اصدارات: مقاربات في مسرح العبث (آداموف وبيكيت ويونسكو وتوفيق الحكيم) للاستاذة سلوى باجي بن حميد: مسرح العبث يتعدّد ويتنوّع بتعدّد السّائرين في طريقه والقراءات التي تمنحه دلالة جديدة..

 صدر خلال الاشهر القليلة الماضية  عن دار سحر للنشر  ، كتاب جديد باللغة الفرنسية للباحثة

والمختصة في مجال المسرح المقارن ، الاستاذة  سلوى باجي بن حميد يحمل عنوان « مقاربات في المسرح العبثي (آداموف وبيكيت ويونسكو وتوفيق الحكيم) ويقع الكتاب في 309 صفحة من الحجم الكبير.

قليلة هي البحوث العلميّة الأكاديميّة الجادّة في مجال المسرح المقارن، لذلك شكل صدور كتاب «مقاربات في المسرح العبثي (آداموف وبيكيت ويونسكو وتوفيق الحكيم)» لسلوى باجي بن حميد  وهي أستاذة جامعيّة متحصّلة على التأهيل الجامعي في الآداب الفرنسية، تدرّس  المسرح بكلية الآداب والعلوم الإنسانيّة بسوسة ورئيسة قسم الفرنسيّة بها، وقد شاركت بمداخلات في ندوات علميّة بتونس وخارجها، فضلا عن إشرافها على تنظيم عدّة ندوات وأيام دراسيّة. والكتاب دراسة مقارنة في مجال المسرح، موسومة بالطّرافة والرّيادة من حيث بيان الحاجة إلى الانفتاح وقراءة المسرحي في المسرح الغربي المعاصر، خلال النصف الثاني من القرن العشرين، مع مبدعي الدراما العبثيّة الّذين لا ينتمون إلى الحضارة الفرنسيّة إلا باللّغة فقط، وهم صموئيل بيكيت (S Becket) الإرلندي، ويوجين يونسكو (E Ionesco) الروسي، وكذلك آرثير آداموف (A Adamov) الروسي، بهدف الانفتاح على الثقافات الفرجوية، لنيل مراقي الاغتناء والتطوير من ناحية، ولتجاوز حالة العقم التي عمّت مجموعة من المسارح الأوربية، بسبب التمركز حول قوالب فنية متقادمة لم تعد تؤثّر في جزء مهمّ من الجمهور. مثلما أفصحت هذه الدّراسة عن بعد مقارني، ووفّقت في إبراز أهميّة مسرحيّة الأديب المصري توفيق الحكيم يا طالع الشجرة (1962) وهي تكتب مسرح اللامعقول وتبحث عن العمق المفقود وتؤسّس لمسرح عربيّ جديد، معتمدا بالأساس على قدرات الفنّ الشّعبي وإمكانات الحسّ الشعبي القادرة على خلق الجديد من الإبداعات، بشكل لا يقلّ جدّة عمّا ينشأ في بلاد الغرب.

علما وأنّ هذا الكتاب يجيء موصولا بمقدّمة ماري كلود إيبار (M-C Hubert) أستاذة الأدب الفرنسي بجامعة مارساي (مرسيليا) وهي مهتمّة بدراسة إشكاليات المسرح وقضاياه، ولها أعمال عديدة في ذلك تضاف إليها مقدّمة هذا الكتاب الذي تضمن ثلاثة محاور رئيسيّة: الأوّل: مسرح العبث مسرح ضدّ المسرح، والثاني: دراسة تحليليّة للعبث: بعد تخييليّ، والثالث: الموت والفنّ ثمّ خاتمة، وأخيرا ببليوغرافيا للمسرحيّات المدروسة، وعناوين أطروحات المرحلة الثالثة المقدّمة في قضايا المسرح، والمجلاّت، والقواميس، والأعمال النقديّة باللّغة الفرنسيّة.

