افتتاح مهرجان قرطاج الدولي ... عرض فن تونس...حضر العرض وغاب الفن

هي شدو الملائكة، صوت المستضعفين والحالمين، هي الموسيقى رمز الامل والتجديد ، للموسيقى سحرها وحكاياتها، هي لغة توحد الشعوب وان اختلفت لهجاتهم، في افتتاح

مهرجان قرطاج الدولي كان اللقاء (تونسي) ، موعد مع الاغنية التونسية في توزيع اوركسترالي أنيق في قرطاج التقى الجمهور بعرض «فن تونس» لشادي القرفي .

عرض مزج بين الأغنية التونسية والموسيقى الاوركسترالية ، شاركت فيه ثلة من الاصوات التونسية على غرار سلاف ونور الدين الباجي ومحمد الجبالي وعدنان الشواشي وحضور للكوريغراف رشدي بلقاسمي، عرض وصفته بعض الجماهير بـ«الباهت».

للآلات سحرها أما الكمنجات فسيدة الركح
لك ان تعانق الحلم وتغازل نجوم السماء، لك ان تستمتع بهمس الكمنجات ورقة العود و هدوء الدرامز، لك ان تستمتع بسحر الموسيقى تلك اللغة القادرة على التاثير في المستمع، لغة لا تعترف بحدود الزمان والمكان، على الركح الاثري لمسرح قرطاج، تجمعت الالات الموسيقية لترحل بالجمهور الى عالم من الشجن والهدوء، اكثر من 50عازفا جميعهم تجمعوا واتحدوا ليمتعوا الحضور، تحدثت الكمنجات اولا معلنة عن بداية الرحلة، قرابة 12كمنجة كتبن اسطرا مميزة في رحلة موسيقية قوامها الموسيقى الاوركسترالية، وبعدها تحدثت آلات النفخ لتعلن انها موجودة وستشارك الجمهور متعته.

في افتتاح مهرجان قرطاج كانت الكلمة الفصل للآلات الموسيقية، البيانو توسط الركح ليعلن انه سيد الحفل والمكان، وبقية الالات كانت جوقة عسكرية موسيقية لحماية العرض ولتوفير الحد الاقصى من المتعة لجمهور جاء متعطشا الى الموسيقى التونسية.

تنطلق رحلة الموسيقى مع النشيد الوطني التونسي السمفوني، ثم تنادي الكمنجات ان استمعوا وانصتوا الى مقطع «سير الوطن» للشاذلي مفتاح وهي تحية للموسيقى النحاسية وروادها الذين ظلوا من جنود الظل فأول وثيقة تاريخية وصفت فرقة الجيش العسكري كانت سنة 1604 وهي لديبلوماسي فرنسي يدعى «دوبراف» كما جاء في كتاب «حفريات في ذاكرة الموسيقى العسكرية» للدكتور أنيس المؤدّب، تحية قدمتها آلات الساكسوفون صحبة آلات الدرامز.

«فن تونس»، عرض لشادي القرفي ميزته محاولة المزج بين الاغنية التونسية وتفغمات اوركسترالية مميزة، ففي «فن تونس» غنت الكمنجات «عيبك» صحبة عدنان الشواشي، الكمنجات ابدعت وتمردت في هذه الاغنية افتكت البريق من بقية الالات وأعلنت مسيرتها الموسيقية الخاصة.

العرض فرجوي يحتوي على الموسيقى التونسية في شكل بوليفوني يراوح بين الكتابة الاركسترالية وآلات العربية والتقليدية و مزج الغناء العربي بالاوبرالي، امام جوقة من الآلات الموسيقية المختلفة كانت المتعة مع موسيقى مزجت اللحن التونسي باخر عالمي، موسيقى يمكن ان تاخذ المتفرج الى عوالم سحرية قوامها الموسيقى ففي العرض ابدع شادي القرفي في التوزيع الموسيقي والمراوحة بين العربي والعالمي.

حضر الفنانون وغاب الاخراج
فن تونس، عرض افتتاح مهرجان قرطاج الدولي، عرض قيل انه سيحتفي بستين عاما من الاغنية التونسية، عنوان مهيب منذ البداية سيدفعه المتفرج للسؤال عن الحقبة التاريخية، سيسال عن الاغاني التي ستكون حاضرة؟ وهل سيقدر العرض على اختزال ستين عام في ساعتين.

