آخر عروض «OUTDOOR» في مهرجان الحمامات الدولي : وقت الجبال تغنّي تخرّ الجباه ساجدة لإرادة الحياة

موسيقاه مقاومة، غناؤهم شجن ونشيد تمرد على الواقع والموجود وأصواتهم ثورة تدك الجبال و تصرخ في وجه من استعمروه ان ارحلوا فالجبل للرعاة لا لقتلة، حراتهم وكانها

طلقات رصاص يوجهونها الى رافضي الحياة، هم الرعاة، ملح الجبل وسنديانه، هم اصدقاء طيور الجبل يعرفون كل مساربه وثناياه، هم الرعاة الذين كانوا نجوم الركح في سهرة موسيقية تونسية ثائرة ومعاندة للوهن وقساوة الحياة
في آخر عروض OUTDOOR كان اللقاء مختلفا، لقاء مع التلقائية والبساطة ، لقاء مع الرعاة الذين لبسوا زي الفن وصعدوا على الركح امام جمهور لا يعرفونه ولكنهم ابدعوا وغنوا بتلقائية وصدق فاحبهم جمهور الحمامات، وقت الرعاة يقرروا ان يقاوموا حينها الجبال تغني وقبالة البحر غنى الرعاة انشودة الجبل الرعاة مبدعون جمع شملهم عدنان الهلالي ومحرز العبيدي وعبد الدايم الهلالي ومقداد الصالحي.

لانهم الاصدق..فأنصتوا واستمتعوا
في ركح غير مألوف، ركح يغيب عنه اكليل الجبل وصنوبره، ركح يفتقد الى حفيف اوراق الشجر وصوت حيوانات الجبل ودخانه ايضا، وامام جمهور غير الجمهور المألوف غنّى رعاة سمّامة للحياة، صرخوا عاليا للحياة ونثروا حبهم وتلقائيتهم على جمهور غفير العدد استمتع حد المطالبة باعادة بعض الاغاني.

لباس مختلف عن العلارض الاول الذي قدم سابقا في مسرح الفلاقة، الرجال لبسوا «البرنوس» و اللحفة البيضاء، اما النسوة فتزين بالحولي والحرام، في العرض حضرت «القشابية» و «اللحفة» و «الكدرون» و «التخليلة» وكل مايشير الى سكان الارياف، بدوا متناسقين مع لباسهم ،هم مصطفى الذيبي وكامل الهلالي وصليحة الهلالي والأمجد الدبابي مباركة بنت عبد الله ومحمد بن حسن والجمعي الهلالي وحسن دبابي وسيرين بن عباس واحمد بن المكي الدبابي هم ابطال ملحمة وقت الجبال تغني، رعاة حفظوا الجبل وأهازيجه، لكل مناسبة اغنية ولكل حدث شعره وطرقه، مجموعة اصوات سمامة كما سماها عدنان الهلالي في اطار التجديد الثقافي كانوا نجوم اخر العروض الخارجية لمهرجان الحمامات الدولي.

هم الرعاة واصدقاء الجبل يهربون اليه وقت الضيق يبثونه شكواهم، منه قوته و معاشهم، هو صديقهم ومزارهم، يعشقون غموضه وقسوته هم الذين يقولون:
«نحن ان قسى الجبل حرثناه، ان شحت الحياة حرثنا الجبل، ان ثار الثوار حرثنا الجبل، ان احترق الجبل حرثناه ايضا فالحرائق هنا تزهر زهرا بألوان زاهية وحرائق الجبل يفوح شذاها عطرا طيبا» فهو رائحة الشيح والاكليل» كما تقول احدى الاغنيات، اغنية تؤكد انهم متمسكون بارضهم وجبلهم، اغنية كشفت بساطة الرعاة وصدقهم.

