مهرجان الحمامات الدولي : بين رقة روضة بن عبد الله وتمرّد لبنى نعمان كانت الرحلة

كلتاهما مميزة ومختلفة، كلتاهما اختارت الفن طريقها ومسارها ومنهجها في الحياة، كلتاهما تحلم وتريد ان تشكل حلمها نوتة موسيقية مميزة او كلمة تمتع الاذن والروح، كلتاهما تؤمن ان الفن حياة والموسيقى مقدسة واختارتا ان تكونا عنوانا للحلم.

على ركح الحمامات الساحر ابدعتا، وقدمتا للجمهور القليل من حلمهما، الاولى مشبعة باللهجة التونسية باغاني الحب، صوتها الهادئ عنوان لهدوء طبعها ورقة موسيقاها هي روضة بن عبد الله، والثانية حالمة اكثر تمردا ومدافعة شرسة عن مشروعها وحلمها وصوتها الرقيق الهادئ عنوان لثورة داخلية تسكن فنانة تعشق موسيقاها هي لبنى نعمان، وبين هدوء روضة عبد الله وجنون لبنى نعمان كان اللقاء.

قطايتي...روضة عبد الله الطفلة التي لن تكبر
صوت لتهاطل الامطار، سانده صوت الموج غير البعيد، القمر توسط السماء ربما ليزيد المكان بهجة، الوان زاهية تمتع العيش وكانها تشارك في كتابة صورة موسيقية جميلة وصوت اطفال يغنون «يا مطر يا خالتي صبي على قطايتي» اغنية الذكريات والطفولة كانت بمثابة نشيد الحياة عند روضة بن عبد الله، كطفلة متمسكة بحلمها صعدت على الركح لتعانق موسيقاها، بلباس ابيض قالت انه رمز السلم والحلم غنت، تماهت مع كل العازفين الذين رافقوها في رحلتها وشاركوها وحلمها وقدت القليل من متعة قطايتي.

روضة بن عبد الله اختارت اللهجة التونسية اداتها للتعبير في كل اغانيها، تكتب وتلحن وتستعين دوما برفيقتها منى شطورو في تجربة لحنية ثنائية، روضة تغني للمرأة» انادي زينك والقد بوسات الخال تزين هالخد» تغني للجمال، تتغزل بالمراة القوية الحالمة المرأة القادرة على إنجاز مشروعها الموسيقي.
من قطايتي الى ساعات نتوحشك، و انادي انداي و غنت روضة بن عبد الله، رقصت تماهت مع العازفين لكتابة ساعة من المتعة والسحر والجمال، فنانة تونسية تعلمت الموسيقى في قابس تحمل في جرابها مشروعا موسيقيا أساسه الكلمة واللحن التونسي، وقطايتي هو استمرار لعرض أسرار، هو ايضا استمرار لجهد ولتجربة غير موجودة ألا وهي تجربة التلحين المشترك، قطايتي ثمرة تجربة مشتركة لنسوة مبدعات، تجربة عملنا فيها على الكلمة التونسية واللحن التونسي تجربة تتحدث عني وعن الكثيرين تجربة كتبتها بالموسيقى.

في العرض قمت بتوظيف بعض الالات الغربية اضفت خصوصية على توجهنا الموسيقي دون المساس بالطبع التونسي» كما صرحت الفنانة.

روضة كانت على الركح كطفلة صغيرة تخاف ان تكبر طفلة تغانج الالحان وتغازل النغمات المنسابة من الات موسيقية مختلفة كانت سندها للنجاح، ربما لم يقدم العرض كاملا اذ تنقصه اللوحات الكوريغرافية والمشاهد المصورة ولكنه مشروع متماسك ومقاوم يعكس حلم فنانة تونسية انخرطت في طريق صعبة هي طريق البحث والتجديد والابتعاد عن المستهلك والتجاري، بصوتها الرقيق الحالم غنت روضة وتأثرت لحد البكاء، اثرت في جمهورها وكانت انيقة حضورا واداءا.