امام جمهور جد متنوع، جمهور جاء لاكتشاف العرض وتذوق الموسيقى التونسية كان اللقاء، مع فن توس عرض قال عنه شادي القرفي فن تونس ليس استعراضا لمجموعة من الاغنيات ولا يهدف الى استحضار بعض العلامات المضيئة في الاغنية التونسية بقدر ما يروم التوثيق لمنجز رواد مثل محمد التريكي والشاذلي أنور ومحمد رضا ورضا القلعي وعلي شلغم والصادق ثريا وصالح المهدي وقدور الصرارفي وغيرهم وصولا الى جيل الثمانينات أي جيل عبد الكريم صحابو ومن ظهر معه خلال تلك الفترة . فن تونس استعراض لمسار كامل دون تجزئة او انتقاء.

بداية العرض كانت مع الفنان نور الدين الباجي، الذي لم يتماهى مع الكتابة الاوركسترالية وغنى وحاول اطراب الجمهور وقدم اغنيتي « كي يضيق بيك الدهر يا مزيانة» للصادق ثريا وبالتوزيع الجديد اصبحت الاغنية اقرب الى موسيقى الفلامنكو التي تفاعل معها جمهور قرطاج بالرقص وأغنية ثانية هي و«أنا جيتك يا رمال» ليوسف التميمي أغنية رافقه فيها الكوريغراف رشدي بلقاسمي ليكتب بجسده بعض تقاسيم نوتات متمردة.

ثم خرجت الى الجمهور فنانة جميلة دائما، السيدة سلاف بفستانها الزهري الجميل، سلاف غنت وامتعت معجبيها وجمهورها فنانة لم تكبر ولا زال صوتها قويا كما يعرفه الجمهور، سلاف غنت وضحكت وشاركت الجمهور حلمه ومتعته وقدمت «ياما قلبي يطير وجنح» و»محبوبي الغالي».

فلقاء مع فنان «مايكبرش» فنان لصوته العذب سحره وميزته، الفنان عدنان الشواشي عاند صخب الكمنجات وغنى «عيبك» و«ماحبيتش» عدنان الشواشي فنان من طينة مختلفة تماهى تماما مع التوزيع الموسيقي الجديد، اقنع جمهوره وبدا كشاب عاشق يغازل محبوته تلك الساكنة بين نوتات الكمنجات.

الطفلة نور قمر ايضا لصوتها حضوره القوي، لم يمنعها صغر سنها من معاندة الالات الموسيقية ومحاولة التغلب على تعنتها، نور قمر طفلة لها حضورها المميز والأنيق على الركح، طفلة غنت للطفولة في افتتاح مهرجان قرطاج، لكن أسماء بن أحمد لم تقنع الجمهور وصوتها كان جد ضعيفا حاولت تقليد بعض الفنانات في وقفتها الى جانب البيانو ولكنها أضاعت خط سيرها وبدت تائهة على ركح جمع فنانين من أعمار مختلفة.

بعد اللقاء مع الطربي كان الموعد مع الاغنية الشعبية، لقاء مع فنان عرفه الجمهور باغنية «الكمون منين» ، قاسم كافي كان حاضرا وغنى «ليليري يمة» التي رقص لها الجمهور فأغنية ثانية هي «شهلولة» لأحمد حمزة والمؤسف انه غناها انطلاقا من الورقة فقاسم كافي لا يحفظ كلمات الاغنية.

لتكون نهاية العرض مع موسيقى الناي، يتحدث الناي بنغماته الرقيقة الهادئة ينادي الكل ان يشاركه انينه وشجنه، وكانه يستحضر شهداء الوطن ويرثي الدغباجي ، مع موسيقى الناي الحزينة يغني الفنان التونسي رشيد القفصي صاحب الصوت القوي او «خليفة اسماعيل الحطاب» كما يسميه البعض «الخمسة الي لحقو بالجرة» اغنية تصاحبها لوحة راقصة قدمها رشدي بلقاسمي.