المرأة...ثائرة ابدا
هنّ الكادحات الصادقات، سكنّ قرب الجبل، لا يهبن صمته ولا غموضه، منه قُوتهنّ و قوَّتهنّ، «الطرق» وسيلتهنّ للترفيه، هنّ جامعات الاكليل، اليهنّ غنت مالية الهلالي، امرأة فقدت احدى عيناها العام الفارط وهي تجمع الاكليل وفقدت رفيقتيها خيرة وشريفة، لهنّ غنت مالية، كلماتها موجعة، تحدثت عن الجبل عن الشهيدتين، رافقت نغمات الكمنجة الحزينة لتقدم درس في نضال امرأة عاشقة للحياة لازالت تعاند قسوة الجبل.

امرأة أخرى كانت نجمة العرض ايضا، عجوز لازالت تغني بقلب طفلة صغيرة، الوشم على جبيننها ويديها يحكي قصص عشق كثيرة، اما تجاعيد الوجه فهي كتاب مفتوح عن جرأة ورباطة جأش وصمود نسوة الجبل امام قسوة الحياة وتعنّتها، «خالتي مباركة» تلك العاشقة الابدية للفن، كانت انيقة ومميزة في عرض الحمامات واثبتت ان الموسيقى عنوان للحياة وكلما غنت ابدعت واطربت.

«وقت الجبال تغني» هي فرجة برية نبتت مع الشيح والاكليل وام الزوكشة على هضاب سمامة...احتفاء بتشبث الرعاة بهضابهم وشعابهم رغم مكر الزمان و قرون النسيان وغياب الأمن والامان...وفنيا اردنا ان نحين النص الجبلي فالمرحلة تقتضي نصا جديدا محاربا شارسا...بعيدا عن تريشش ‘حمامة طارت’ على حد تعبير الفنان عدنان الهلالي.

وقت الجبال تغني يكتب سكانه ملحمة فنية فرجوية، وقت الجبال تغني تدندن ««خالتي مباركة» اهازيج العشق القديمة، ويرقص الجمعي بتعابير وجهه الصارمة رقصة عاشق ازلي ويصدح الكامل محادثا صليحة بصوته الجهوري ورغبته المتشوقة الابدية للوصول الى «كاف الحمام» اعلى سمامة..

غار بويز...من الكهف الى الركح
تتدافع النغمات، للطبلة حضورها وسحرها، مزيج بين موسيقى الطبلة وموسيقى الكمنجة، نغمات هادئة حينا وثائرة رافضة حين اخر، الكل احتشد ليمتع جمهور الحمامات.

ضربات الاقدام قوية يسمع صداها من بعيد، لعبة الضوء سريعة وكأنها تعاند خطوات الراقصين، اطفال صغار تعلموا الرقص هناك في كهوف الجبل واليوم يرقصون على الركح، اطفال مجموعة غار بويز او «عدوى الرقص» كما يسمونها هناك، اطفال متمردون على الموجود يرقصون اينما ذهبوا، في احدى المغارات انطلقت مغامرتهم مع البريك دانس ومن ثمة اصبحوا نجوم الجبل وفنانيه، اطفال لم يتجاوزوا العاشرة زلزلت اقدامهم الركح وهم يتحدثون عن الجبل، اقدامهم الحافية تحدثت عن الجبل وسحره.

وقت الجبال تغني تخر لها الجباه ساجدة للحياة ساجدة للأنفس المتمسكة بالحياة رغم قسوة الجبل، وقت الجبال تغني تذرف الدموع وتحترق النفوس والقلوب من شدة التأثر بطيبة وبساطة وصعوبة مراس سكان الجبل، وقت الجبال تغني يصبح صوت الرصاص كضحكة طفل صغير ويتحول ذاك الدخان الكثيف الى عطر مميز يستنشقه اهل المكان ويزهر الامل فيهم لمواصلة الصمود وقت الجبال تغني تستحضر الجربوعي وساسي الاسود والدغباجي وجامعات الاكليل وكل الصادقين الذين رووا سمّامة بدمائهم، وقت الجبال تغني تكون سمّامة قبلة عشاق الحياة، وقت الجبال تغني ينصت البحر ويصمت موجه احتراما لقدسية الموسيقى.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115