مهرجان الزهراء الصيفي: عرض الفلكلور الصربي.. أقدام الراقصين تستحضر التاريخ

لأقدامهم على الركح صوت زئير الاسود، لاصوات الاقراط واساور اليد صوت صليل السيوف، لاصواتهم الصارخة استحضار لأصوات اليتامى والثكالى، ضحكاتهم

نشوة النصر والانتصار، لحركاتهم السريعة حكاية وطن وارض وتاريخ، هم جاؤوا من صربيا قدموا عرضا راقصا لخّص تاريخ وطنهم في حركات اقدامهم.

على الركح شاهد الجمهور دروسا عن تاريخ صربيا، درس قدمه الراقصون من خلال للباس والحركات وأنواع الرقصات، رقصات استحضرت موت الملك «لازار» وهزيمة صربيا في حرب البلقان الاولى، رقصات صاحبتها موسيقى رقيقة كانت مطية السفر الى حضارة اخرى وتاريخ متعدد الهويات.

الرقص تاريخ...الحركة استحضار للأمجاد والهزائم
ضوء خافت يزين الركح، بقعة ضوء حمراء تتوسط المكان، صوت القيثارة ينوح ويترنم بترتيلة حزينة ربما هي ترتيلة الموت، شاب مرمي وسط الركح، يخرج من حوله الراقصون يدورون حوله، ترتفع ضربات اقدامهم وكانها تدعوه الى الحياة، رقصة تستحضر الاسطورة وتحمل الجمهور الى اسطورة لازار» الذي يقال انه مات ودفن وفي يومه الرابع وبعد استجاد اخته مارتا بالرب، يفتح المسيح يسوع باب القبر ويطلب منهم فك قيوده ويدعوه الى الانطلاق فيعود لعازر الى الحياة وجاء في الكتاب المقدس أنه «لما سمعت مرتا بقدوم يسوع خرجت لاستقباله، في حين أن مريم ظلت جالسة في البيت.، فقالت مرتا ليسوع : يا رب، لو :كنت ههنا لما مات أخي. ، ولكني ما زلت أعلم أن كل ما تسأل الله، فالله يعطيك إياه. ، فقال لها يسوع : سيقوم أخوك.،ثم قال : أين وضعتموه؟ قالوا له : يا رب، تعال فانظر. ، فجاش صدر يسوع ثانية وذهب إلى القبر، وكان مغارة وضع على مدخلها حجر. ، فقال يسوع : إرفعوا الحجر ! قالت له مرتا، أخت الميت : يا رب، لقد نتن، فهذا يومه الرابع. ، فرفعوا الحجر... ، قال أهذا ثم صاح بأعلى صوته : يا لعازر، هلم فاخرج. ، فخرج الميت مشدود اليدين والرجلين بالعصائب، ملفوف الوجه في منديل. فقال لهم يسوع: حلوه ودعوه يذهب» كذلك هم على الركح فبعد دورة حوله وارتفاع لموسيقى القيثارة يقترب احدهم منه لنجده ينهض ويشاركهم الرقص.
من الأسطورة الى الملحمة، تخرج الراقصات يلبسن الأحمر الداكن، من ثمة الراقصون وكأنهم يحملون جثمانا، ويدورون كامل الركح.

الموسيقى حزينة تشاركت في كتابة ملامحها الة الكمان والقيثارة، صوت انين تصدره الالات شفع بحركات على الركح وكانها لحظة الفاجعة، اللون الاحمر في الباس التقليدي الصربي يشير الى الدماء التي هدرت في معركة كوسوفو والحركات الدائرية في رقصة kolo هي

استحضار للمعركة التي حدثت عام 1389 بين صربيا والامبراطورية العثمانية، معركة دخل فيها الشعب الصربي عنوة لان الملك لاززار اصدر قرارا بحرمان كل مواطن لا يشارك في الحرب من الطعام واللباس والخمرة وانجاب الاطفال ايضا كما تقول الكتابة تحت النصب التذكاري الذي وضع تكريما لابطال صربيا عام 1953.

معركة خسرت فيها صربيا الكثير من محاربيها امام بسالة الجيش التركي وقائده الامير مراد، على الركح استحضار لتلك المعركة وكانها حدثت الحين فالرقص عندهم عنوان للتاريخ وبفلكلورهم يحكون قصص شعبهم.