جميعهم غنوا، بعضهم اقنع وبعضهم قدم اغنيته وترك الركح، في تقديم العرض قالوا انه عرض فرجوي؟ فاين الفرجة في العرض؟ والسؤال الاكثر الحاحا اين الاخراج؟ للعرض مخرج هو حاتم دربال؟ ولكن الجمهور لم يشاهد بصمة للمخرج ولا هناك ما يميز «فن تونس» عن غيره من العروض التي يتوزع فيها العازفون على الركح وهناك من يقدمون أغان ثم يتركون المجال لغيرهم، وسبق ان قال المخرج عن العرض « ستكون الإضاءة والرقص والسينوغرافيا والملابس تمظهرات لذلك تعالج ارث الحقبة الزمنية التي نشتغل عليها وتخرجها في قالب معاصر محاولة منا لخلق عرض فني راق تكتمل فيه مجمل عناصر الفرجة: فاين هي السينوغرافيا؟ واين هو الضوء والحال اننا وجدنا ركح المسرح كما عهدناه نفس الضوء البنفسجي والازرق المنعكس على الاشجار المحيطة؟ وأين اللباس ولكل فنان لباسه الخاص والعادي فلا وجود للباس موحد او لباس تونسي مميز وكان بامكانهم انجاز لباس تونسي خاص بعرض يلخص مسيرة ستين عاما من الموسيقى التونسية؟ عرض غنى فيه المغنون، ادوا اغانيهم اما الاخراج، فغاب تماما.

جسد رشدي بلقاسمي قارب نجاة العرض
لحركاته وقع نبض الحياة، له سره ولرقصه شيفرات لا يعرف كنهها غير حركات جسده، هو «منقذ العرض» كما سماه البعض، او هو قارب نجاة انقذ بجسده وبرقصه العرض من السقوط في هاوية الفشل، الكوريغراف رشدي بلقاسمي وكما عهده الجمهور كان مميزا وانيقا حضر في ثلاث لوحات انقذت العرض، لوحات ابدع فيها رشدي بلقاسمي، لوحات حرر فيها جسده من كل القيود رقص بحرية، تعنّت ورقص بحزامه، تحدى كل الناقدين ورقص.

رقص أولا بلباس قرقني، ومن ثمة رقص بالدنقري، في لوحاته لكل رقصة لباسها وحركتها المختلفة، على الركح ولدقائق يقدم رشدي بلقاسمي تاريخ الخطوة التونسية، بجسده ياخذ المتفرج الى حكاية كل خطوة ويقدم توثيقا للعلاجي وبونوارة.

رشدي بلقاسمي وجسده الثائر كتب ملحمة راقصة على الركح ملحمة قوامها الجسد ولغته الصامتة، على الركح صرخ جسده عاليا ان احبوا الحياة واعشقوا تفاصيلها، غنوا واحلموا فالحلم حق، رشدي اهدى رقصته المتمردة الى نواب حركة النهضة الذين قاموا بتغطية وجوههم عندما نزع قميصه.

وكالعادة انقسم الجمهور نصفين في تعليقاتهم على رقصة رشدي بلقاسمي، قسم رأى في رقصه ابداع وتميز رأوه كطائر الفينيق ينبعث من رماده ورأوا ان ضحكته عنوان للجمال والحب، اما الشق الاخر فلامه لانه نزع قميصه، ونقدوا رقصه بحزامه واتهم بعدم التمييز بين الرقص في حفل خاص والحضور على الركح، ووصل الاتهام حد التشكيك في أشياء كثيرة خاصة به.. نقد وانتقاد طال حركات رشدي بلقاسمي الذي يعتبر أن «كلما نقدوني أكثر فذاك دليل نجاحي، وكلما استطعت استفزاز الجمهور زادت ثقتي بما اقدم»، رشدي بلقاسمي استفز الجمهور، كان أداؤه مميزا ومختلفا شد انتباه الكثيرين، قدم درس في تاريخ الخطوة التونسية بكل جرأة، فنان لا يعرف طريق المهادنة فهو عاشق للتمرد والاختلاف.

لم ينجح عرض افتتاح مهرجان قرطاج في شد انتباه الجمهور، عرض يطرح السؤال كيف تختار عروض الافتتاح؟ لم كل ذاك البرود في عرض الافتتاح لاكبر مهرجانات تونس؟ اين الابداع عند الفنان التونسي؟ وهل حقا سبق للمجموعة وان قامت بالتمارين و «البرايف»؟ لان هناك تنافر ونشاز بين المغنين والعازفين في اكثر من أغنية.

هوامش:
• البعض سأل لماذا لم يخرج محمد بوغلاب ليقدم حفل الافتتاح واكتفى بالتقديم من خلف الركح فقط صوته وصل الى الجمهور؟
• قاسم كافي يغني من الورقة، طريقة دفعت الجمهور للتهكم والقول «قاسم يفسكي على أحمد حمزة».
• في حركة جميلة أهدى العجمي الوريمي «مشموم» الى مصورة التلفزة الوطنية.
• رشدي بلقاسمي كالعادة يثير حفيظة الجمهور ويصبح حديث الكل بعد العرض.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115