معرض الخطيب المحتج في الجم : الفن أداة للاحتجاج

كثر اللغو والحديث، تباينت مقاييس الثرثرة وتسابق البعض لنشر الاشاعات و رهانهم كسب اكثر من اعجاب على مواقع التواصل الاجتماعي «الفايسبوك»، تسابقوا لأجل تعاليق اكثر و «بارتاج» يرتفع عدده كلما كان اللغو حول الثورة أو ما يعيشه التونسي بعدها، احاديث هنا وهناك

اشاعة من هنا، و لغو في الجهة الاخرى، فبعد الثورة «لكل شيء ايقاع حتى الصمت» كما يقول محمد الرطيان، كل تلك الاحاديث و الاهازيج والصراعات الكلامية والنزاعات الخطابية جميعها جسدتها الفنانة فاتن الرويسي في معرض فني ومشهدية عنوانها L’aboyeur.
ولاول مرة في تاريخ المسرح الاثري بالجم يقدم مهرجان الموسيقى السمفونية عمل فني غير الموسيقى، واحتضن المهرجان عمل الفنانة التشكيلية فاتن الرويسي حول شخصية «الخطيب المحتج» و هو معرض في ابداعات الفن المعاصر حول ذاتية حقيقية ووهمية في الان نفسه، معرض ولد نتيجة متابعة اداء وسائل الاعلام بعد الثورة واختارت الفنانة الجم في اطار التناقض لان الخطيب ايضا يصدر اصواتا يمكن ان تتحول الى صراخ قد يكون نوتة موسيقية.

الخطيب المحتج...يحتج دون صوت
جميعهم بالابيض، للابيض رمزيته فهو لون السلام، لون القلوب النقية والعقول الراقية، فهل كل الخطباء عقولهم راقية؟ وهل كل خطاباتهم نظيفة لا تشوبها شائبة؟ وهل كل مايقولونه صادق لا غبار عليه؟ اسئلة تطرحها الفنانة حين اختارت الابيض لونا موحدا لكل خطبائهما، واكدت الفنانة انها اختارت الابيض والجميع اختار الخطيب كرمز للصدق والدفاع عن الافكار المتشتتة، هو من الحريف الحقيقي، صنع «البوز» وظهر في كل البلاتوهات التلفزية، هو ضيف كل الحصص الاذاعية ومنشط كل التظاهرات الثقافية، الخطيب الصارخ المحتج هو صاحب الصوت العالي كما شاهد جمهور الجم.

عددهم 16خطيبا وهم فهد خياط وفرج عرفة وهادي عاشور و لينا بوسعادة وسيرين مهدوي واميرة راشد وغيث رخيص و اسامة العابد وهبة بدر الدين وسمر براهم ومحمد زيد ومريم شعابة ورؤؤوف زغواني وياسين زغواني تحت اشراف مهدي بن خليفة وسارة حكيمة.

توزعوا في المدارج الصغيرة الموجودة قبالة المسرح الروماني بالجم، توزعوا في شكل ثنائي، بعضهم يتحدث، والبعض الاخر يلتقط صور سلفي، اخرون يحملون جرائد مقلوبة، رابع امام حاسوب امام حساب فايسبوك، خامس يدور في الفراغ، النقطة المشتركة بينهم ان لباسهم الابيض وتلك الكمامة على الفم التي تشبه كثيرا «شدقي الكلب» ككناية عن نباح الكلب، وكانها بالفنانة تريد التأكيد على دور الكلام وتأثيره في التونسي وقدرته على تغيير موقف ما بسبب كلمة يتيمة، القاسم المشترك الاخر هو «الفايسبوك» في اشارة الى سطوة اشاعات «الفايسبوك» و اخبار «الفايسبوك» بعد الثورة؟، لحدّ أن اأصبح مصدرا يعتمد عليه الكثيرون، يتحركون امام الجمهور، يلتقطون الصور، يتمتمون دون ان تفهم ما يقولونه وكان بالفنانة تشير الى كثرة الاحاديث والشعارات التي لم يستطع المرء أن يعرف الصمت فحينما تسكن كل الأصوات من حولي تنطلق أصوات أخرى.. تنطلق جوقة الداخل: جوقة الذين لا يغادروننا بعد أن يغادروننا ولا يرحلون عن أعصابنا بعد أن يرحلوا عن سماعات هواتفنا.» تماما كما بلاتوهات التحاليل بعد الثورة كلما اغلقت التلفاز او الحاسوب وجدت صداه في الشارع والمقهى.

الخطيب يخرج القصر من صمته
هنا الجم، هنا قصر لكل حجارة فيه حكاية وقصة، هنا ومنذ قرون تعالت اصوات الخوف والرعب وانتشر صدى الموت، لك ان تقف قليلا وتغمض عينيك ربما تسمع زئير اسد او صوت صرخة موت يطلقها مقاتل قبل ان تكون نهايته بين قبضتي حيوان مفترس، هنا يمكن ان تسمع ضحكات الشرفاء يشربون نخب موت اشرس المقاتلين، هنا ايضا احتج الخطيب بالفن، وبعد قرون من الصمت تتحدث حجارة القصر باسم الفنون، ويجوب الخطيب المحتج لفاتن الرويسي كل اركان القصر.

منذ المدخل، الى المدارج فاروقة القصر الروماني الى المداخل الجانبية وضعت فاتن الرويسي لوحات l’aboyeur، ليشاهدها الجميع، عدد اللوحات المعروضة 14 لوحة، اولها لوحة l’aboyeur هي اولى اللوحات في المعرض وفي التشكيلة الاولى التي انطلقت منها فاتن الرويسي في تجربة المعرض ومنها ولدت بقية اللوحات لوحة تشير الى ضرورة التحكم في التعبيرات وان سمح لنا بحرية التعبير، بعدها لوحة ولادة الخطيب، فالخطيب الصغير، وl ‘aboyeur chic، اللوحات الثلاث بنيت في خيال الفنانة، تخيلت كيف يمكن ان يكون هذا الخطيب بقميص اطفال ابيض اللون وكيف كبر معه حب الكلام والصراخ.
خطيب فاتن الرويسي حالم يضا، ومحب و له عائلة صغيرة، فالفنانة خلقت من لوحة اولى حياة كاملة لشخصية ولدت بفكرها فحولتها الى واقع عايشه جمهور الجم.

فاتن الرويسي لم تكتف بالمعرض وإنما انجزت تنصيبة كبرى في مدخل المسرح، تنصيبة محورها تاثير الخطيب في الديمقراطية وتاثره بحرية التنعبير بعد الثورة.

الخطيب المحتج، تجربة مختلفة وجديدة، تجربة لها محورها الخاص ابدعت الفنانة في تقديمه، فنانة تبحث عن الاختلاف في اعمالها قدمت الثورة من وجهة نظر جديدة، فاتن الرويسي فنانة تونسية تعيش بين تونس وبروكسل تستخدم في عملها وسائل فنية وتقنية مختلفة مثل النحت والتركيب والفيديو بالاضافة الى الشعر ، طورت طرقا فنية حول موضوع ممارسة السلطة والحياة المدنية وتوظيف وسائل الععلامو قد اسست جمعية 24ساعة للفن المعاصر.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115