وسط الرقصة تسقط احدى الراقصات على الركح، تتلوى، تكون المكنجة صوت لوجيعتها، رقصة تحمل الجمهور وتتجول بيه بين شظايا اجساد معركة كوسوفو، موسيقى موجعة وحركات مضطربة وكانها عنوان للفجيعة، واستحضار لعذراء كوسوفو، تلك التي وهبت نفسها لمداواة جرحى الحرب علها تجد حبيبها حيا يرزق بين الجرحى، على الركح تتحرك تلك الراقصة بسرعة حينا وكانها لحظات لهفة تلك العذراء على جريح جديد عله يكون الحبيب المنتظر لتنتهي الرقصة باستلام الراقصة ، ومع الموسيقى نعرف ان العذراء قتلها حبيب اكلته الحرب.

في ركح الزهراء كان الموعد مع التاريخ، فالرقص تاريخ وليس مجرد ترفيه، المجموعة الفلكلورية الصربية قدمت ثلاثة لوحات حزينة تحدثت عن جانب من هزائم وطنهم صربيا، ربما حركاتهم القوية صفق لها الجمهور طويلا، ولكنها حركات لا تنم عن الفرحة بل تقدم جانبا من التاريخ الموجع وعودة الى حربي البلقان الاولى والثانية ومعركتي بلوشتيك و دوبروفنكا و كوسوفو، على الركح كتبوا اسطرا من تاريخ وطنهم باقدامهم واجسادهم وازيائهم، رقصات مشبعة بالذكريات، ذكريات دولة عاشت الحروب وعايشها شعبها وجدها الجمهور على ركح الزهراء.، رقصات اتحدت واختلفت وتماهت تماما كما النسيج الاجتماعي للام «صربيا».

ألوان زاهية تعددية ثقافية وحضارية
لكل رقصة حكاية، لكل حركة قصة مختلفة عن الاخرى، لكل لون سرّه ولكل لباس حكاية شعب وتعددية ثقافية، على الركح كانوا سفراء وطنهم صربيا، رقصهم كان دليلهم وعنوان لهويات مختلفة اجتمعت في ارض تسمى الان صربيا، ارض تعيش تعددية ثقافية تظهر في الالوان ولباس الراقصين فاللباس التقليدي الصربي يعرف تنوعا من حيث عدد القطع الملبوسة وطريقة التطريز والالوان، لباس اثر فيه الحضور العثماني والالماني والنمساوي والبلغاري وكل الشعوب التي مرت من هناك.

على سبيل الذكر الرقصة الثالثة تلك التي يلبس فيها الرجال سراويل سوداء اللون داكنة معها قمصان بيضاء اللون وفوقها «جاكات» سوداء ويضعون حزاما ملونا على الخصر لباس تتميز به منطقة lvanjica التي يسكنها المهاجرين غالبا هي منطقة ريفية حدودية يمر منها المهاجرون تاركين اثرهم في لباس سكانها، اما سكان lescovac فتلبس النسوة الفساتين القصيرة، وجوارب ملونة بالأزرق والأحمر تصل حد الركبتين ويضعن فوق رؤوسهنّ تاجا من الأزهار، رقصة أخرى لسكان منطقة تتميز بالقبعات، قبعات بعضها اسود وبعضها ابيض وثالث موشى بالاوان قبعات دائرية وزاخرة تشبه التيجان لباس منطقة vogvodina كما شاهدنا على ركح الزهراء.

ترتفع موسيقى الطبلة، عرس على الركح، الوان زاهية تبعث في النفس الانشراج، جمال يضيء المكان، يتسابقون ويرقصون في شكل دوائر وهي رقصة kolo، فثانية تكون خطواتها جد هادئة ترقصها النسوة ويتحركن ببطء على الركح هي رقصة ال bejarka فرقصة ثالثة تشبه الدبكة الفلسطينية او التركية يلبس فيها الراقصون سراويل حمراء وأقمصة بيضاء ويضعون الطربوش التركي الاحمر الطويل رقصة vranjanka، كما قدم الراقصون خطوات رقصة ال moravac و kokorjest وهم الخمس رقصات تقليدية فلكلورية المميزة للرقص الصربي. رقصات وعند كل نهاية رقصة يرفعون أيديهم عاليا وكأنهم يناشدون الرب لحماية وطنهم وكان ارواحهم تقول ما يقوله نشيدهم الوطني:

« يا الله أمنحنا العدالة أنت من تحمينا
من المصائب حتى يومنا هذا
ليتك تسمع من الآن أصواتنا
ومن الأن أحمينا
متحدين سوف نهزم أعداءنا
وعن مدن صربيا سوف ندافع
على أغصان الشجرة الصربية ولد
الإتحاد الأخوي هذه هي الثمرة الذهبية
على الركح تميزوا وأبدعوا، خطواتــهم الهادئة حينا وموسيقاهم الساحرة أمتعت جمهور الزهراء... لكل رقصة لباسها ولكل لباس حكاية، جميعها تشابكت على الركح لتحمل الجمهور الى جولة حضارية لغتها الرقص.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115