مدير مهرجان صفاقس الدولي الأسعد الجموسي لـ«المغرب»: الثقافة هي تلقيح مناعة ضدّ محاولات ضرب الاستثناء التونسي في الحداثة

لم ينته الحديث بعد عن «إخفاق» تظاهرة صفاقس عاصمة للثقافة العربية 2016 حتى احتل مهرجان صفاقس الدولي صدارة النقاش والاهتمام نظرا للظروف الصعبة والحرجة التي تربصت به وهددّت حتى بإلغاء دورته 39... في هذا السياق كان اللقاء التالي مع مدير مهرجان صفاقس والمدير السابق لأيام قرطاج المسرحية الأسعد الجموسي ...

• تسلمت إدارة مهرجان صفاقس الدولي في وضعية مالية حرجة وأمام محاصرة الوقت .. هل كان الأمر سهلا ؟
كانت مجازفة كبرى...وكان قبولي بالمهمة بمثابة التحدي والمهرجان يواجه صعوبات شتى إلى درجة أنه أصبح مهددا في وجوده ولكن من أجل استمرار مهرجان صفاقس الدولي لبيّت نداء الواجب. وبالرغم من انشغالي بالاستعداد لنشر مجموعتي الشعرية ومواصلة العمل على عرضي المسرحي «ما لم يقله الديكتاتور» في اتجاه ترجمته من الفرنسية إلى العربية... لم أتردد حين تمّ الاتصال بي في العودة من زيارة عمل خارج حدود الوطن لتسلم إدارة المهرجان في محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه...
لم يكن ضيق الوقت - باعتبار أننا تسلمنا إدارة المهرجان قبل شهر من انطلاقه رسميا - هو العائق الوحيد أمامنا بل كانت مفاجأة أخرى غير سارة في انتظارنا وهي أن المهرجان كان في رصيده البنكي صفر مليم بل الأسوأ أن ديونا كانت عليه لفائدة أكثر من جهة...

• هل كان الوضع المادي للمهرجان كارثيا إلى درجة الإنفاق من أموالكم الخاصة والاقتراض من رجال الأعمال لخلاص أجور الفنانين ... ؟
بعد تأخر ضخ منحة وزارة الشؤون الثقافية التي لم يصل جزءها الأول المتمثل في 50 ألف دينار إلا منذ يومين فقط في حين أن المهرجان انطلق منذ 25 جويلية الفارط ...لكم أن تتصوروا حجم المأزق الذي واجهنا ومدى المعاناة ! صدقا كنا كمن تسلح بعصا سحرية لإيصال المهرجان إلى بر الأمان ولعدم الاضطرار إلى إلغاء أي من العروض المبرمجة... وكان هذا بفضل مجهودات كافة أعضاء هيئة المهرجان الذين وضعوا مدخراتهم المالية الشخصية على ذمة التسيير اليومي للمهرجان أما المصاريف الكبرى التي لم يكن من الممكن إرجاؤها فتمت تسويتها بضمانة من بعض رجال الأعمال بالجهة وبمساعدة والي صفاقس. كان الأمر صعبا ولكنه ممتع لأننا ذقنا رغم الصعاب نشوة النجاح ولأننا قطفنا رغم الأشواك ورود الانتصار...

• قلت بأنه لم يتم إلغاء أي من العروض المبرمجة، فما حقيقة إلغاء حفلات لطيفة العرفاوي وراغب علامة وجورج وسوف...؟
في حقيقة الأمر كانت هذه الأخبار المغلوطة نتيجة لخطإ إعلامي أو اتصالي أتحمل فيه المسؤولية. ففي الندوة الصحفية الأولى للإعلان عن برمجة المهرجان قلت بأننا بصدد التفاوض حول هذه العروض . وفي لقاء إعلامي لاحق أكدت أن هذه العروض لم تبرمج نهائيا... وطالما أننا لم نعلن رسميا عن برمجة هذه العروض بصفة نهائية فلا يمكن الحديث عن إلغاء بل هو مجرد تعديل في البرمجة بسبب ظروف مالية قاهرة!

• يلومكم البعض على الخضوع لتهديد النقابة الأساسية لقوات الأمن الداخلي بصفاقس بمقاطعتها للمهرجان في حالة عدم توفير 400 تذكرة لأعوان الأمن والدخول المجاني لعائلتهم وخلاص الأعوان الذين سيقومون بتأمين المهرجان... ما تعليقكم؟
هذا يدخل في خانة الفخاخ التي قام البعض بنصبها في طريقنا لإرباكنا...

• من هؤلاء؟ وما مصلحتهم؟
لا أعرف... ولا أريد أن أعرف. ولكني أتوّجه إلى ناصبي الفخاخ برجاء وحيد وهو العدول عن مثل هذه الممارسات الرخيصة...