حس...الموسيقى حس...والحلم احاسيس
حس هو اسم المجموعة التي شاركت لبنى نعمان حلمها، حس والحس انواع، فهناك «حس» او ضجيج مقلق وهناك «حس: او تشكيلة احاسيس حالمة يجتمع فيها الحلم والتمرد لتكون نوتة ثائرة وكلمة حلوة تمتع الروح وتشحنها بمفاهيم الحرية.
بلباس ابيض طويل خرجت لبنى نعمان الى جمهورها في الحمامات، كعادتها لا يخلو لباسها من طابع تونسي ليكون هذه المرة الخلخال و»الخرس» و القفة، وتبادلت المهام مع جمهورها ورمته بالورود، لبنى نعمان رقصت، غنت حاولت صناعة «الشو»، نثرت البالونات في تعبيرة عن حلم طفولي متجدد و شاركت جمهور المدارج، شاركته بهجته بالموسيقى حاولت ان تكون مختلفة ويكون عرض الحمامات مميزا ومختلفا عن غيره من العروض.

على الركح تماهت مع عازف العود مهدي شقرون ملحن مجموعة من اغاني الالبوم، فالثنائي لبنى ومهدي هما عنوان لعشق النغم و الموسيقى، هما من قدما صورة مميزة لشارع الحبيب بورقيبة في اغنية اسمو شارع «اسمو شارع قلبو شاهر، شجرة خضراء وحس عصافر، حتى رفيقي يتجاهلني، ويبقى وحدو يتذكرني» وعودة بالذاكرة الى ما قبل الثورة الى سنوات الظلم والدكتاتورية التي يشهد عليها ذاك الشارع.

لبنى نعمان بصوتها الرقيق الساحر اثرت في جمهورها، لها طريقتها المختلفة في تقديم اغانيها لها احساس طفلة صغيرة على الركح تحلم وتريد ان يشاركها جمهورها حلمها تنثره كما الياسمين وتغني لبياع الياسمين، تتعب احيانا فتغني «توبة كان انعود انتبعك» و لانها ملتزمة بقضايا الوطن والشعب تغني للكبار، تخلد ذكرى درويش وتردد دوما ان «على هذه الارض ما يستحق الحياة» تتحرك كاميرة متمردة رافضة للموجود وتغني لشكري بلعيد ذاك الذي لن تنطفئ ذكراه من قلوب محبيه.

كلما عانقت لبنى الحلم كانت ايقاعات العود رفيقتها في ذلك، نغماته الرقيقة ترجمت ثقل المسؤولية والحلم المشترك بين لبنى نعمان ومهدي شقرون، حلم نجاح فنان تونسي أو مشروع متكامل، مشروع يرجع للفنان التونسي بريقه ويعطيه حقه المشروع فهو ملتزم بالوطن وبالجمهور مشروع يؤمن بالفنان التونسي ويبحث عن التجديد مشروع أساسه ارادة مجموعة حس، مشروع يستحق لفتة من مسؤولي الثقافة في هذا الوطن حتى لا يجهض قبل ولادته، مشروع «حس» هو مشروع ثقافي بامتياز مشروع فني بعيد عن ثقافة العربون و«البودورو» هو مشروع أو حلم جماعي لازالت لبنى تناضل لتحقيقه لانها تؤمن ان الحلم لا يموت وكما المحارب تبتعد عن الحلبة قليلا لتسترجع انفاسها ثم تعود الى غمارها يرافقها حبها للموسيقى البديلة وثقتها في قدرة التونسي على النجاح، فنانة تعمل بمقولتها في أغنية »كان ياماكان».

«الكلمة تحرمت من الكلمة، حكايتنا غير كل حكاية وابعد من كل بلاد ويا روح اصبر ساعات، جرحونا دايات وبايات، اذاالشعب يوما اراد الحياة احبك يا شعب انت الحياة».
روضة ولبنى كل واحدة غنت بطريقتها، لكل فنانة جمهورها وطريقتها المختلفة في التعبير ولكنهما اشتركتا في الحلم والايمان بالفنان التونسي والتمسك بحق التونسي في اخراج مشروعه الى النور.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115