روبورتاج: في معرض حرفيات سجنان بالعاصمة فنانات مبدعات لكنّهن من التهميش غاضبات!

هن مبدعات بالفطرة هن فنانات الطبيعة ونساء الطين... من سجنان إلى العاصمة قدمن حاملات عرائسهن وفي عيونهن أمل وفي قلوبهن رجاء بفك عزلتهن والتعريف بإبداعهن والترويج لحرفتهن التي أبدعنها من رحم الأرض والمعاناة حتى نلن عن جدارة استحقاق السعي إلى إدراج صنعتهن المتفردة وموهبتهن الاستثنائية

ضمن قائمة اليونسكو للتراث اللامادي العالمي. وفي قاعة الأخبار بالعاصمة تجلّت إبداعات حرفيات سجنان في معرض علّقن عليه آمالا عريضة...ولكن !
ببادرة من الديوان الوطني للصناعات التقليدية انطلق معرض حرفيات سجنان بقاعة الأخبار بالعاصمة يوم 7 أوت الجاري ليتواصل إلى غاية 11 من الشهر نفسه. ويأتي تنظيم هذا المعرض في إطار حملة جمع التواقيع لتسجيل صناعة الفخار السجناني الأصيل ضمن التراث اللامادي العالمي بمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة «اليونسكو».

فنّ وتراث ...في عزلة عن العالم
وحدها التحف الفنية التي زينت أركان قاعة الأخبار بالعاصمة تدرك حجم معاناة الأنامل التي أبدعتها وقد تحوّلت بين يديها من مجرد طين صلب أخرس إلى أشكال وأبعاد وألوان...هنا وهناك، وشت عرائس الطين بتفاصيل رحلة شقاء حرفيات سجنان من وعورة الجبل إلى حرارة الفرن... ولدى جولتها « بمعرض حرفيات سجنان كان لـ»المغرب» حديث ذو شجون مع هؤلاء الفنانات بالسليقة، المبدعات بالفطرة... وفي صوت حزين وبنظرة منكسرة تحدثت الحرفية «رمضانة المشرقي» عن خيبتها من تهميش الصنعة التي ورثتها عن أجدادها ومارستها منذ سن العاشرة، قائلة:» في سجنان حوالي 63 حرفية تروّضن الطين في كل يوم وفصل ليتحول إلى تحف وأواني... لكن كل واحدة تشتغل في عزلة بمنزلها الريفي في غياب مجمّع حرفي يجمع شملنا حتى يكون لنا عنوانا واحدا وواضحا مما سيسهل علينا الترويج لبضاعتنا والتعريف بمنتوجاتنا...» هنا تدخلت زميلتها لتقول في حنق وعتاب:» لا نريد معارض مهجورة، قليلة الزوار والمبيعات كهذا المعرض الذي قالوا عنه أنه في قلب العاصمة ولكن لا وزير ولا مسؤول زارنا ...ولا أحد اهتم بأن يجلب إلينا الزوار والمهتمين بفننا الذي استحق ترشيحه لقائمة اليونسكو للتراث العالمي بفضل تشبثنا بمهنة أجدادنا وتراث جهتنا...»

عناء وشقاء ...وتجاهل !
في ركن بمعرض حرفيات سجنان بقاعة الأخبار بالعاصمة، جلست الحرفية «صبيحة العياري» على الأرض في تجسيد لورشة حية لتحويل الطين إلى تحف فنية... وان انصرفت هذه الحرفية إلى أشكالها تقوّم اعوجاجها وتسوّي ملامحها في ذهول عن العالم الخارجي من حولها أمام قلة زوّار المعرض وشح البيع، فقد انطلق لسانها عند سؤالها عن حال مهنتها لاعنا ساخطا تراجع حرفتهن ما بعد الثورة فأصبحت مهنتهن كاسدة وحظها عاثر...وأردفت قائلة في حسرة: «سبق أن شاركت في عديد المعارض بالخارج فوجدت كل التقدير والإقبال المكثف على خزف سجنان أما في بلادنا فلا أحد يبذل جهدا للتعريف بنا والترويج لبضاعتنا حتى نضمن قوت عيشنا ... وأمام هذا التجاهل سيكون الثمن باهضا والخوف كل الخوف من اندثار صنعة الأجداد !» واتجهت «صبيحة» إلى الحنفية تبلل ثيابها اتقاء من حر قاعة الأخبار التي غاب عنها التكييف الذي كان متوفرا في معرض آخر منذ أيام بالقاعة ذاتها ؟!

ذات يوم كشفت الفنانة سلمي الرويسي أنها وجدت دمية سجنان تباع في أحد دور العرض بقلب باريس بـ 150يورو في حين أن ثمنها في تونس لا يتجاوز 10 دنانير! وفي معرض حرفيات سجنان بقاعة الأخبار بالعاصمة تحف فنية تروي التاريخ والحضارة والجغرافيا ثمنها يتراوح من دينار واحد إلى عشرة دنانير لكنها لا تجد من يقتنيها ويسد حاجة نساء الطين إلى اللقمة الكريمة!

كان رجاء حرفيات سجنان الأخير الإقبال على شراء بضاعتهن حتى لا يتكبدن الخسارة وكلفة الشحن الباهضة - بالنسبة لوضعيتهن الاجتماعية الحرجة - لإرجاع تحفهن من حيث أتين بها ... في الوقت الذي استحقت فيه الإدراج ضمن التراث العالمي !

عماد شقرون المندوب الجهوي للصناعات التقليدية ببنزرت لـ«المغرب»
قريبا سيكون لحرفيات سجنان مجمّع حرفي
إن كان لنساء سجنان وفنانات الخزف وعرائس الطين أنامل من ذهب تحول الطين إلى فن فإن لهن كثيرا من المطالب المؤجلة والنداءات المعلقة لعل أهمها بعث مجمّع يجمع شتاتهن ليكون لهن عنوان معروف ومعلوم... وفي هذا السياق اتصلت «المغرب» بالمندوب الجهوي للصناعات التقليدية ببنزرت عماد شقرون فأكد جودة المنتوجات المتوفرة بالمعرض والتي تم اختبارها بانتقاء شديد مشيرا إلى أنه كان من المنتظر أن تكون 15 حرفية حاضرة في المعرض لولا تغيب حرفيتين اثنتين. وأوضح المندوب أن الديوان الوطني للصناعات التقليدية قد تكفل بكراء قاعة العرض ومقر إقامة الحرفيات بالعاصمة إلى جانب توفير وسائل النقل من مقر الإقامة إلى قاعة الأخبار كمراعاة للوضع الاجتماعي للحرفيات ومساهمة في التعريف بالتراث الوطني.

وعن المطلب الرئيسي لحرفيات سجنان بأن يكون لهن مجمّع حرفي أكد عماد شقرون أن بعث هذا المجمّع أو القرية الحرفية من أوكد اهتمامات الديوان في هذا الملف وقد تمّ إعداد الدراسة الفنية للمشروع الذي سيشتمل من بين مكوناته على متحف يؤرخ لفن صناعة الطين بسجنان ... مضيفا أن تنفيذ هذا المشروع رهين حيازة قطعة أرض وهو ما يسعى إليه الديوان للانطلاق فورا في إنجاز مجمّع حرفي لنساء سجنان.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115