومسرح. جرت العادة أثناء الحروب أن تتحوّل الملاجئ الى كباريات: الناس فوق الأرض تتقاتل، وتحتها تتسلّى. نحاول أن يكون «مترو المدينة» مكاناً للتسلية والتجريب وعرض أعمال فنّية متنوّعة وعالمية»، كما يقول باسم بريش.

 

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115