• وقد أوشك على أربعين سنة من عمر تأسيسه، لا يزال مهرجان صفاقس الدولي بلا مقر، بلا أرشيف ...؟
للأسف إنه وضع كارثي... وأذكر أنه في سنة 95 عندما تسلمنا المهرجان قمنا بكراء «دار الشعبوني» وسط المدينة العتيقة بصفاقس لتكون مقرا للمهرجان ولكن من جاؤوا بعدنا لم يواصلوا على الدرب نفسه...
وهذه السنة وقبل أسبوع من انطلاق المهرجان أبلغونا بضرورة إخلاء مقر المهرجان في «رواق خليل علولو» بسبب الانطلاق في أشغال المكتبة الرقمية... واقترحوا علينا مقرا آخر بمعرض صفاقس الدولي وهو مقرّ لا يستجيب لأبسط ظروف العمل ... فاضطررنا إلى كراء مقر للمهرجان يفتقر إلى شبكة الهاتف والأنترنات ولكننا لم نستسلم وخلقنا من الضعف قوّة.

• ما بين العروض «التجارية» و»النخبوية» في برمجة مهرجان صفاقس الدولي إلى أي صنف سترجح كفة الميزان ؟
قد نحتاج إلى مراجعة مفهوم «العروض التجارية «... أنا شخصيا لا أسميها عروضا «تجارية» بل أسميها عروضا جماهيرية واسعة. فالجانب التجاري موجود في كل العروض طالما أن هنالك سوقا للفن .وأعتقد أن في اجتماع الآلاف حول أغنية ما أو حفل ما مظهر من مظاهر التعايش حتى أن «ساتر» قال عن الجمهور بأنه «العدد المهول الذي يجتمع حول مشروع أو عمل مشترك...».
وإن لم ندرك هذه المعاني فإننا لن نكون في خانة تصوّر مشروع ثقافي متكامل بل في خانة تنظيم حفلات كما اتفق... نحن نحمل مشروعا ثقافيا يرتكز على مرجعية فكرية وفلسفية من أجل «عروض نخبوية للجميع».

• في السنة الفارطة سُلطت الأضواء ورُصدت الأموال لمهرجان صفاقس الدولي على هامش تظاهرة صفاقس عاصمة للثقافة العربية... فهل دفع المهرجان الثمن هذا العام ؟
الأكيد أن الإمكانات المالية التي توفرت للدورة 38 من مهرجان صفاقس الدولي كانت ضخمة باعتبار أن تظاهرة صفاقس عاصمة للثقافة قد مرّت من هناك ... ولكن نجاح المهرجان لا يقاس فقط بنجومية الأسماء بل أيضا بمدى الإقبال والاستماع والنفاذ إلى الثقافة ليس فقط داخل أسوار المسرح الصيفي بل خارجه... وفي هذا الاتجاه خصصنا ولمدة 43 يوما حافلة للمهرجان تجوب صفاقس طولا وعرضا على امتداد 16 معتمدية انطلاقا من الأسواق وصولا إلى الشواطئ لتقديم فقرات مسرحية وسينمائية ووصلات من الفنون الشعبية... في تعريف ببرمجة المهرجان. و سجلنا ما يقل عن 10 آلاف مستفيد يوميا من هذه الحافلة. وكانت هذه المبادرة إيمانا منا بالمبدأ الدستوري في أن الحق في الثقافة مضمون للجميع.


• فيما تتمثل شراكة مهرجان صفاقس الدولي مع الهيئة الفرعية للانتخابات ؟
بادرنا بتقديم تذكرة لكل شاب يتقدم ببطاقة انخراط لأوّل مرة ...كما نسقنا مع حافلات المهرجان لتوزيع مطويات الانتخابات البلدية القادمة لحث الشباب والمواطنين بشكل عام على واجب الانتخاب. فنحن نراهن على البعد المواطني باعتباره بعدا من أبعاد الثقافة. وفي هذا السياق قمنا بتكريم رجل الأمن الذي جازف بحياته من اجل إنقاذ قاصر حاولت الانتحار، كما توجهنا بتحية رمزية لأبطال الحماية المدنية الذين سهروا على إطفاء الحرائق التي غزت ربوعنا ... لابد لنا أن نثمن هذا البعد الوطني حتى يكون مصدر مناعتنا ضد الدخلاء والدواعش ...

• ماذا عن نيتكم تخصيص مداخيل إحدى الحفلات لنجدة المناطق المتضررة من الحرائق الأخيرة ؟
قمنا بسبر للآراء حول إعادة واحدة من ثلاثة عروض تم تقديمها على ركح مهرجان صفاقس الدولي لتخصص مداخيل الحفل لنجدة منكوبي الحرائق وسيكون ذلك موثقا بحضور عدول تنفيذ...