جاء في تقديم ماري كلود إيبار تنويه وإشادة بهذا الكتاب لما له من فوائد ومزايا، أوّلا باعتبار ما شملته عناية الباحثة من المقارنة بين مسرحيّة الكاتب المصري توفيق الحكيم ومسرحيات كتّاب الدراما العبثية الفرنسيين، وثانيا باعتبار أنّ هذا العمل النقدي لا يبدو من صنف البحوث السّهلة، لأنّ سؤال عبثيّة الوجود بعيد أفقه وعصيّ إدراكه..

وفي مقدّمة الكتاب بقلم الباحثة سلوى باجي بن حميد، نلقى تنصيصا على مسألة هامّة تتعلّق بالدراما العبثية باعتبارها أكثر الأشكال انتشارا في القرن العشرين. وقد بيّنت أنّ أصول مسرح العبث وجذوره متعدّدة: منها تأثيرات السريالية، والدادائيّة، والفلسفة الوجوديّة، وكتابات ألبار كامو (A.Camus) وآنويي(Anouilh) وجيرادو(Giraudoux)  وسارتر(Sartre) الّتي تبرز خواء الحياة، وغربة الفرد داخل مجتمعه، وعدم الانسجام بين وضع الإنسان، ورغباته والقطيعة المتبادلة بين بني الإنسان، وشعورهم بالعزلة، ولا معقولية ما يمارسونه من أعمال تشكل الجزء الرّئيسي من حياتهم في هذه الدنيا.

وقد أشارت الأستاذة الباحثة في محور عنوانه «دراسة تحليليّة للعبث»: بعد تخييليّ، إلى خاصيّة من أهمّ خاصيّات مسرح العبث، ألا وهي تشظّي الفضاء والزمن، فالزمن في مسرحيّة انتظار جودو (en attendant Godot) لبيكيت (S. Beckett)أضحى هو السبب المباشر في معاناة الإنسان. وأمّا في المسرحية يا طالع الشجرة، فلا توجد في فواصل في الأزمنة والأمكنة، فالماضي والحاضر والمستقبل أحياناً يوجد في مكانين على المسرح، ويتكلم في الوقت نفسه، فكل شيء متداخل.. أمّا في المحور المعنون بــ «الموت والفنّ»، فقد حدّدت الباحثة أنواعا للموت مختلفة مثل الموت في الأدب والموت السلبي والموت العبثي والإفضاء إلى العدم والموت في مسرح توفيق الحكيم والموت الإيجابي والموت والبعث والأثر الفنّي تحدّيا للموت. ثمّ انتهت إلى جملة من الاستنتاجات، لعلّ أهمّها أنّ الإنسان لم يتوقّف عن البحث والتأمل في قضيّة الموت، ومن هنا يمكننا فهم تجربة سقراط مع الموت، لأنّه كان يؤمن أنّ الحياة تتحقّق بالموت، ففي الموت تتحرّر الرّوح السامية من الجسد الوضيع.. وبناء على ما تقدّم فإنّ هذا الكتاب بحث علميّ جادّ وعميق، يقدّم صورة واضحة عن تيّار العبث الّذي ساد في فرنسا في الخمسينات من القرن الماضي، ثمّ انتشرت أفكاره في بلدان الأطراف ودول المشرق. غير أنّ معالم هذا النوع من المسرح لم تشكّل نسخا باهتة لا روح فيها بهذه البلدان، بل قام روّادها بتأصيلها بما يساير مقتضيات الهويّة والدّين والثقافة والعادات والتقاليد، لذلك بدا هذا النوع من المسرح لا على منهج واحد، ولا طريق واحدة، ولا رؤية واحدة. فيونسكو لم يتماه وبيكيت، وبيكيت لم ينسخ آدموف، والحكيم كذلك لم يغيّب إطلاقا وهو يكتب يا طالع الشجرة شرقيّته وعروبته، لذلك يمكن القول إنّ مسرح العبث يتعدّد ويتنوّع بتعدّد السّائرين في طريقه، وبتعدّد القراءات التي تمنحه دلالة جديدة..

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115