مهرجان قرطاج الدولي سهرتة ارجونتينا تانغو: للجسد لغته فانصتوا واستمتعوا ...

دعه يرقص دعه يتحرر من قيوده دعه يكتب للحضور تاريخا منسيا واحداث ربما لم يذكرها التاريخ المكتوب، دعه يحلق في سماء الحرية ويشرب من مائها ويتلذذ اشعة شمسها دعه يحوّل الدماء المسكوبة زهورا عبقة نضرة دعه يكون عنوان الحب باسمه يتحدث واليه المسار.

لانه مختلف ولانه ساحر ولأن لغته الاقرب الى النبض ولانه الاصدق كان ذلك عنوان سهرة مميزة واستثنائية، على ركح اقدم المسارح في تونس ركح قرطاج الاثري حيث كتب الجسد الياذة الحياة ورسم للجمهور خارطة كنز السعادة المفقودة وحملهم جميعهم الى الذاكرة والتاريخ والحلم، رحلة عنوانها رقصة التانغو مع عرض ارجنتينا تانغو.

الرقص تاريخ وذاكرة لا تمحى
ستة راقصين على الركح، جميعهم يلبس الابيض والاسود، حركات انيقة وبطيئة، لكل خطوة حسابها ورمزيتها، فراقصات انيقات بلباسهن القصير الموشى بالالوان، رقصة قصيرة تتقابل فيها الاجساد وتقترب الصدور وتتعانق الرؤوس لتنقل الجمهور الى عالم مميز، اولى الرقصات كانت رقصة الـ tango mionguero، التي اشتهرت في فترة الاربعينات رقصة قصيرة المدة على ايقاعات حزينة.

يقول ابن خلدون التاريخ في ظاهره لا يزيد عن الإخبار ولكن في باطنه بحث وتحقيق» كذلك هي رقصة التانغو في ظاهرها الكثير من المتعة والجمال والسحر والانسجام بين عاشقي لغة الجسد ولكن في باطنه الكثير من الوجيعة، في باطنه تأريخ للمعاناة، وإخبار عن حقائق تاريخية ربما لم تدوّن بعضها.
رقصة التانغو تعود جذورها الى العبودية الافريقية وتعتبر مزيجا من الرقصات المميزة للسود في هايتي و كوبا والارجنتين رقصة نشات في habanera الكوبية و milonga الارجنتينية وبالاضافة الى المجتمع الافريقي الموجود في بيونس ايريس في الارجنتين.

تخرج المجمـــوعة الاولى لتدخل مجموعة ثانية تلبس فيها الراقصات لباسا طويلا بعضه يشبه اللباس المغربي والمشرقي، لباس ضيق يعطل حركة الراقصات تتقدمهن فنانة بلباسها السماوي تغني وعلى الشاشة صور لمدينة بيونس ايرس، تتحرك الراقصات ببطء ويقدمن رقصة tango caryengue، فرقصة اخرى تعكس توديع امرأة لحبيبها المهاجر الايطالي الى الارجنتين، لحظة تكون موسيقى القيثارة فيها صوت الوداع ولوعة الفراق وحركة الراقص شجن الروح واضطراب نبض القلب رقصة قال عنها المخرج بعد العرض «يقول التاريخ إن راقصي التانغو الأول هم من الإيطاليين الذين هاجروا إلى الأرجنتين» ، مع اصوات القيثارة الحزينة تكون الرقصات عنوان للهجرة والوداع، رقصات تحدثت عن تاريخ الارجنتين عمن هجروا اليها قسرا، عن الحرب العالمية وتاثيراتها.

الحركات البطيئة و الموسيقى الحزينة وكانها نداءات الى الجمهور للرحيل الى الاحياء الفقيرة المحيطة ببيونس ايرس كما هو منعكس على الشاشة فهناك كان التانغو وسيلة المهاجرين للحرية، وسيلتهم للتعبير عن الغربة والوجيعة، بأجسادهم عبروا عن افكارهم الحزينة ومصائرهم الغامضة فالتانغو يترجم الاحاسيس المضطربة وينقل وجيعة الارواح مرهقة و للاشارة خاصة رقصة tango orillero الرقصة البعيدة عن مراكز المدن رقصة الضواحي بها مسحة اكثر من الجنون والحرية.

حرّروا الاجساد فالرقص حياة
لحظات من الحب والسعادة، مغامرة مجنونة مع حركات راقصي التانغو السريعة حينا والدائرية حينا اخر، لحظات من شبق الموسيقى وسحر الالوان واناقة الحركة والصور الممررة على الشاشة تعكس تاريخ التانغعو على ركح المسرح الاثري بقرطاج، راقصوا الحلم وغازلو الجمال، رقصوا، ابدعوا، كانوا كسحرة يكتبون الياذة حب ابدية او هم ملائكة ينشرون الحبور اينما وضعوا اقدامهم، في رقصهم الكثير من الصدق والحب، صدق تقاسموه مع جمهور يعشق الحياة،

عرض عنوانه الفرح، عرض تنتشي معه الروح والقلب، عرض يحملك إلى عوالم من الجمال رقصات مبهجة تركت للجسد حريته في كتابة إلياذته المفضلة.

«على ركح قرطاج عانق الجمهور لحظات من الحب والفراق، لحظات الفرح والترح، لحظات التوثيق والتجديد جميعها حضرت في عرض المخرج آلان دي كارو وهو مخرج يعيش في الأرجنتين لكنه من أصول إيطالية، يحب التانغو الذي كان محور عدد من أعماله آخرها «أرجنتينا» الذي بسط من خلاله إحساسا من الحنين بتكريمه عددا كبيرا من الموسيقيين والكوريغرافيين الذين صمموا التانغو، وطوروه أو رقصوه في أكبر المسارح على إيقاعات أغان معتقة حملت الجمهور إلى الأرجنتين ومن هناك عبرت إلى أمريكا اللاتينية وإيطاليا وإسبانيا، ومع كل أغنية تحرك الراقصون بخفة على الركح... فكانوا أشبه بفراشات تحلق في سماء المسرح الروماني بقرطاج، وتتدفق حبا وحياة وجمالا...
قدمت لوحات «أرجنتينا_طانغو» في شكل قصص متفرقة لكنها تتقاطع بشكل ما... قصة مخرج العرض «ألان دي كارو» الذي يتقاطع مع «التانغو» في هجرته من إيطاليا إلى الأرجنتين، ولذلك كانت الأغاني الأوبيرالية الإيطالية حاضرة في العرض لتسجل نشأة التانغو تاريخيا في إيطاليا ومروره من إسبانيا حتى وصوله مع المهاجرين إلى الأرجنتين أين تطور وصار جزء من التراث «غير الملموس» للأرجنتين والأوراغوي.

حلقت فراشات التانغو في سماء ركح قرطاج، نثروا زهور الحياة على جمهور عاشق للموسيقى، لم يكتف الراقصون بالرقص لوحدهم بل دعوا الجمهور ليشاركهم الحلم على الركح ولأول مرة يكون الجمهور على الركح، تباينت الالوان وطريقة اللباس واختلفت الانتماءات والاعمار وجمعتهم الموسيقى، جمعهم التانغوا وحب الحياة فرقصوا على ركح قرطاج قرابة 20دقيقة شاركوا فيها الفرقة تميزها في كتابة اسطر من الحب في سجل الحياة.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115