• هل سيلتزم مهرجان صفاقس الدولي بتسديد معاليم مؤسسة حقوق التأليف والحقوق المجاورة احتراما للملكية الأدبية والفكرية ؟
فعلا لقد أدرجنا هذا الأمر كبند أساسي من بنود التعاقد مع الفنانين، وخصصنا نسبة 8.8 % حسب ما ينص عليه القانون من مداخيل التذاكر تحت عنوان خلاص حقوق التأليف. وهذا واجب لابد أن يؤديه الكل دون نقاش.
كما سنؤدي واجبنا كاملا في تسديد نسبة 5 % للمساهمة في ميزانية الدولة.. وهذا أقل ما يمكن أن نقدمه لوطننا العزيز.

• وأنت رجل فكر وفن ... ما الذي تبقى في ذهنك وجهتك من أثر للحدث الكبير «صفاقس عاصمة للثقافة العربية» ؟
اعتقد أن الانطلاقة منذ البداية كانت خاطئة وكل شيء ينبني على أسس هشة يصعب تقويمه... فبعد أن تقدم صاحب المشروع «وحيد الهنتاتي» بملف التظاهرة وأقنع الكل بها تخلى عن إدارة تظاهرة صفاقس عاصمة للثقافة العربية فاختلط الحابل بالنابل...وإلى اليوم أتساءل :كيف يمكن لرئيس النيابة الخصوصية وقتها غلق المسرح البلدي بصفاقس قبل أشهر قليلة من انطلاق التظاهرة؟
شخصيا لا أقلل من مجهودات وزراء الثقافة في إنجاح التظاهرة كما لا أطعن في مثابرة الهيئتين الأولى والثانية من أجل كسب الرهان ولكن لم تجر الأمور على ما يرام...للأسف كان يمكن لهذا الحدث المهم أن يغيّر صورة صفاقس لكن لم يبق لنا سوى الإحساس بالمرارة لأن تظاهرة صفاقس عاصمة للثقافة العربية لم تأت أكلها !

• توليتكم إدارة أيام قرطاج المسرحية في دورتها الأخيرة للسنة الثانية على التوالي... ما مدى صحة الحديث عن ارتكابكم لتجاوزات مالية... ؟
قيل الكثير وكثر الحديث عن تجاوز الرصيد المخصص لمهرجان أيام قرطاج المسرحية من طرف وزارة الشؤون الثقافية. وتفنيدا لكل الأقاويل والافتراءات فإن التقرير الأدبي والمالي للمهرجان يثبت أن الفائض في المصاريف لم يتجاوز 22 ألف دينار مقابل ميزانية تقدر بمليارين، وهو يعتبر رقما ضئيلا ...وهاهي الموازنة المالية للمهرجان بين أيديكم لدحض كل ادعاء بالباطل (منشورة ضمن المقال).

• لو شمل التحوير الوزاري القادم وزير الشؤون الثقافية الحالي ، ماهي رسالتك للوزير القادم ؟
ينبغي إصلاح منظومتنا الثقافية في العمق بما فيها من مؤسسات وهياكل وقنوات تمويل وطرق تسيير للمهرجانات وللتظاهرات الثقافية ... لابد من بعث المجلس الأعلى للثقافة الأعلى والمجالس الجهوية للثقافة لتكون صوت الجهات. لا نطلب المستحيل من وزير يقود وزارة بميزانية اقل من 1 % باعتبار أن المال قوام الأعمال لكن نرجو أن تكون تسمية وزراء الثقافة احتكاما لمعيار الكفاءة لا على أساس ترضية الأحزاب السياسية ...
إن المسألة الثقافية ليست ثانوية بل هي أساسية باعتبارها القاطرة لجميع مجالات الحياة والمنتجة لأنماط التفكير والإبداع والجمال والقيمة ..الثقافة هي سلاح دفاع وحماية، بناء ومقاومة لرياح التخلف والرجعية وكل محاولات ضرب الاستثناء التونسي في الثقافة العربية الإسلامية.

• وأنت المناضل الحقوقي والمنتصر لحقوق الإنسان، كيف قرأت خطاب الباجي قائد السبسي بمناسبة العيد الوطني للمرأة التونسية؟
هذا الخطاب صالحني مع الباجي ...انا لست متحزبا ولست منخرطا في أي حزب لكني انتمي فكريا إلى اليسار ليس بمفهوم الإيديولوجية بل الفكر. وفعلا كان خطابا تاريخيا أكد الاستثناء التونسي الرائد في الحداثة والمدنية...

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115